هناك جو عام مسموم يزكيه الصراع الدائم علي السلطة وفزع انصار النظام السابق من سير الامور بشكلها الطبيعي بعد قيام ثورة 25 يناير واقالة النظام السابق مما يؤكد صحة ما كان يحاك من تآمر يقوده امن النظام السابق ويشعل به نيران الفتنة ويغذيها ولا يخفي علي أحد وجود أيدي خفية تثير القلاقل بين الأقباط والمسلمين، لأغراض حقيرة، أهمها هو شغل الناس بمعارك تستنزفهم وتبعدهم عن معركتهم الحقيقية لاعادة صياغة النظام في الدولة.... الا أن ما يحكم العلاقة بين المسلمين وبين المسيحيين من ابناء مصر هي امور اكبر من ذلك بكثير يأتي في مقدمتها ما اقرته الشريعة الاسلامية أوله أنه لا إكراه في الدين، والثاني أن نودهم ويتمتعوا بكل الحقوق ما لم يعتدوا علينا وهناك ما اقره التاريخ من وحدة لابناء الوطن مما يؤكد أن حق المواطنة لا يفرق بين مسلم أو مسيحي ... وطلقة رصاص العدو علي مدار التاريخ لم تكن تسأل عن انتماء المقاتل الديني، هذه هي المعايير الحاكمة بيننا وبينهم إلا أن وجود نوع من التمييز ضد الأقباط في مصر، هي حقيقة لا نستطيع تجاوزها، وبروز الإخوان والسلفيين علي الساحة كقوة سياسية وكاحزاب وما هو معروف ومعلن في أدبياتهم ضد الأقباط وبناء الكنائس وتجنيد الأقباط بالجيش المصري وتوظيفهم والجزية وما إلي ذلك وهذا واقع لابد من الاعتراف به، لكن ما يحدث في مصر الآن ما هو الا أحد مظاهر التعبير عن أزمة حقيقية يعيشها المجتمع المصري علي الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي فالفترة السابقة من حياة مصر شهد فيها المصريون جميعا أقباطا ومسلمين رجالا ونساء طلبة وموظفين الكل عاني اضطهادا اجتماعىًا وسياسىًا واقتصادىًا. هناك فرق ورغم انشغال صناع السينما المغيبين بأفلام من نوعية " انا بضيع يا وديع " و" شارع الهرم " و" تك بوم " و " يانا يا هوة " وبما أننا لا يمكن أن نفصل الفن عن المجتمع خاصة الفن الجاد الذي لا يهدف إلي الربح ... من هنا كان اتجاه البيت الفني للمسرح لتقديم مجموعة من الاعمال تناولت جميعها احداث الثورة المصرية و تاريخ كفاح الشعب المصري ومعاناته في سنوات حكم الرئيس السابق... وقد توقعت من اسم العرض المسرحي «في إيه يا مصر» أن يكون في اطار ما سبق إلا أنني وجدت نصا يتناول جزءاً مهماً من أزمة المجتمع المصري ألا وهي العلاقة بين مسيحي مصر ومسلميها و العرض من إنتاج وزارة الثقافة، ممثلة في البيت الفني للمسرح والمسرح الحديث ومن بطولة طارق دسوقي، راندا البحيري، محمد رمضان، شريف صبحي، شادي أسعد، عنايات صالح، تأليف وأشعار سراج الدين عبدالقادر، موسيقي وألحان كريم عرفة، ديكور محمد جابر، استعراضات هشام المقدم، وأزياء ياسمين خان ورؤية وإخراج وإضاءة ياسر صادق وغناء فاطمة محمد علي وحنان الخولي وفدوي مكي وإنشاد أحمد البلصفوري وتتناول المسرحية قضية الفتنة الطائفية بحوار عقلاني من خلال الحديث عن سماحة الدين الإسلامي التعامل مع الآخر . تدور الاحداث حول علاقة اخوة وصداقة تجمع بين فتاة مسلمة «مريم » «راندا البحيري» وشاب مسيحي «تامر» «محمد رمضان» منذ طفولتهما وعلاقة