إذا كانت المسألة في الإيرادات فقد حققها أكثر من مرة متفوقاً علي غيره.. لأنه في السنوات الست الأخيرة حافظ علي صدارة المشهد السينمائي وجمع بين نجومية الشباك.. والدخول إلي «أبواب» النقاد وإعجابهم واحدة واحدة.. هنا تحتاج العملية إلي وقفة مع هذا الفنان الذي يصعد خطوة مع كل عمل بينما يتأرجح غيره بين فيلم وآخر.. وبعضهم تراجع خطوات للوراء وهذا السباق يمكن اختصاره عند المقارنة بين ما فعله محمد سعد بنفسه وبنجاحه وبين ما يفعله أحمد حلمي.. الأول اكتسح كل الأرقام بشخصية اللمبي رغم مافيها من عته وانحدار وأداء نمطي لا يتغير وإن استبدله ببوحة وكركر وبوشكاش وغيرها فكانت النتيجة أنه جني علي نجاحه الكبير وانكمش وتراجع والثاني تمسك بأهم صفات الممثل الجيد.. بأن يعرف كيف يتقمص شخصياته بعضها من بعض.. وفي ذلك يتضاعف الجهد الذي يبذله بين البحث عن الفكرة وخدمتها بتشكيل فريق عمل يناسبها ويعرف كيف يقدمها علي مائدة الجمهور بأشيك وأرقي ما يمكن. سعد لعب كذلك علي التدني.. فتدني.. وحلمي لعب علي الارتقاء فبلغه شكلاً ومضموناً. وفي تاريخنا الفني السينمائي نماذج عديدة من هذا النوع الذي ينجح بحركة أو شخصية.. فيظل يكررها حتي يجد نفسه في دائرة من الفراغ.. وحجته في ذلك انه يستثمر نجاحه.. وأبسط قواعد الفن المغامرة والدهشة وفي ذلك يجب أن نسأل أين «القرموطي»؟ وأين زكية زكريا؟ وعند الثانية نتوقف لأن فيلم «إكس لارج» يعيد تقديم صاحب شخصية زكية «إبراهيم نصر» في ثوب جديد يليق بخبرات صاحبه الطويلة في دنيا الكوميديا وأنت أمام هذا الفيلم الذي استمد نجاحاً في فكرته البسيطة التي قدمها الثلاثي أحمد حلمي ممثلاً وشريف عرفة مخرجاً وأيمن بهجت قمر كاتباً.. مع باقي فريق العمل وعلي رأسهم الماكياج.. قدموها جميعاً في قالب يحمل الكثير من الشياكة في المعالجة والتناول.. رغم أزمة بطل الفيلم في بدانته المفرطة.. وأيضاً في إنسانيته المفرطة وذلك هو المطب الذي أفلت منه المؤلف بمهارة.. وأظن أن حالة والده الكاتب الراحل بهجت قمر وقد كان من أصحاب الأوزان الثقيلة.. جعلته ينسج سيناريو الفيلم بحرفية.. فلا يقع في فخ النمطية.. ولا في بئر المباشرة والسطحية.. ويتحول الفيلم من أبعاده الإنسانية إلي مجموعة اسكتشات معروف أولها وآخرها سلفاً.. وفي السينما والمسرح أدمنوا مراراً وتكراراً تقديم النحيف والسمين والطويل والقصير في فواصل فيها من الإهانة أكثر مما فيها من الضحك.. الذي يمكن الحصول عليه نقياً وخالصا بالموقف الدرامي.. وعندما يقع مثل هذا الموضوع في يد مخرج حريف وصاحب مزاج مثل شريف عرفة.. بخبراته سيقدمه في أفضل ما يمكن.. وقد فعل.. في موضوع مكشوف الأوراق من أول لقطة ومع نزول العناوين حيث نتعرف علي مجدي التخين الذي يدمن الطعام ويحاول أن ينسجم مع حياته ومن حوله علي قدر وزنه.. فلا يستطيع وفي مجتمعنا نسبة هائلة من حزب أشجار الجميز لأسباب يطول شرحها.. ورغم