اليوم.. الفرصة الأخيرة لتنسيق المرحلة الثانية ل«الثانوية»    شكاوى من انقطاع التيار عن قرى بدير مواس وسمالوط بالمنيا وكفر الشيخ    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 10-8-2025 مع بداية التعاملات    CNN: لقاء بوتين ترامب سيبدو بمثابة هزيمة لأوكرانيا    البيت الأبيض يفكر في دعوة الرئيس الأوكراني لحضور "قمة ألاسكا"    موقف مثير للجدل من حسام حسن في مباراة الأهلي ومودرن سبورت (فيديو)    ظهور أول للمحلة.. مباريات اليوم في الدوري المصري    النصر السعودي يعلن التعاقد مع لاعب برشلونة    تصل إلى 38 مئوية.. ارتفاع درجات الحرارة بشمال سيناء    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث انقلاب سيارة في سوهاج    أول تعليق من محمود الليثي بعد حفله في مهرجان «ليالي مراسي» (صور)    إعلام: إطلاق نار بالقرب من سجن تحتجز فيه مساعدة جيفري إبستين    ألمانيا تعتزم مواصلة المساعدة في ضمان أمن إسرائيل رغم تجميد تصدير الأسلحة    زلزال قوي يضرب منطقة قبالة سواحل جواتيمالا ولا تقارير عن أضرار    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    عرض فيلم "روكي الغلابة" لدنيا سمير غانم في الدول العربية.. 14 أغسطس    ترتيب الدوري المصري بعد تعثر الأهلي وبيراميدز وفوز الزمالك    بعد غلق التسجيل اليوم.. متى تعلن نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025؟    قروض السلع المعمرة بفائدة 26%.. البنوك تتدخل لتخفيف أعباء الصيف    الضرائب: 12 أغسطس آخر موعد لانتهاء التسهيلات الضريبية    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    أمير هشام: الأهلي ظهر بشكل عشوائي أمام مودرن.. وأخطاء ريبيرو وراء التعادل    حقائق جديدة حول اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل يكشفها وزير البترول الأسبق    الجيش اللبناني يغلق بعض المداخل المؤدية للضاحية الجنوبية    ننشر أسماء المصابين في حريق محلات شبرا الخيمة    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    «بيت التمويل الكويتى- مصر» يطلق المدفوعات اللحظية عبر الإنترنت والموبايل البنكي    تعرف على أعلى شهادة ادخار في البنوك المصرية    لهذا السبب.... هشام جمال يتصدر تريند جوجل    التفاصيل الكاملة ل لقاء اشرف زكي مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية    محمود العزازي يرد على تامر عبدالمنعم: «وعهد الله ما حصل» (تفاصيل)    شيخ الأزهر يلتقي الطلاب الوافدين الدارسين بمدرسة «الإمام الطيب»    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    من غير جراحة.. 5 خطوات فعالة للعلاج من سلس البول    يعاني ولا يستطيع التعبير.. كيف يمكن لك حماية حيوانك الأليف خلال ارتفاع درجات الحرارة؟    دعاء الفجر يجلب التوفيق والبركة في الرزق والعمر والعمل    مصدر طبي بالمنيا ينفي الشائعات حول إصابة سيدة دلجا بفيروس غامض    مصرع وإصابة طفلين سقطت عليهما بلكونة منزل بكفر الدوار بالبحيرة    وزير العمل: سأعاقب صاحب العمل الذي لا يبرم عقدا مع العامل بتحويل العقد إلى دائم    مصادر طبية بغزة: استشهاد أكثر من 50 فلسطينيًا 40 منهم من منتظري المساعدات    طلاب مدرسة الإمام الطيب: لقاء شيخ الأزهر خير دافع لنا لمواصلة التفوق.. ونصائحه ستظل نبراسا يضيء لنا الطريق    مراد مكرم: تربيت على أن مناداة المرأة باسمها في مكان عام عيب.. والهجوم عليَ كان مقصودا    حكيمي: أستحق حصد الكرة الذهبية.. وتحقيق الإحصائيات كمدافع أصعب كثيرا    جنايات مستأنف إرهاب تنظر