أعلنت مساء الجمعة الماضي جوائز الدورة الخامسة عشرة لنقاد أمريكا، تلك الجوائز التي تسبق إعلان جوائز الجولدن جلوب "نقاد الصحافة الأجنبية في أمريكا"، بيومين فقط، وتسبق إعلان جوائز الأوسكار "أكاديمية علوم وفنون السينما" بحوالي شهر كامل، ولن تجد اختلافات حادة، بين أسماء المرشحين لتلك الجوائز، فلا توجد معايير مختلفة، أو مآرب شخصية أو تربيطات تحكم تلك النتائج، ولكن هناك حالة رائعة من الموضوعية، واحترام كل جهد مبذول، ولكن بالطبع النتائج لاتأتي مطابقة في جميع الحالات، ولكنها تتطابق بنسبة ثمانين بالمئة علي الأقل، ولن نفاجأ إذا ظهرت نتيجة الجولدن جلوب "فجر الاثنين" تحمل اقل قدر من المفاجآت، والاختلافات عن نتائج رابطة نقاد أمريكا التي إنتهت الي منح جائزة افضل ممثله إلي اثنتين من نجمات السينما الأمريكية، قدمت كل منهما فيلمين لم تخلو منهما أي قائمة ترشيحات، ميريل ستريب-60 سنة- صاحبة أكبر عدد من الجوائز والترشيحات طوال تاريخها الفني، وقد قدمت هذا العام "إنه أمر معقد" وفيلم جولي وجوليا" وكل من الفيلمين يصنف ضمن أفلام الكوميديا الاجتماعية، وكانت الممثلة الثانية هي ساندرا بولاك -45 سنة- التي تألقت وأبدعت في فيلم "الجانب المظلم"، بالإضافة لتقديمها الفيلم الكوميدي الإجتماعي "الخطبة" أو عرض خطوبة. وربما تكون تلك المرة الأولي في تاريخ الجوائز الامريكية، التي يتم الجمع فيها بين نجمتين في جائزة واحدة، هي جائزة افضل ممثلة!وهو ليس حلاً توافقياً، أو تحاشيا لأزمة، ولكن إحقاقا لحق كل من نجمتين أجادتا في اختيار أدوارهما، وقدمت كل منهما أداء شديد التميزوالتنوع! والطريف أن أي منهما لم تعترض علي جمعها مع الاخري في نفس الجائزة، كما يحدث عندنا حيث يعتبر البعض أن الأمر يدخل تحت بند الإهانة وعدم التقدير واشياء أخري المجال لايسمح بعرضها! وسوف نستعرض بقية الجوائز قبل أن نعود لتحليل اسلوب أداء ميريل ستريب، وساندرا بولاك مع الأدوار التي نالت كل منهما الجائزة عنها! خارج التوقعات وعلي عكس كل التوقعات والترقبات، فلم يحصل فيلم أفاتار، علي جائزة افضل فيلم !! رغم عدد الترشيحات الضخمة التي نالها، ولكن تفوق عليه فيلم "مخزن الآلام"the hurt locker وهو فيلم شديد البساطة، وميزانيته بالمقارنة لميزانية افاتار، يمكن أن تساوي واحد إلي مائة!!ولكنه شديد الروعة والعمق، وقد نالت مخرجته"كاثرين بيجلو"جائزة أفضل مخرج! وهي بالمناسبة الزوجة السابقة لجيمس كاميرون مخرج، أفاتار، الذي نال جائزة أفضل فيلم حركة !بالإضافه لجوائز التصوير، والمؤثرات السمعية والبصرية والصوت !وفيلم "مخزن الآلام" يقدم حالة مجموعة من الجنود الأمريكان وتجربتهم في العراق، وهي مجموعة متخصصة في إحباط القنابل التي تفنن العراقيون في زرعها في أماكن لاتخطر علي البال، بحيث تحولت كل خطوة يخطوها جندي أمريكي علي ارض العراق، الي هلاك وجحيم محتمل! أما جائزة افضل ممثل فقد حصل عليها "جيف بريدجز"عن دوره في فيلم "القلب المجنون"، تلك الجائزة التي كان مرشحاً لها كل من جورج كلوني، عن فيلمه في الأعالي «up in the air»، وكولين فيرث عن دوره في فيلم "رجل عازب" ومورجان فريمان في فيلم «invictus» ، وفيجو مورتيسان في فيلم "الطريق"، وجيرمي رينير في فيلم مخزن الآلام !