هذه مراجعة لكتاب «حب ورأس مال: كارل وجيني ماركس وولادة ثورة» وهو من تأليف الصحافية الأمريكية ماري غابرييل التي عملت كصحفية في وكالة رويترز لمدة 20 عاما ثم تقاعدت للتفرغ للبحث والتأليف. والمراجعة بقلم البروفيسورة جنيفر سيغل أستاذة التاريخ في جامعة ولاية أوهايو ونشرت في صحيفة «وول ستريت جورنال». وكما سيلاحظ القراء في الجملتين الأولي والأخيرة لمقالها، فإن الآنسة سيغل تخلط الأيديولوجيا بالنقد الأدبي. ولذلك تعتبر مراجعتها أفضل مثال للنقد غير الموضوعي. ولذلك ، قمت بالبحث عن مراجعات موضوعية للكتاب وإضافة فقرات لمقالة سيغل. والفقرات الإضافية مقتبسة من مجلة «صالون دوت كوم» وهي بقلم تروي جوليمور ، ومن صحيفة «نيويورك تايمز» وهي بقلم سايمون سيباغ ووضعنا في نهاية الفقرات المضافة اسم المصدر كذا: (تايمز) و(صالون). وعلامات التعجب من عندنا. الكتاب: حب ورأس مال الصفحات: 768 بالإنجليزية النشر: سبتمبر 2011 الناشر: ليتل ، براون وشركاؤهم من شبه المستحيل معرفة الحكمة من القيام بدراسه ضخمة عن حياة كارل ماركس في ذات العصر الذي يعتبر المكان المناسب لأفكاره هو «مزبلة التاريخ»!!! لكن بالرغم من هذه الحقيقة فإن الصحافية الأمريكية ماري غابرييل تقدم في كتاب «حب ورأس مال» نهجا جديدا لهذا الموضوع الذي درس كثيرا من قبل حيث تدرس ماركس الفيلسوف الاجتماعي والسياسي العظيم برسوخ في سياق رب العائلة التي تساهم في حياته الفكرية. حياة ماركس المنزلية عندما كان يخوض حربه ضد الرأسمالية واستغلالها للطبقات المنتجة هيمنت عليها ثلاث جبهات نسائية. أولا: زوجته الوفية جيني التي تعتبر علي نفس مستوي ماركس الفكري وولدت لأسرة أرستقراطية من النبلاء ولكنها كانت ملتزمة بقضية ماركس ضد طبقتها. وثانيا: بناته الثلاث: جوليا ، ولورا ، وإليانور اللاتي عملن بجد مع والدهن كباحثات مساعدات ومترجمات لتنفيذ الأبحاث اللازمة لإنجاز كتاب «رأس المال» ، كما وثبن في بعض الأحيان لتقديم مساهماتهن الفكرية المستقلة للحركة الاشتراكية ، وثالثا: السيدة هيلين ديموث ، وهي الخادمة التي تعمل في المنزل ثم تحولت إلي عشيقة لماركس وأنجبت منه ولدا لم يعترف به علنا أسمته فريدي. حب ورأس مال وكما توضح سيرة كارل ماركس الجديدة للصحفية ماري غابرييل "حب ورأس المال" ، فإن ماركس كان في الواقع إنساناً من البشر في المقام الأول: فيلسوف ومفكر ثوري، نعم ، لكن أيضا زوج وأب يحب عائلته التي عانت قلقا هائلا بسبب فشله في توفير المال لها. لقد تم التقليل من سمات ماركس الإنسانية من منتقديه ومؤيديه علي حد سواء. وكما أشارت غابرييل فقد غالي بعض الماركسيين في تقديس صنمهم ماركس إلي حد محاولة طمس ونفي أي معلومات فاضحة له خاصة إنجاب ابن غير شرعي من الخادمة بينما كانت زوجته جيني تزور عائلتها في ألمانيا للحصول علي مساعدة مالية ، ووصل التقديس إلي حد حجب بعض الحقائق غير ضارة عن ماركس مثل لقبه في الحارة وهو غزال. (صالون). ساندت جيني زوجها كارل دائما ونقل عنها قولها له: «لا تظن يا حبيبي أنني سأنحني بسبب معاناتنا البسيطة. إنني أعتبر نفسي من أسعد الناس وأكثرهم حظا لأنك زوجي وتقف دائما إلي جانبي» بطلة الحكاية هي بالتأكيد زوجة ماركس: جيني الأرستقراطية الجميلة التي ولدت في بروسيا عام 1814 أي قبل زوجها بأربع