مرافعة «الخلية الإعلامية».. اليوم    بلاغ للنائب العام ضد البلوجر «مانجو» بتهمة نشر محتوى غير أخلاقي    هل هناك مد لتسجيل الرغبات لطلاب المرحلة الثانية؟.. مكتب التنسيق يجيب    أندريه زكي يفتتح مبنى الكنيسة الإنجيلية بنزلة أسمنت في المنيا    ترامب يعين «تامي بروس» نائبة لممثل أمريكا في الأمم المتحدة    "حب من طرف واحد ".. زوجة النني الثانية توجه له رسالة لهذا السبب    نرمين الفقي بفستان أنيق وكارولين عزمي على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    يسري جبر: "الباء" ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    أمين الجامعات الخاصة: عملية القبول في الجامعات الأهلية والخاصة تتم بتنسيق مركزي    منها محل كشري شهير.. تفاصيل حريق بمحيط المؤسسة فى شبرا الخيمة -صور    ما تأثير ممارسة النشاط البدني على مرضى باركنسون؟    أفضل وصفات لعلاج حرقان المعدة بعد الأكل    أفضل طرق لتخزين البطاطس وضمان بقائها طازجة لفترة أطول    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بشكاوى تداعيات ارتفاع الحرارة في بعض الفترات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصر من النعي:
صحيفة التايمز حين تحول صفحة الوفيات إلي تأريخ للثقافة
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 07 - 2010

لا يعرف أساطين الصحافة وحملة تاريخها من أين استقت جريدة الأهرام- وإلي حد ما جريدة الأخبار- ذلك التقليد الخاص الذي ترسم به وتحرر صفحات الوفيات.
الوفيات في مصر ليست صفحة في جريدة كما جري العرف عند مخترعيها البريطانيين، وإنما هي تجارة قائمة بذاتها.
وحين يفكر المرء في هذه التجارة فسيدرك علي الفور كيف أن مجرد نعي صغير (عمود واحد) أو كبير (كل أعمدة الصفحة) في الأهرام، سيشير إلي شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية تتداخل فيها قوة السياسة بقوة الاقتصاد ولا يخفي طبعا ما تحمله هاتان القوتان من فشخرة علي البلاد والعباد.
صفحة الوفيات في هذا التقليد المصري لا تمثل سوي حالة متردية يمكننا أن نقرأ فيها مظهرا من مظاهرة الحياة الاجتماعية المصرية، لكنها لن تقوي علي مناطحة صفحات الوفيات في الصحف الإنجليزية التي تمثل بدورها حلقة من حلقات تطوير مهنة الصحافة ذاتها.
صفحة الوفيات في التقليد الأنجلوساكسوني ليست إعلانا مدفوع الأجر. بل هي موضوع يتخذ شكل المقال المطول حول الشخصية الراحلة بحيث يجري البحث عن مصادر أهمية تلك الشخصية، وسماتها، وإسهاماتها، وأبعاد الجدل حولها ربما.
جريدة التايمز البريطانية تفخر بأنها الصحيفة الأولي التي طورت بهمة عالية من صفحة الوفيات. حولتها من مجرد إعلان مدفوع الأجر أو إعلان عن مراسم الدفن إلي واحد من الفنون الصحفية ذات الصعوبة البالغة في الكتابة والتحرير.
الآن ينظر مؤرخو الصحافة البريطانية إلي صفحات الوفيات في جريدة التايمز علي أنها رافد لا غني عنه في قراءة التاريخ السياسي والثقافي للأمبراطورية البريطانية.
صعود القوة الصحفية والأدبية والفكرية لكتابة النعي في القرن التاسع عشر تزامن مع حالة تسييس قوية للصحافة البريطانية، بحيث أضحت استقلالية الآراء المنشورة في هذه الصحف محل شك واضح.

هذا ما يكتبه محرر صفحة الوفيات بجريدة التايمز أيان برنكسيل Ian Brunskill، في مقدمته القصيرة-لكنها ضافية- لمجلد "حيوات فيكتورية عظيمة: عصر من النعي"، والصادر عام 2007 عن دار نشر التايمز.
كتابة النعي-حسب برنكسيل- كان عملية تحريرية صعبة يجري من خلالها تحدي الواقع الصحفي السائد الذي لا يخلو من هيمنة لتحيزات المحررين.