بينما استقرت جائزة افضل ممثل مساعد عند "كريستوفروالتز" الذي نالها في مهرجان كان السينمائي الدولي، وأعتقد أنه سوف يحصل علي أكثر من جائزة عن أدائه المدهش العبقري في فيلم"كتيبة الأوغاد"، وقد حصلت الممثلة السمراء "مونيك " علي جائزة افضل ممثلة مساعدة عن دور الأم غليظة القلب، سليطة اللسان في فيلم "الغالية" أو الثمينة «precious» وقد كنا قد تعرضنا لتحليله منذ ثلاثة أسابيع! أما جائزة افضل أغنية فحصل عليها بول مكارتني العضو الوحيد الذي لايزال علي قيد الحياة من فريق البيتلز أشهر فريق موسيقي ظهر في الستينات وقلب شكل الموسيقي الغربية وكان له تأثيرا عظيما وعميقا علي جيل الستينات ومابعده، وكانت الاغنية التي فاز عنها بول مكارتني "أريد العودة للوطن" من فيلم "كل الناس بخير" الذي لعب بطولته روبرت دي نيرو وهو إعادة لفيلم إيطالي رائع قدمه مارشيلو ماستروياني، في الثمانينات من القرن الفائت، ولم يصل دي نيرو رغم إجادته لعظمة ماستروياني !ونال الموسيقار مارفن هاملش جائزة افضل موسيقي تصويريه عن فيلم "المخبر"، بينما حصل فيلم "جراي جاردن" علي جائزة افضل فيلم تليفزيوني وقد كنا قد قدمنا تحليلا للفيلم منذ ثلاثة أشهر عندما حصل علي جائزة "إيمي". فنانة فريدة لم يكن مستغربا أن تحصل ميريل ستريب علي جائزة عن دورها في فيلم إنه أمر معقد «it is complicated» فهي تقدم في هذا الفيلم أداء شديد البساطة والعفوية والعمق أيضا، وتبدو هذه الفنانة الفريدة، وكأنها شخص آخر مع كل دور تقدمه، فهي تطول وتقصر، وتزداد نحافة أو سمنة تبعا لمقتضيات الشخصية، وتبدو متحفظة أو ماجنة وفقا لتركيبة الشخصية التي تقدمها، وفي فيلم "إنه أمر معقد" تلعب شخصية إمرأة في منتصف العمر، يطلقها زوجها من أجل إمرأة أخري اكثر شبابا وجمالاً، وتبتلع مرارتها رغم ذلك وتنغمس في عملها لتجد عوضاً عن الفراغ العاطفي الذي تركه غياب الرجل في حياتها لأكثر من عشر سنوات، وتحاول أن تجد صيغة متحضرة للتعامل مع زوجها السابق "إليك بولدوين"، نظرا لوجود أبناء بينهما، ويحدث انقلاباً فارقاً في حياة تلك السيدة، عندما تجتمع بزوجها السابق في إحدي الحفلات، حيث يتبادلان الذكريات، والحكايت ويدعوها للرقص من باب "جبران الخاطر"، فتستجيب، وكلمة في ضحكة في حدوته، ومع روعه الموسيقي واحتساء بعض كؤوس النبيذ، تجد نفسها في فراشه ! كبرياء المرأة والغريب أنه يجد معها متعة لم يكتشفها من قبل، رغم معاشرته لها كزوجة طوال مايزيد عن عشرين سنة، كما لم يجد تلك المتعة مع زوجته الشابة، والغريب أيضا أن مشاعره تعود ملتهبة وصارخة كما كانت قبل ثلاثين عاما، ويقبل عليها ويطاردها في كل مكان، وهي سعيدة ومنتشية، بتلك