سنوات ووصفتها غابرييل: «جيني فون فستفالن كانت امرأة مرغوبة جدا من الشباب في مدينة تراير وكانت من عائلة مهمة لدرجة أن شقيقها أصبح لاحقا وزير الداخلية في بروسيا في الوقت الذي كان ماركس يخطط لإسقاط الممالك الرجعية الأوروبية». (تايمز). وبين قيامها بحب ماركس ومساندته في عمله، فإن حياة جيني لم تكن قط سهلة وكما كتبت غابرييل «ففي حين ناشدت عائلتها الحصول علي مساعدات مالية ، كان كارل يمارس الجنس في نفس الوقت مع الخادمة هيلين ديموث في شارع دين». لكن كيف عرفت غابرييل الوقت بالضبط ، وكيف عرفت المكان ؟ ولماذا كتبت: وليس من المعروف هل كانت المعاشرة الأولي أو الأخيرة بينهما؟ وهل تبحث المؤلفة عن تاريخ كارل ماركس أو تاريخ الجنس الماركسي؟ وعلي أية حال ، ديموث ولدت ابنا لم يعترف به ماركس أسمته فريدي وتظاهر إنجلز أنه والد الصبي فريدي الذي أصبح واحدا من الأسرار المحرمة في سيرة ماركس. الزعيم الروسي ستالين أمر بنفسه المؤرخين الروس بدفن هذا السر نهائيا في الأرشيف كما لو كان لم يحدث وهدد بقتل كل من ينشره. (تايمز). وعلي الرغم من أن جيني كانت تعلم أن زواجها بالشاب كارل كان يتطلب أن تدير ظهرها لحياة مريحة من الامتيازات والمال، إلا أنه لم يمكنها تخيل مدي شدة التعب والعوز التي ستصيبها في حياتها مع ماركس. كتابات كارل ماركس الصحافية كانت تمنحه قليلا من المال، وكتاباته الفلسفية لم يجن منها شيئا علي الإطلاق. عاش هو وجيني علي أمل أن نجاح تحفته "رأس المال" سيكسب ما يكفي من المال للتخفيف من ديونها وجعل حياتهما آمنة ماليا. ولكن الكتاب استغرق وقتا أطول بكثير مما كان متوقعا لكتابته. لقد تأخر ماركس عن الموعد النهائي للناشر بستة عشر عاما ، وعندما وصل أول شيك من عوائد الكتاب تسلمته بناته لأنه كان قد توفي مع جيني قبل بضع سنوات. (صالون). العنوان الفرعي للكتاب: «كارل وجيني ماركس وولادة ثورة» يشير إلي قصة حب كبري بين رائد الاشتراكية الدولية ، والمرأة التي عشقته. ولكن الحكاية التي ترويها السيدة غابرييل هي أكثر تعقيدا بكثير. فهي حكاية عن من أحبهم ماركس: جيني ، وأبنائهما الستة (ثلاثة لقوا حتفهم مبكرا) ، وصديقه ومعاونه والمنفق عليه فريدريك إنجلز، الذي أهدي ماركس إليه مشروع حياته. أصدق علاقة في حكاية السيدة غابرييل ليست بين كارل وجيني. «الحب ورأس المال» هو في نواح كثيرة قصة رفقة وصداقة.. الفكرة المهيمنة والمتكررة فيه هي الرابطة الفكرية البهيجة بين ماركس وإنجلز. وبينما تحاول السيدة غابرييل جلب الزوجة جيني ماركس إلي الواجهة ، فإن إنجلز يثبت أن له وجودا راسخا في الحكاية أكثر من جيني في حياة ماركس الفكرية من خلال تعاونهما، وفي حياة ماركس المنزلية من خلال مساهماته المالية الثابتة حيث كان يدفع راتبا شهريا لماركس نظير تفرغه لإكمال «رأس المال». وبقي إنجلز لاعبا أساسيا في العائلة حتي بعد وفاة جيني (1881) وكارل (1883)، ليرعي من بقي من بنات رفيقه ويحرس إرث والدهم الفكري. مطاردة الأفكار السيدة غابرييل تقدم صورة حية عن صخب المنزل ، وعن التحديات الدنيوية لأسرة تترنح علي حافة الفقر المدقع والانهيار بينما يتنقل آل ماركس في جولات عبر أوروبا لكون كارل مغرما بمطاردة الأفكار المتطرفة أو عندما تطارده بعض السلطات. وقد عاني ماركس فقرا مدقعا لدرجة