في مقدمته للكتاب، يعدد برنكسيل أسباب نجاح مشروع التايمز في تأسيس فن صحفي خاص بكتابة النعي.
فمن ناحية أولي جري إسناد مهمة كتابة النعي إلي كتاب جلهم ينتمي بشكل أو بآخر إلي حقول الأدب وكتابة التراجم.
ولهذا السبب تضحي عملية قراءة النعي متعة في حد ذاتها.
في مجلد " حيوات فيكتورية عظيمة الواقع في 626 صفحة تراجم للشخصيات الأعظم التي عاشت خلال القرن التاسع عشر.
يضم الكتاب بين دفتيه ترجمة لشعراء عظام من عينة ويليام وردزورث (1770 _ 1850) وروائيون كبار خطوا تاريخا جديدا في الأدب مثل تشارلز ديكنز (1812- 1870). كما تضمن تراجم لفلاسفة لا يزال صدي أفكارهم حاضرا مثل جون ستيوارت مل (1806-1873)، وسياسيون لم يغيروا من واقع بلدانهم فحسب بل غيروا الخريطة السياسية لقارة بأكملها مثل نابليون الثالث وبسمارك.
في الكتاب يتجاور كارل ماركس مع فيكتور هوجو ويتشابك الخاص في حياة هذه الشخصيات مع العام.
وفيه أيضا بعض الخطوط التي يمكن من خلالها تتبع التحول الذي لحق بالنخبة البريطانية في واحد من أهم عصورها المؤسسة-أي العصر الفيكتوري.
طبعت أفكار هذا العصر الفلسفة التي جري تبنيها في كتابة النعي. فهي تركز علي الجوانب الخارقة في حياة هذه الشخصيات. جوانب البطولة والتفرد.
نجح إذن محررو صفحة النعي في جريدة التايمز في خلق فن صحفي قائم بذاته تجاوز تأثيره حدود الصحيفة البريطانية ليشمل تقليد كتابة النعي عموما.
وتتخلص فلسفة هذا التقليد ببساطة في الاشتباك النقدي مع إسهام الشخصية المتوفاة. ولا يعني الاشتباك النقدي هنا ذم الشخصية الراحلة- أو حتي الإسهاب في ذكر محاسن الموتي- بل سرد مناخ الجدل الذي أحاط بهذه الشخصية أثناء حياتها.
ولابد للمرء أن يعجب من القوة الفكرية التي تمتع بها محررو هذه الصفحة في القرن التاسع عشر.
فقد كان علي المحررين أن يكتبوا مقالا كبيرا عن شخصية ماتت للتو. كان عليهم استحضار الذهن وأرشيف صحفي بغية التحقق من صحة الوقائع والتواريخ علي سبيل المثال لا الحصر.
الآن الموضوع أسهل بكثير. فالجرائد الصغري والكبري فضلا عن وكالات الأنباء تحتفظ بملف جاهز للشخصيات العامة وهي علي قيد الحياة في انتظار وفاتها حتي يخرج هذا الملف للنور.
هذا هو التقليد الذي خلقته التايمز وتوراثته الصحف تباعا. لا يستثني من هذا إلا محاولات هنا وهناك رغبت في كسر هذا التقليد من خلال نشر نعي شخصيات وهي علي قيد الحياة، وهي تجربة تناولها الروائي الإيطالي أنطونيو تابوكي في عمله "بيريرا يدعي: شهادة" Pereira Declares: A Testimony.
إلا أن عملية بناء التقليد في كتابة النعي لم تمض بسهولة ويسر.
فقد كافح إينيز دالاس، الذي تولي مسئولية صفحة النعي في عام 1855 خلفا لشارلز دود، لتحرير الصفحة من سيطرة اللغة المستجدية للمشاعر - sensational reporting-لصالح لغة تقوم علي سرد الوقائع دون أن تتحرج من استخدام بعض المجازات هنا وهناك.
وعلي هذا يبدأ النعي بفقرة أولي تستعير فيها التقنيات المستمدة من التحرير الصحفي التقليدي بمعني بدأ الموضوع بعناصر الخبر الرئيسة (من، ماذا، متي، كيف، أين).