العلاقة التي حرمت منها منذ عشر سنوات، وفي حوار شديد الطرافة يجمعها بصديقاتها المحبطات من غياب الرجل في حياتهن، حيث تقول لهن إنها تستمتع للمرة الأولي بكونها المرأة الاخري!! في حياة زوجها السابق، فهو يحرص علي مهاتفتها من كل مكان يذهب إليه، ويفتعل المواقف ليلتقي بها بعيداً عن زوجته الحالية، كل هذا يسعدها لأنها كانت يوماً تعاني وتتعذب من خيانة زوجها السابق الذي كانت له صديقة يفضلها عنها، والآن أصبحت هي المفضلة، ولكن الحال لايستمر علي هذا الحال، حيث يبدأ كبرياء المرأة يلعب دورا في تلك العلاقة الغريبة، وتبدأ حالة من التذمر والرفض لأن تكون هي العشيقة بعد أن كانت الزوجة، ويزيد الأمور تعقيدا عندما يدخل حياتها رجل آخر"ستيف مارتن"، يعرض عليها حبه، واحترامه ويخطط معها للارتباط العلني، بعد أن تحدث بينهما ألفة ومودة من نوع خاص، ولاتستطع ميريل ستريب أن تتخلص من ملاحقة زوجها السابق "إليك بولدوين" الذي يقرر طلاق زوجته الشابة ليعود لزوجته السابقة، ولكنها ورغم إلحاح أبنائها، ترفض العودة له، وتفضل عليه الرجل الآخر، وكلما تسألها كبري بناتها لماذا إذن قبلتي مشاركته الفراش، إذا كنت ترفضين العودة له في إطار الزواج؟ فتقول لها يبدو أني كنت أنتقم لكرامتي وأنوثتي! إنه أمر معقد صعب ان تفهميه لأني حقا لاأفهمه !! في هذا الفيلم تبدو ميريل ستريب هي المرأة التي تعيش لحظات مجون وارتباك عاطفي، نتيجه شعورها الأليم بالوحدة والفراغ، إنها صارت منبوذة بعد تخلي زوجها عنها! أما في فيلم "جولي وجوليا" فتبدوميريل ستريب وكأنها إمرأة أخري تماما، شكلا وأداء، فهي أكثر سمنة وحركتها تؤكد أنها سيدة منزل من الطراز الأول، لاهم لها إلا إعداد الطعام، والتفنن في ابتكار وجبات جديدة، تعود أحداث الفيلم الي أبعينات القرن العشرين، حيث تعيش جوليا "ميريل ستريب"مع زوجها الدبلوماسي الامريكي في مدينة باريس، وتستثمر وقت فراغها في إعداد كتاب للطهو، تضع فيه عصارة تجربتها في إعداد أطعمة مبتكرة، ويصبح هذا الكتاب أهم مرجع لكل نساء الدنيا في إعداد الوجبات الشهية، والحلوي بأنواعها، وتتحدث ميريل ستريب الأمريكية بلكنة فرنسية، وتبدو تسريحة شعرها ملائمة تماما لنساء سنوات الاربعينات من القرن العشرين، وهي زوجة سعيدة رغم أن علاقتها بزوجها لم تثمر أبناء، ولكنها تعيش في ظل صداقة دائمة مع الزوج، الذي يشاركها كل إهتماماتها، ويشجعها علي ماتفعله، ماتقوم به من هوايات، وهي تشاركه اهتماماته السياسية، والإنسانية، وإذا صادف وتابع كل من الفيلمين الذين قدمتهما ميريل ستريب في نهاية عام 2009، فسوف تجد صعوبة أن تصدق إنها نفس المرأة في الفيلمين! إنه التفاني التام والذوبان في تفاصيل كل شخصية تقدمها، وهذا كان سببا كافيا لحصولها علي جائزة النقاد، وعلي تشريحها لجائزتي جولدن جلوب عن دوريها في "إنه أمر معقد"، وجولي وجوليا، وربما لانفاجأ بترشيحها أيضا للأوسكار الذي سوف يعلن عنه في منتصف شهر فبراير القادم!