عندما قرر مدرب الأهلي مانويل جوزيه استبدال لاعب آخر بأبوتريكة أثناء المباراة مع فريق الوداد المغربي، وقف زهاء ما يقرب من 85 ألف مشجع مغربي بملعب محمد الخامس يحيونه أثناء خروجه مصفقين لمدة دقيقة، وقد رد بدوره أبوتريكة التحية بكفه للجماهير العريضة. وقد أعرب أبوتريكة عقب المباراة عن سعادته البالغة للحب الذي لاقاه من الجماهير المغربية، وأن التحية التي وجهوها له أثرت فيه بشكل كبير، وأن هذا المشهد تقشعر له الأبدان.. معربا عن أمله أن يظل دائما عند حسن ظن الجماهير من كل أنحاء الوطن العربي. مواقف سياسية تقدير الجماهير لأبوتريكة لم يكن لإجادته اللعب وإحراز عدة أهداف ساهمت في أن يحرز الأهلي عدة بطولات أو لحسن خلقه وحرصه علي الالتزام بقواعد الدين، لكن لأنه أظهر عبر تصريحات صحفية أو أفعال بسيطة في الملعب عن مواقف سياسية شريفة مختلفة تماما عن النغمة الإعلامية السائدة تجاه قضايا وطنية أو قومية قبيل ثورة يناير، من أشهر تلك المواقف عندما رفع أبوتريكة فانلة المنتخب القومي عام 2008 في بطولة الأمم الافريقية بغانا بعد أن أحرز الهدف الثاني في منتخب الفريق السوداني، وأظهر علي فانلة أخري يرتديها تحتها عبارة «تعاطفا مع غزة» بالإنجليزية شاهدها العالم كله احتجاجا علي الحصار الإسرائيلي لغزة بعد فوز منظمة حماس بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية في يناير 2006 وسيطرتها علي القطاع بعدها في 2007. ما فعله أبوتريكة يعد تجاوزاً للوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم والتي تمنع استغلال مباريات كرة القدم في أي أغراض أو أهداف سياسية أو عنصرية، لذلك عندما اجتمع الكاف لبحث مافعله أبوتريكة بناء علي ما كتبه حكم المباراة البنيني كوفي كوجا اكتفي بتوجيه تحذير للاعب بعد مجموعة من الرسائل الالكترونية التي وصلت إليه، وما جاء في وسائل الإعلام العربية والافريقية التي تبدي تعاطفها معه، وتضامن منتخبات تونسوالجزائر والمغرب. وعندما سئل أبوتريكة بعدها عن السبب الذي دعاه لهذا الموقف قال: الحصار الجائر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة أثار ألما شديدا في نفسه وجعله يبحث عن أي وسيلة يساعده بها. المباراة الفاصلة موقف آخر محسوب لأبوتريكة عندما أعلن عن استعداده للسفر للجزائر ومشاركة شعبها احتفالية التأهل لمونديال جنوب افريقيا لعام 2010 برغم فشلنا في الوصول إليها بسبب هزيمتنا من الجزائر نفسها في المباراة الفاصلة التي أجريت بيننا وبينهم في السودان، وما صاحب هذه المباراة من ادعاء أو تضخيم لاعتداء الجمهور الجزائري علي الجمهور المصري في العاصمة السودانية الخرطوم، كان من الواضح أن هذا الاشعال للمشاعر كان مقصودا سياسيا لتوجيه مشاعر الغضب من الهزيمة وعدم تمكن الفريق القومي من الوصول لكأس العالم في جنوب افريقيا - الذي كان يعول عليه النظام السابق لتحقيق انجاز كروي يقنع به الشعب أنه يحقق انجازا يداري به علي اخفاقاته في كل المجالات السياسية والاقتصادية - إلي النقمة علي شعب الجزائري واللعب علي مشاعر الشفونية المصرية، لقد أدرك أبوتريكة ببصيرته العميقة بعيدا عن الحشد الإعلامي الحكومي والخاص أن أجواء الشحن مصطنعة والعزف المستمر علي كره العرب للمصريين غير بريء وموظف سياسيا، لذلك ابتعد عن تلك الأجواء وقال: ليس من المنطقي السكوت علي الجفاء الذي حدث جراء تلك المباراة لأن ما بين مصر والجزائر أكبر من أي خلاف بسبب مباراة كرة قدم وخاصة أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه، كما أن مطالبة كل طرف للآخر بالاعتذار أمر غير مقبول لأن ما بين الإخوة من روابط في الدين والدم أكبر من أي اعتذار، وخيرهما من يبدأ بالسلام. هذا الكلام