مثال علي ذلك نعي الروائي الإنجليزي الشهير تشارلز ديكنز. فبعد جملة عاطفية تعبر فيها الصحيفة عن يقينها في أن هذا مصاب جلل، يروي النعي اللحظات الأخيرة في حياة ديكنز، مسكنه توقيت الساعات الأخيرة، الجراح الذي حضر للكشف عليه ثم أخيرا إنهاء الفقرة بتعبير يوظف فيه استعمال قديم للفعل (expire) أي لفظ أنفاسه الأخيرة (ص 80).
وفي متن هذه المقدمة الخبرية يجري توظيف المجاز والاستعارة سواء في الإشارة إلي إسهام الرجل أو خسارة العالم بوفاته.
"لقد فقد عصر عظيم رجلا عظيما" (ص 9)، هكذا استهلت الصحيفة نعيها للسير روبرت بيل (1788-1850) رئيس الوزراء البريطاني الذي تولي هذا المنصب مرتين في النص الأول من القرن التاسع عشر.
مثال آخر شديد المبالغة في لغته كان في نعي إبراهام لنكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية والذي يعود له الفضل في قرار إلغاء العبودية في بلاده عام 1863.
رسم النعي صورة زعم فيها أنه لم يوجد في تاريخ الإنسانية مدينة التحفت بالحزن مثلما حدث مع نيويورك وهي تودع لنكولن. (ص 46).
صيغة المبالغة هذه التي سيطرت علي نعي لنكولن تحولت إلي لغة شديدة الحيادية في نعي نابليون الثالث. قال النعي "أننا نعلن مع الأسف وفاة الأمبراطور نابليون الثالث التي حدثت أمس" قبل أن تمضي في 29 صفحة (من حجم الكتاب) لتتحدث عنه وعن هزائمه العسكرية المتتالية. (ص 93).
باحثات التاريخ النسوي أمضين ردحا من الزمن في دراسة واستقصاء موقع النساء في الزمن الحديث.
بعض الجهود البحثية ذهبت إلي صفحة النعي في التايمز التي تخطت حاجز الذكورة بكتابة تراجم للنساء الروائيات (مثل جورج إليوت) قبل أن تفتح الباب لكتابة نعي النساء ذوات المهن الأخري (مثل الطبيبة الأولي في التاريخ البريطاني إليزابيث جاريت آندرسون).
تغلغل النساء لم يوازه تغلغل أصوات العالم "الآخر" أي عالم المستعمرات.

النعي حسب الكتاب-وإلي حد كبير الصحيفة- كان يركز علي الحاضرة البريطانية. ففيها كل مصادر البطولة وصناعها من العسكريين والسياسيين والأدباء. وعدا استثناءات محدودة، يمكن التعميم هنا بالقول إن الصحيفة وكتابها لم تجد في أبناء وبنات المستعمرات من يستحق أن تفرد له ترجمة.
واحدة من هذه الأمثلة الاستثنائية كان نعي الكونت ليو تولستوي الذي غطي إسهامه الأدبي والفلسفي، علي 8 صفحات من الكتاب تخللتهم صورة للكاتب العظيم في شبابه إبان منتصف القرن التاسع عشر. (ص ص 586-593(.
نفس الكلام يقال علي كارل ماركس وفريدريك إنجلز. لم ينل الرجلان سوي سطور معدودة. نعي كارل ماركس لم تكتبه الصحيفة في مقرها في لندن وإنما كتبه مراسلها في باريس، علي الرغم من وفاة ماركس في العاصمة البريطانية وليس العاصمة الفرنسية.
بدأ النعي هكذا "لقد أبلغنا مراسلنا في باريس بوفاة الدكتور كارل ماركس، التي حدثت يوم الأربعاء في لندن" (ص 265). قبل أن يمضي النعي في سرد سطور محدودة للغاية حول نشأته ودراساته والانشطة الثورية التي قام بها. توفي ماركس في لندن في فيلا صغيرة تقع في حي كينتش تاون إلا أنه كان شخصية مجهولة بريطانيا في ذلك الوقت وذلك لأن الترجمات الدقيقة لأعماله لم تبدأ في الظهور إلا بعد وفاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.