أنه عندما توفي أول طفل للعائلة لم يكن يملك ثمن الكفن للطفل. (صالون). عاشت الأسرة في كولونيا وباريس وبروكسل قبل أن تستقر أخيرا في لندن عام 1849 وكان هذا الصخب والضجة في الحياة الأسرية لآل ماركس - كما تشرح السيدة غابرييل - هو الذي ساعد ماركس في ترتيب أفكاره. ولكن عملية الكتابة لم تكن سهلة قط بل كانت مثل التعذيب، فقد قال ماركس لإنجلز إن عدم قدرته علي الكتابة لم تكن في مواصلة تأليف رأس المال بل بصورة عملية عدم القدرة علي مسك القلم ليكتب به. لقد جسد ماركس حينها الأكاديمي المختل (غير القادر علي الإنتاج) فهو غير قادر علي تلبية الموعد النهائي لأعماله، وعاجز عن إنهاء البحوث بنجاح ووضع القلم علي الورق ، واشتهر بالتواري عندما يلوح في الأفق موعد نهائي أو يتم تجاوزه. وكان ذلك الاختلال الوظيفي له مظاهره المادية ؛ فقد عاني طوال فترة البلوغ أمراضا عديدة ، بما فيها دمامل البواسير المنهكة التي تقدح بالدماء كلما واجه ضغطا لإنتاج مكثف. ومن المفارقة أن الرجل الذي أعرب عن تشككه في بعض الأحيان عن قوة الأفكار في تغيير الواقع ، والذي كتب العبارة الشهيرة : «لقد كانت قضية الفلاسفة هي وصف وفهم العالم ، ولكن القضية الأهم هي العمل علي تغييره» لم يقدر أن يعرف ، إلي أي مدي سوف تغير أفكاره مسار الأحداث في العالم. (صالون). وبطريقة أو بأخري ، مع المساعدة المستمرة من عائلته وغالبا ما تكون مساهمة مباشرة من إنجلز ، تمكن ماركس من إنتاج أعماله التأسيسية: «البيان الشيوعي» (1848) و «رأس المال» الذي نشر في ثلاثة مجلدات بدءا من عام 1867 وكتقييم مصيب لتلك الإثارة الفكرية ، ذكرت صحيفة ملاحظة من شأنها أن تبقي صادقة ومتحققة لعقود : «الناس قد تشرفه عندما تذكر اسمه باحتقار ، ولكنهم لن يقرأوا له مطلقا». وفي حياة ماركس ، تجاهل الجمهور غالبا أعماله، ولكن مؤيديه وحتي معارضيه في الحركة الاشتراكية توجوه كزعيم عظيم. ولم يرتفع صيته للشهرة العالمية إلا بعد اعتباره مصدر إلهام مذموم لكومونة باريس الفاشلة عام 1871 (طالع هامش المترجم بعد المقالة عن كومونة باريس) حيث حصل بعدها طلب كبير علي كتابه «رأس المال». وبحلول ذلك الوقت كان ماركس بالفعل قد قرر الاعتكاف لتقديم ما اسماه «رعاية مجهرية» لأسرته والأحفاد. إهانات المرض والعجز ومهما كان موقفنا منه ، فقد كان تأثير أفكار ماركس من الأهمية بحيث أنه في وقت ما كان اسم كارل ماركس يبدو كمؤسسة بحثية وليس شخصا واحدا. فمن السهل أن ننسي أن إنسانا يقف وراء هذه المجلدات الممنوعة ونظام التفكير الأكثر منعا. (صالون) وفي نهاية المطاف «حب ورأس مال» يفقد كل من القوة والتماسك النظري بعد الوفاة المتعاقبة لجيني وكارل. آخر 100 صفحة ، تركز علي إنجلز واثنتين من بنات ماركس الباقيات علي قيد الحياة ، تتضاءل بالمقارنة مع الخمسمائة صفحة السابقة. القراء سيعجبون من وفاء إنجلز لرفيقه بعد وفاته وتنقيح فوضي مسودات ماركس لينتج المجلدين الثاني والثالث من «رأس المال». كما سيصدمون من النهاية الحزينة لابنتي ماركس إليانور ولورا اللتين انتحرتا. إليانور تناولت السيانيد وماتت عام 1897 وعمرها 43 عندما علمت أن زوجها إدوارد أفيلينج كان يخونها والأسوأ أنه كان يدعي اعتناق الاشتراكية لكي يتاجر ويتكسب بصلاته مع عائلة ماركس ثم تزوج بممثلة