تنوع الابداع.. مابين اللوحات والتصاوير الخالصة وبين عناق الكلمة والرسم.. بين هتاف الحروف ودنيا الاضواء والظلال والخطوط والالوان.. ولقد كان لبيكاسو تجارب عديدة في هذا الاتجاه خاصة ما قدمه من رسوم صاحبت اشعار صديقه بول ايلوار" 1895-1952"شاعر المقاومة الفرنسي صاحب القصائد الثورية ومن اشهرها قصيدة " الحرية " التي انشدتها حناجر الملايين ويقول فيها : "فوق كل الصفحات المقروءة فوق كل الصفحات البيضاء الحجر، الدم، الورق أو الرماد أكتب اسمك فوق الصور الذهبية فوق أسلحة المحاربين فوق تيجان الملوك أكتب اسمك وقد انخرطا معا في الحركة السيريالية .. كما اشتركا سويا في " الجورنيكا "التي ابدعها بيكاسو وتعد اعظم وثيقة تدين الغشم ومع بداية العام الجديد 2012 جاء لقاء الشاعر امين حداد في ديوانه " من الوطن للجنة " في موازاة لوحات الفنان سمير فؤاد بقاعة بيكاسو بالزمالك.. لقاء الفن والحب والثورة باهداء: : "الي شعب مصر الذي يثبت دائما ان الاساطير حقيقة"... ويعد هذا اللقاء بين الشاعر والفنان ملحمة تعبيرية من اجمل ما قدم في ثورة مصر " يناير 2011 ".. اعاد سيرتها ومسيرتها بين التضحية والفداء والبذل والعطاء والاستشهاد. وامين حداد شاعر وابن شاعر.. والده رائد العامية المصرية فؤاد حداد صاحب "كلمة مصر " و" من نور الخيال وصنع الاجيال في تاريخ القاهرة " و " الحضرة الذكية " و " الشاطر حسن " وقد خرج من معطفه وخرج عليه وتشبع بثقافته الرفيعة.. وانشا امين بموهبته الكبيرة قاموسا لغويا جديدا وصوتا خاصا في الشعر العامي . وهو يكتب روح الثورة وتوهجها : " طبعا مش محتاج افكرك بالهرم والنيل وميدان التحرير.. وثورة يناير ..اثبت ...سرب الحمام اللي طاير كان تحته شعب.. ملا السما بغناه.. راجعين راجعين ياحياة.. راجعين بقلب.. ومصرهي الحبيبة اللي بتتحب والكل حبيبها.. سكنت جميع القصايد.. ومش حاتسيبها " وهو يرسم بالشعر خريطة طريق الوطن خلال الثورات والانتفاضات في التاريخ المعاصر ويعكس معدن الشعب المصري وما يحمل من صلابة المقاومة ..وديوانه " من الوطن للجنة " اغنية ثورية خاصة شجية وحالمة وشاعرية في حب مصر وناسها وكل تفاصيل حياتها وهنا تلتقي لوحات الفنان سمير فؤاد مع سحر كلمات الشاعر امين حداد ..لقاء في حب الوطن.. يتوازي ويتماس ويتقاطع ويمتزج.. كل بلغته . وسمير فؤاد حملت لوحاته جينات ثورة 25 يناير خاصة في معرضه الذي اقيم قبل الثورة بعنوان "لحم "وهو عنوان صادم بكل ماتحمل الكلمة من معان حسية ومعنوية وايضا بكل ما تحمل من اشارات وحقق هذا الحدس الفني الذي استشرف المستقبل وقتها ..وقامت الثورة بعد معرضه باقل من شهرين . وفي معرضه الحالي" من الوطن للجنة " يقدم تفاسير تصويرية للثورة في شفرات تعبيرية تلتقي مع شفرات اللغة النافذة لأمين حداد وتتوازي اللوحة مع المقاطع الشعرية باسلوب ينتمي للفن الجرافيتي ..هذا الفن الذي تألق مواكبا لثورة مصر. وتؤكد مقتطفات الديوان المعروضة بجانب اللوحات هذا اللقاء بين الرسام والشاعر علي حب مصر وهنا تتاكد العلاقة بين ماتقوله الخطوط والالوان وتلك التي تثيرها الحروف والكلمات وكيف يتكامل الشكل والمضمون بحيث يمكن ان يغلب علي اللوحة الايقاع الشعري ويسيطر علي القصيدة الرؤية البصرية . " وعلمت من مصادر ان مومياء في المتحف المصري تنفست بصوت مسموع وتحركت ذراعها . وان الشجر انضم للمظاهرات وان دماء تجري في الشوارع وان القمر نزل الي الارض وان النور سكن في عيون المصريين والايقاع سكن قلوبهم وفي حناجرهم سكن الهدير وان الاساطير حقيقة في ميدان التحرير " وفي تعبيرية درامية يقدم سمير فؤاد حالات وافاقا وصورا ايقونية للثورة.. وهي تعد بمثابة تعاشيق الوطن من خلال مفرداته وعناصره ومكوناته . وهنا تنساب تلك الوجوه المصرية المنتفضة والصامدة ..الضارعة والحزينة.. وجوه الثورة من الشهداء والثوار بنين وبنات من الشباب مع الاباء والامهات والاطفال ... وجوه مهتزة من فرط الالم ووجوه تبتسم لنور الصباح اللي لاح "بشمس الثورة ووجوه تصرخ " لكن تظل اعمال الفنان سمير فؤاد ذات الطابع الرمزي والتي يمتزج فيها علم مصر بالوجوه والقلوب والكتابات مع السطوح الخشنة صورة يتجلي فيها الفن الجرافيتي المصري والذي تكتب ميلاده الثورة في أبهي صوره . وما اجمل تلك اللوحة التي تبدو فيها فتاة في نظرة محلقة بوشاح ازرق ورداء اصفر علي خلفية من الاخضر السندسي مع بقع من الدماء وطيف علم مصر وشمس الافق زابلة شاحبة ..انها صورة للرمز والحلم يمتد من الوطن الي الجنة . والصورة مقابلة لهذا الرجل في ديوان امين حداد الذي :" حط علي عبد المنعم رياض وعرف معني المقاومة والعمل وشرف الحرب بين الامل والعدو الغادر.. بين امنيات الشر والدموع اللي خانقة الحناجر.. بين القلوب والخناجر.. بين الطوب والمولوتوف.. والشجاعة والخوف.. وشاف الجمال والبغال والاحصنة.. في اغبي لحظة في تاريخ الامكنة.. مشهد حيفضل في التاريخ محفور يفضح شهود الزور ويحمد ربنا " . ويظل علم مصر ايقونة الثورة يرفرف في لوحات سمير فؤاد ويخفق. يؤكد ماقاله امين حداد : وحتي شوفي الصور.. تلقي في جبينا ضياء.. وفي عيوننا ندي.. وفي ابتسامنا فدا.. شوفي الصور تلاقينا مش اجساد.. لكن عيون وافئدة ..ساكنة في روح المؤمنين.. يامصر يا واحدة.. يا مصر ياملايين ". تحية الي ثورة مصر التي تألقت في عناق حار بين الكلمة والصورة .