أن السينما العالمية والمصرية بل والدراما التليفزيونية تناولت هذا الموضوع.. وسبقهم الفنان محمد صبحي في مسرحية «تخاريف».. لكن «إكس لارج» يأخذنا إلي جانب واحد عاطفي.. والمعروف أن أصحاب هذه الأحجام يتمتعون غالباً بنفوس طيبة.. وخفة ظل قد يموت بسببها صاحبها مكتئباً، وراجع حياة الشاعر والرسام والصحفي صلاح جاهين.. والشاعر كامل الشناوي وأظن أن أيمن وجد في هذه النماذج التي كانت أيضاً بقدر حجمها مشحونة بطاقات إنسانية شفافة تضيء من حولها وان كانت هي تعاني في البحث عن نقطة الضوء.. في نفق طويل مظلم. وأضاف أيمن إلي تلك الوحدة التي يعانيها بطل الفيلم فهو يعيش منفرداً كأنه في جزيرة معزولة لا يتواصل إلا مع خاله «إبراهيم نصر» الذي يعاني مثله التضخم لكن سحر الحب يفعل فعله وان كان في الطبيعة وعلي أرض الواقع قد فشل مع الوالد بهجت وكامل الشناوي وصلاح جاهين وقد رحلوا وقلوبهم العامرة بالحب.. معلقة بين أرض فيها مافيها.. وسماء بعيدة المنال.. وقد لا يكون دور دنيا سمير غانم متسعاً لما تملكه من امكانات.. قياساً بأدوار أخري مع أحمد مكي اثبتت من خلالها أنها قطعة من الصلصال البديع الذي يسهل تشكيله وتكوينه حسب المطلوب.. لكنها نجحت في تقديم شخصية البنت الحلم.. بأحاسيس داخلية.. وهي مرحلة من التمثيل لا تبلغها إلا الناضجة.. بعيداً عن التشخيص البلدي بالعين والحاجب وقد انتهي عصره وصلاحيته في زمن «الآلي باد» و«اي فون» و«البلاك بيري» وقد تولت أختها الصغري «إيمي» مهمة أداء أكثر من شخصية.. علي خطي الكبيرة.. وهي فتاة موهوبة وأروبة.. لكن «دنيا» الآن أصبحت حاجة تانية.. وقد أحسنت بالابتعاد قليلاً عن أحمد مكي.. من باب التجديد.. والإفلات من دائرة التكرار القاتلة. وقد سألوا مارلون براندو في حديث صحفي ذات مرة متي تشعر بقيمتك كممثل؟.. فأجاب ضاحكاً: عندما لا أتعمد التمثيل! السؤال المهم منذ صعود نجمه وتميزه.. بعد أن انطلق وحده يغرد بعيداً عن السرب من أبناء جيله وقد شاركهم في أفلام: «عبود علي الحدود، رحلة حب، السلم والتعبان، الناظر، ليه خلتني أحبك».. حتي ارتقي سلم البطولة في «ميدو مشاكل».. ولكنه سرعان ما تمرد علي شخصية «حامد» وارتدي ثياب زكي سالم الأسيوطي في «زكي شان» ثم رأيناه في شخصية رشدي أباظة في فيلم «جعلتني مجرماً».. ثم طارق الوكيل في «ظرف طارق» وبعدها جلال كامل أو ميمي في «مطب صناعي».. ثم لعب ثلاث شخصيات مختلفة لكي يعلن عن موهبته كممثل يعرف كيف يتلون وذلك في فيلم «كده رضا» في شخصيات برنس، بيبو، سمسم.. ويمكننا أن نرصد مرحلة التطور والنضج ابتداء من فيلم «آسف للإزعاج».. ثم بعدها «ألف مبروك» و«عسل أسود» وقبلها «بلبل حيران». لذلك عندما نصل إلي «إكس لارج» نقول بكل بساطة.. أنه صالح لكل الأحجام وكل النوعيات والأعمار وبضمان ممثل راهن علي احترام جمهوره.. فاحترمه الناس والنقاد.. يقول كلمته في أفلامه ببساطة فيها كثير من الإبداع.