الرصين لأبوتريكة قوبل بغضب شديد وقتها من أعضاء الفريق الفني للمنتخب مدفوعين غالبا بمن هو أعلي منهم بحجة أن أبوتريكة كان من شهود العيان لما حدث للمنتخب في السودان، كما أنه علي علم بالتصريحات المسيئة التي استهدفت مدير المنتخب. مواقف أبوتريكة التي أدت إلي أن يحوز علي تلك المكانة بين الشعب العربي هي مفتاح لمصر لكي تستعيد مكانتها في العالم العربي التي لن تكون إلا بأن: 1- تلعب دورا رئيسيا وحيويا في القضية الفلسطينية تنهي سياسة التطبيع ولا تبتعد هاربة من تكلفة الصراع مع إسرائيل. 2- أن تتخلص مصر من سيطرة أمريكا علي القرار السياسي المصري. 3- أن تتخلي مصر عما يشعر به العرب من تعالي الشعب المصري عليهم في الخطاب الذي ساد الإعلام المصري باعتبارها الدولة صاحبة الحضارة.. الوحيدة في المنطقة. لقد فقدت مصر مكانتها في العالم العربي بشكل تام منذ أن قررت مصر السادات أن توقع علي اتفاقيتي كامب ديفيد، اتاحت الأولي لمصر أن تنسحب إسرائيل من سيناء مقابل قيود شديدة علي حجم وتسليح القوات المصرية في سيناء، جعلتها أقرب ما تكون رهينة في يد إسرائيل تهدد بإعادة احتلالها إذا ما بدر من مصر ما لم يرضها، بينما الاتفاقية الثانية والخاصة بالحكم الذاتي لفلسطينيين في الضفة والقطاع لا تنهي احتلال إسرائيل لهما ثم إن الاتفاقية الثانية لا علاقة لها بالأولي بحيث تضغط مصر إذا تلكأت إسرائيل في تنفيذها بتعطيل مسار الأولي، مما جعل العرب يعتبرون أن مصر عقدت صلحا منفردا مع إسرائيل، وأن مصر عقدت الاتفاقية الحكم الذاتي للفلسطينيين فقط لاظهار العكس مما جعلها أقرب إلي ورقة التوت الصغيرة التي تداري عورة اتفاقية كامب ديفيد. نفقات الحرب لقد قدمت مصر السادات وقتها مبرراتها لهذا الصلح المنفرد: 1- إن مصر تحملت نفقات الحرب وحدها، مع أن هذا غير حقيقي علي إطلاقه لأننا لا ننسي وقفة العرب بجوار مصر عند تعويضها في مؤتمر الخرطوم عام 1967 ما يوازي دخل قناة السويس التي توقفت بعد العدوان، وكذلك موقف الثورة الليبية عام 1969 التي تعاقدت مع فرنسا لتقدم لمصر ما تحتاجه من سلاح الطيران. 2- أن مصر قدمت وحدها الدم.. كأن لم تكن هناك جبهات أخري سال عليها الدم في سوريا وفلسطين. 3- أن أمريكا هددتنا بالتدخل ضدنا أثناء حرب أكتوبر.. ولا نعرف إذا كان هذا التهديد حقيقيا في وجود قوة أخري هي الاتحاد السوفييتي.. أم مبررا لعدم استكمالنا تصفية الجيب الإسرائيلي في الثغرة.. علي العموم لو أعلن هذا التهديد لكان كفيلا بتدمير مصالح أمريكا في المنطقة. دور حقيقي علي الجانب الآخر شعر العرب أن مصر ناورت بهم مستفيدة من فتح جبهتين في وقت واحد مصرية سورية، ومن قطع امدادات البترول عن الغرب، ومن الدعم المادي المقدم لها لتحرر أرضها فقط دون النظر لبقية الأراضي العربية. كما دخل أبوتريكة قلوب العرب من بوابة تعاطفه مع الفلسطينيين، بالمثل مصر لن تكتسب مكانتها واحترامها من العالم العربي إلا إذا قبلت أن تلعب دورا حقيقيا في القضية الفلسطينية تكون علي استعداد لتقديم التضحيات ولا تكتفي بدور الواسطة الذي ظلت تلعبه طوال ثلاثين سنة من حكم حسني مبارك الذي ظل يخيفنا من لعب دور حقيقي من هول الخسائر التي سنتكبدها، كأن فترة حكمه كلها مكاسب جمة نخاف علي ضياعها ولم تكن نزفا شديدا مستمرا لثرواتنا وأرواحنا. النظرة النهائية الحاسبة للمكاسب والخسائر إذا لعبت مصر دورا حقيقيا في القضية الفلسطينية ستدرك أن استعادة مصر مكانتها في العالم العربي وما ينجم عنه من مكاسب سياسية واقتصادية يفوق أي حساب دقيق للتضحيات. فلسطين هي بوابة مصر للعالم العربي.. فهل بعد ثورة الشعب المصري في يناير ستفتح بقوة أم ستظل مواربة بحسابات الخوف المتراكم عبر سنين طويلة؟!