اسرتهما الوطيدة ويستعرضان حياتهما منذ طفولتهما وحتي دخولهما نفس الكلية «كلية الطب» وتظهر لهما في الكلية جماعات إسلامية رافضة لعلاقة الأخوة بين تامر ومريم بالرغم من أنها أخوة بالفعل لأنهما أخوة في الرضاعة إلا أن كونهما مسيحي ومسلمة يسبب الازمة وهنا يظهر الدكتور مراد «طارق الدسوقي» استاذ الجامعة المستنيرالذي يحاول اقناع الشباب الغاضب بأنهم يفتعلون ازمة وهمية ويلقن طلابه درساً في السماحة والحب والمواطنة والعلاقة بين المسيحيين والمسلميين موضحاً أن الفتنة الطائفية ترتبط بالفقر والجهل وغياب الرأي المستنير وانعدام العدالة الاجتماعية وليس لها صلة بالدين "الإسلامي والمسيحي" ويتحدث عن السلام والمحبة ويستعرض بعضاً من آيات القرآن والأحاديث وآيات من دراما تقليدية. تنقسم المسرحية من حيث البناء الدرامي إلي نصفين مختلفين تمام الاختلاف كل عن الآخر وكل منهما يعتبر عرضا مسرحيا خاصا فالقسم الاول يحكي دراما تقليدية في اطار تليفزيوني تحكي عن العلاقة بين اسرتين مسلمة ومسيحية حتي نصل إلي الازمة و قد سيطرت الاجواء التليفزيونية من حيث الحوار أو الأداء وسيطرت بساطة الأداء و نجحت تركيبة الاسرتين في خلق الجو التليفزيوني المطلوب لم يخل به سوي الاداء المفتعل لمحمد رمضان الذي مازال يصر علي حبس نفسه في أداء واحد يسيطر عليه ... اما علي مستوي الاخراج فقد حرص المخرج «ياسر صادق» علي ان يحاكي الأداء التليفزيوني في تنفيذ تلك المرحلة من النص من حركة وتكوين حتي أنه استخدم الاضاءة لعمل ما يشبه التحديد لمساحة الكادر فيمكنك مشاهدة اللقطات المتوسطة والقريبة علي خشبة حكي وتشخيص. يأتي النصف الثاني من المسرحية ببناء مسرحي صرف يعتمد علي الحكي و التشخيص و يعتمد علي الخطابة والمباشرة في توجيه الرسالة كما جاء طويلا وهو يعيد ويزيد في تكرار نفس المعني ومن هنا كان وجود الفنان «طارق دسوقي» له أهمية خاصة ... فالجماهير لن تتقبل أن يقوم احد بتلقينها أو بالقيام بدور الاستاذ عليها الا لمن يحمل كاريزما خاصة وقوة حضور وهو ما أكده طارق وجاء أداءه لتلك المرحلة من النص انقاذا لها ... بينما تعامل معها المخرج بشكل إخراجي مختلف فحول الحكي إلي مشاهد مجسدة في شكل فلاش باك يعرض علي المسرح في اطار كإنما هو فلاش باك سينمائي ... وهو شكل وإن كان مناسباً للمسرح الا أنه أخل بالوحدة الاخراجية . وبغض النظر عن بعض الهنات فنحن امام عمل فني متميز يحمل بين طياته فكرا يجب ان يصل إلي كل مصري في القري والنجوع سواء كان بنقل العرض اليهم أو بتصويره وعرضه في القنوات التليفزيونية ...كما يجب الا ننسي ما تميزت به الاغاني من كلمات متماشية مع النص وألحان متميزة واصوات واعدة ... وإن كان هناك بعض التحفظ علي الملابس خاصة في اللوحات التاريخية إلا أنها مرت وسط سخونة الاحداث كما يجدر الاشارة إلي الأداء المتميز لكل من عنايات صالح ومديحة ابراهيم و شريف صبحي وشادي اسعد. في النهاية نحن أمام عرض مسرحي يقول إن الثورة الحقيقية تكمن في أن يتحد المسلم والمسيحي ضد الفقر والجهل والجوع وكبت الحرية والعدالة الاجتماعية.