تناولت وسائل الإعلام الغربية أحداث التاسع من أكتوبر التي شهدت مواجهات دموية بين الجيش والأقباط أمام مبني الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو من وجهات نظر متباينة تراوحت بين توجيه أصابع الاتهام للمجلس الأعلي للقوات المسلحة وبين النظرة المتشائمة للمرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد منذ إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك. مستقبل مجهول للأقباط وقامت صحيفة الجارديان البريطانية بعرض رؤيتي النظر في الوقت نفسه، ففي مقال للكاتب وليام دالريمبل بعنوان "مسيحيو مصر من الأقباط يواجهون مستقبلاً مجهولاً"، حذر الكاتب من المخاطر التي قد يتعرض لها الأقباط من جراء ثورة 25 يناير، وعلي رأسها احتمالات تزايد العنف الطائفي بسبب تدهور الوضع الأمني من ناحية و بسبب استقواء الجماعات الإسلامية المتشددة من ناحية أخري. ويصف وليام دالريمبل الأقباط الذين يتراوح نسبة تمثيلهم بين 10 و 15 بالمائة من إجمالي عدد السكان في مصر كأكبر أقلية طائفية في منطقة الشرق الأوسط، ويشير إلي أن الثورة تعني لهم العديد من الخسائر من بينها أنها أظهرت انحسار التيار الليبرالي في مصر لصالح الإسلاميين، كما أظهرت أن المستقبل القريب يبشر إما بحكم إسلامي أو حكم عسكري. وعّدد الكاتب مظاهر الاضطهاد التي تعرض لها الأقباط علي مدار عقود حكم مبارك و خاصة منذ التسعينات في صعيد مصر، و يري أن هذه الممارسات جعلت الأقباط يتقوقعون داخل مجتمع مغلق معتمدين علي النوادي والأنشطة الكنسية مما ساهم في تزايد الفجوة الطائفية. الهجوم ليس طائفياً وفي نفس الصحيفة، كتبت الكاتبة المصرية البريطانية أهداف سويف مقال بعنوان "الهجوم علي الأقباط لم يكن طائفياً"، وأخذت أهداف سويف علي عاتقها في هذا المقال التأكيد علي أن مصر ليست علي شفا حرب طائفية كما أراد البعض أن يقرأ أحداث ماسبيرو، و إنما هي تشهد بقايا نظام و سياسات مبارك علي الرغم من مرور شهور علي إسقاطه. وتربط أهداف سويف بين أحداث ماسبيرو التي خلفت 25 قتيلاً و 310 جرحي و بين تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية في يناير الماضي والذي خلف 21 قتيلاً، وتخلص إلي أن الحادثتين من تدبير نظام مبارك الذي يبدو أنه مستمر علي الرغم من سقوط الرئيس. وتري أهداف سويف أن تدبير أحداث ماسبيرو جاء لتشتيت القوي المدنية التي كانت قد اتحدت في الأسبوعين السابقين للتاسع من أكتوبر و خرجت ببيانات تؤكد مطالبتها بإنهاء حكم المجلس الأعلي والانتقال لحكم مجلس رئاسي مدني، و إنهاء قانون الطوارئ، و إنهاء محاكمة المدنيين عسكرياً. أما صحيفة إنترناشيونال بيزنس تايمز الأمريكية فقد كتبت بعنوان "مصر وإيران وإسكات أصوات المعارضة" لتؤكد أن ما يحدث الآن في مصر ما هو إلا محاولة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة لمواجهة أشكال عدم الاستقرار عن طريق فرض القبضة العسكرية علي المعارضة، و تري الصحيفة أن أحداث ماسبيرو ليست طائفية و إنما هي إحدي محاولات المجلس العسكري لقمع أصوات الناشطين و المعارضين الذين بدأوا يطالبون بتنحيته. واتهمت جماعات حقوق الإنسان الأمريكية المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالوقوف وراء أحداث ماسبيرو والتعمد في تأجيج العنف الطائفي كي يتمكن من تحقيق أهداف سياسية. وقال رئيس اللجنة الأمريكية لمراقبة حرية الأديان الدولية، ليونارد ليو، في بيان نشر علي موقع اللجنة علي الإنترنت "نحن نطالب الولاياتالمتحدة بسحب جزء من المعونات العسكرية لمصر والتي تصل إلي 1.3 بليون دولار سنوياً وذلك من أجل الضغط لحماية الأقليات الدينية وأماكن عبادتها وخاصة دور العبادة الخاصة بالمسيحيين واليهود وأتباع الطرق الصوفية". فوضي في الشارع أما صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية فنشرت بعنوان "مظاهرات كنسية في القاهرة تتحول إلي الدموية" للكاتب ديفيد كيركباتريك، وأشارت إلي أنه من الصعب الحكم علي مواجهات ماسبيرو وتحديد من يهاجم من. فمن ناحية كان المتظاهرون الأقباط الذين احتجوا علي هدم كنائسهم مؤيدين تأييداً واسعاً من المتظاهرين المسلمين الذين يطالبون بإقالة المجلس العسكري. المسألة إذن تبدو غير طائفية، غير أن اعتراض بعض المتطرفين للمتظاهرين الأقباط أثناء تشييع الجثامين