شابة في السر. وكذلك لم توفق لورا في اختيارها لزوجها بول لافاغج وهو فرنسي من أصل كوبي والذي كان يدعي أنه ماركسي حتي النخاع وسيعمل علي نشر الماركسية بقوة ولكن تفسيراته المشوهة لكتابات ماركس دفعت كارل ليقول عنه: «إذا كان هناك أي شيء مؤكد فهو أنني لست ماركسيا بحسب فهم لافاغج». وقررت لورا مع زوجها لافاغج الانتحار معا ونجحا للأسف في تنفيذ ذلك عام 1911 بعد أن وصلا أواخر الستين عاما من عمريهما لأنهما - كما كتبا- ليسا مستعدين لمواجهة ما سمياه إهانات المرض والعجز وكبر السن. وبينما من المثير والمفيد تاريخيا تتبع سيرة منتجات ماركس الفكرية والجينية حتي تصل نهاياتها الطبيعية ، إلا أن رواية السيدة غابرييل تفتقر إلي الإثارة والقيمة الأساسية التي حملتها عندما كان ماركس موجودا علي المشهد. يشعر المرء أن بقية هذا الكتاب تفقد أهميتها بعد وفاة ماركس مثلما انهارت بقايا الدائرة الداخلية لعائلة ماركس. وكانت هناك لحظة حاسمة في عام 1910 عندما سافر زوجان من موسكو علي دراجة هوائية لزيارة لورا كارل ماركس عندما كانت تعيش في فرنسا هما: لينين وزوجته كروبسكايا التي هتفت عندما صافحت لورا: «هأنذا هنا مع ابنة ماركس!» ولكن من المفارقة أن الشخص الوحيد من آل ماركس الذي عاش حتي شهد تطبيق أفكار ماركس في الثورة البلشفية الروسية هو ابن ماركس غير الشرعي: فريدي!! (تايمز). لكن عندما يروي الكتاب حياة ماركس التي تم تضخيمها لتحرك السرد ، يقدم الكتاب حكاية مذهلة عن القدرة الفكرية المدهشة إلي جانب الفقر المادي. وفي حين أن السيدة غابرييل تتمادي في تخمة من حكايات ولقاءات المقاهي، إلا أنها تقدم صورة خلابة للبيئة التي عاش فيها ماركس. وخلال هذه العملية ، تقدم السيدة غابرييل مقدمة سهلة لكن سطحية لبعض المبادئ الأساسية التي أصبحت تعرف بالماركسية. قد لا يعمق الكتاب فهمنا لأصول أفكار ماركس ، لكن مع البورتريه التي تقدمه السيدة غابرييل ، فإنه لا يشجع علي احترام أوسع للرجل نفسه. تعريف كومونة باريس: (أي حكومة باريس) هي حركة نقابية وعمالية يسارية أسست نظاماً جماعياً مساواتياً أدار باريس في الفترة مابين 18 مارس (بصورة أكثر رسمية 26 مارس) إلي 28 مايو عام 1871 ، وقامت تلك الحركة بثورة تعتبر أول ثورة اشتراكية شعبية في العصر الحديث، حيث استولت علي السلطة في فرنسا لمدة شهرين. قامت بتعديل لون العلم الفرنسي إلي اللون الأحمر، وأجرت العديد من الإصلاحات أهمها الإصلاحات التربوية ومن ثم فصل الدولة عن الدين، وتم إلغاء العمل الليلي، ومنع الغرامات والضرائب المفروضة علي أجور العمال، واستطاعت تشغيل المعامل التي تركها أصحابها هرباً ولجوءاً إلي فرساي، تحول العمال والعاملات إلي جنود فوق المتاريس للدفاع عن إنجازهم لكن كان قمع الثورة دمويا بشكل فظيع علي يد القائد العسكري الفرنسي أدولف تيير ليؤسس بذلك الجمهورية الفرنسية الثالثة، وذلك في الأيام الستة الأخيرة من عمر الثورة. سقطت الثورة بعد مجازر دموية لكنها كانت النار التي أوقدت العديد من الثورات الاشتراكية بعدها ولايزال الشيوعيون الملتزمون حول العالم يحتفلون بذكري كومونة باريس التي تعتبر أول حكومة في التاريخ لديكتاتورية البروليتاريا. كتبت المراجعة نقلا عن وول ستريت جورنال وصالون دوت كوم ونيويورك تايمز حمد العيسي