ربما يشير إلي الفوضي التي تجتاح الشارع المصري و الرأي العام المصري. وأشارت جريدة التيليجراف البريطانية أيضاً إلي هذه الفوضي عندما أشارت في مقال إلي تضارب جهود المصريين بشكل يجعل من الصعب توجيه أصابع الاتهام. ففي الوقت الذي سعت فيه القيادات الدينية المسيحية والمسلمة لاحتواء الأزمة، كان المتظاهرون الأقباط والمسلمون يتشابكون يتراشقون بالحجارة أمام مبني المستشفي القبطي، وحذر الكاتب ريتشارد سبينسر في مقال بعنوان "الطائفية ستزداد سوءاً في مصر" من حرب الشائعات و نظريات المؤامرة التي تجتاح مصر. وبررت بعض هذه النظريات أحداث ماسبيرو علي أنها تصعيد متعمد من الجماعات الإسلامية المتشددة حتي تسود الفوضي ويصبح الجو مناسباً لفرض الأيديولوجيات الإسلامية. وقدم موقع الأخبار الألمانية دويتشه فيليه عرضاً لأحداث ماسبيرو وخلص أحد تقاريرها إلي اتهام الإعلام المصري الرسمي بشحن الرأي العام ضد الأقباط المتظاهرين مما تسبب في إثارة الفوضي في الشارع، وباستطلاع شهادات شهود العيان، قدمت الدويتشه فيليه رؤية للأحداث علي أنها تشير إلي سعي المجلس العسكري للسيطرة علي الحكم عن طريق إثارة المخاوف من عدم استقرار البلاد. ضرورة حماية حقوق الأقليات في الوقت نفسه، أشارت وكالات الأنباء الألمانية إلي تأثير أحداث ماسبيرو علي لقاء وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي بخصوص الربيع العربي، وقالت كاثرين أشتون مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إن علي مصر تفعيل الإصلاح السياسي والاقتصادي حتي ينقلها الربيع العربي إلي مصاف الديمقراطيات الحقيقية، وأكدت علي ضرورة حماية الأقليات والحريات الدينية كمؤشر حقيقي لحماية حقوق الإنسان. أما صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، فقد أشارت إلي أحداث ماسبيرو علي أنها تمثل ارتفاعا في الاحتقان الطائفي في مصر. وأشارت الصحيفة إلي أن الأقباط يتهمون المجلس العسكري بالطائفية. وذهب المدون الأمريكي برايان أولريتش في مدونته "مقهي برايان" إلي أن شهادات إعلامية كثيرة تدين الجيش المصري علي أنه المتهم في مقتل المتظاهرين الأقباط. غير أن نظرته المتفحصة في الأخبار جعلته يستنتج أن ما حدث ليس صراعاً طائفياً بقدر ما هو قهر المجلس العسكري للمواطنين المصريين. الموقف الأمريكي الملحوظ في التغطية الإعلامية لأحداث ماسبيرو هو غياب الحديث عن موقف الولاياتالمتحدة أو عن التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض. هل يعني ذلك الغياب تراجع الولاياتالمتحدة عن دعمها التقليدي للأقليات الدينية في الشرق الأوسط أم هل هو غياب تكتيكي بعد تزايد الاتهامات الموجهة مؤخراً من المتظاهرين والناشطين السياسيين المصريين للمجلس العسكري بالتواطؤ مع الإدارة الأمريكية من أجل تمديد البقاء العسكري والذي يعد صمام أمان للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وضامنا لحماية تلك المصالح من تزايد المد الديني؟ و نفت الولاياتالمتحدة ما نسب لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من تصريحات حول عرض واشنطن إرسال قوات أمريكية دور العبادة الخاصة بالأقباط. كما أكدت السفيرة الأمريكيةبالقاهرة، آن باترسون، أن الولاياتالمتحدة علي ثقة بأن ما حدث لا يعبر عن مصر الحقيقية التي هي دولة عظيمة تحترم جميع أطياف شعبها. وقدمت قناة سي.ان.ان الإخبارية الأمريكية عرضاً لأحداث ماسبيرو تضمن رصد لعدد القتلي من جنود الجيش المصري والذي بلغ 12 جندياً بينما بلغ عدد الإصابات نحو 50 مصاباً. وعرضت القناة أيضاً لتضارب أقوال شهود العيان حيث اتهم عدد كبير الجيش المصري بالهجوم المتعمد علي المتظاهرين الأقباط في الوقت الذي نقل مراسلو القناة لقطات لدبابات أشعلت فيها النيران. وكان البيت الأبيض قد دعا إلي ضبط النفس في مصر وإلي ضرورة العمل علي نجاح عملية الانتقال إلي الديمقراطية، وقال في بيان له "في الوقت الذي يصوغ فيه الشعب المصري مستقبله تعتقد الولاياتالمتحدة باستمرار أن حقوق الأقليات ومن بينها الأقباط ينبغي أن تحترم وأن لكل الناس الحق العام في الاحتجاج السلمي والحرية الدينية. هذه الأحداث المأساوية ينبغي ألا تقف في سبيل إجراء الانتخابات في موعدها واستمرار عملية الانتقال إلي الديمقراطية بطريقة سلمية وعادلة وتشمل الجميع".