نشرة التوك شو| بطيخ مسرطن ومشادة بين "صلاح ويورجن كلوب" وبيان لصندوق النقد    موعد مباراة ليفربول المقبلة بعد التعادل مع وست هام في الدوري الإنجليزي    عاجل.. حسام البدري يفجر مفاجأة حول عرض تدريب الزمالك    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    لأول مرة بالمهرجانات المصرية.. "الإسكندرية للفيلم القصير" يعرض أفلام سينما المكفوفين    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    العالم الهولندي يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة ويكشف عن مكانه    أهالي الأسرى يُطالبون "نتنياهو" بوقف الحرب على غزة    مصدر أمني إسرائيلي: تأجيل عملية رفح حال إبرام صفقة تبادل    قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعشرات الانفجارات في المنطقة (فيديو)    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    المندوه: هذا سبب إصابة شيكابالا.. والكل يشعر بأهمية مباراة دريمز    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    ألميريا يهبط إلى دوري الدرجة الثانية الإسباني بعد الخسارة من خيتافي    حالة الطقس اليوم الأحد 28 - 4 - 2024 فى مصر    مصرع وإصابة 12 شخصا في تصادم ميكروباص وملاكي بالدقهلية    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    أول تعليق من الأزهر على جريمة طفل شبرا    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    ضبط مهندس لإدارته شبكة لتوزيع الإنترنت    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    وفاة الفنان العراقي عامر جهاد    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    لميس الحديدى: نعمت شفيق تواجه مصيرا صعبا .. واللوبي اليهودي والمجتمع العربي"غاضبين"    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الذي أضاف «ذيل النظام الاجتماعي» إلي وأد حرية الصحافة وحرية الاجتماع في دستور 1923؟
نشر في القاهرة يوم 16 - 08 - 2011

بعد خمسة أسابيع من صدور التبليغ أعلن خلالها «السلطان فؤاد» استقلال مصر، واتخذ لنفسه لقب صاحب الجلالة ملك مصر، تشكلت في 3 إبريل 1922، لجنة لوضع مشروع الدستور من ثلاثين عضوا، روعي في اختيارهم أن يمثلوا طوائف الأمة المختلفة، ففضلا عن جماعة من كبار الأعيان وكبار رجال الدين المسلمين والمسيحيين، وممثلين عن العربان، فقد ضمت اللجنة صفوة من رجال الفقه الدستوري، ذوي النزعات الليبرالية، لعبوا الدور الرئيسي في توجيه مناقشاتها، نحو تحويل مصر إلي دولة ملكية دستورية، يقوم دستورها علي أن الأمة مصدر كل السلطات، وأن الملك يملك ولا يحكم، ويمارس سلطاته بواسطة وزرائه، وفضلا عن ذلك يكفل هذا الدستور حقوق المواطنة ومنها حق المساواة في الواجبات والحقوق والحريات العامة، وفي مقدمتها حريات الرأي والتعبير والكتابة والنشر. ومع أن حرية الصحافة تدخل في نطاق حرية الرأي والكتابة والنشر وهو ما أخذت به لجنة الدستور في المسودة الأولي لمشروعه التي نصت علي «أن حرية الرأي مضمونة ولكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن فكره سواء بالكلام أو بالكتابة، وبطريق الصحف أو بالتصوير، بشرط أن يراعي حدود القانون، إلا أن اللجنة ما لبثت أن اتجهت نحو إفراد نص خاص بحرية الصحافة، علي إثر ملاحظة أبداها «علي ماهربك» عضو اللجنة وقد تولي رئاسة الوزراء بعد ذلك، أكثر من مرة بأن «الحرية الصحفية هي المظهر الأول لسائر أنواع الحريات الأخري»، مقترحا بأن يتضمن الدستور نصا خاصا يكفل هذه الحرية ويحدد معالمها.. بحيث تكون حقا ثابتا مطلقا من كل قيد، لا يجوز للبرلمان أن «يصدر تشريعا ينتقص منها أو يقيدها»، وهو ما كان يعني في رأيه أن يشمل النص ثلاثة أمور هي: إطلاق حق إصدار الصحف لجميع المصريين، من دون حاجة الحصول علي ترخيص مسبق بذلك من جهة الإدارة، وحظر فرض الرقابة علي الصحف في الأحوال الطبيعية، وحظر تعطيل الصحف إداريا. ومع أن تلك الحقوق كانت تمارس طوال عهد الاحتلال، وحتي إعلان الحماية، فكانت الصحف تصدر بمجرد الاخطار ولم تفرض عليها الرقابة إلا عند إعلان الأحكام العرفية بسبب الحرب، كما أن القوانين المصرية، كانت تخلو من أي نص يبيح مصادرة الصحف إداريا، إلا أن اقتراح «علي ماهر» بأن يقنن ذلك الوضع بنص صريح في الدستور يحول بين البرلمان وبين وضع أي قيود مستقبلية علي حرية الصحافة ما لبث أن كشف عن وجود اتجاه في اللجنة لا يرضي عن الوضع القائم ويرفض أن يقننه في الدستور. ولابد أن الخلاف بين «اليعاقبة» المتشددين من أنصار «سعد زغلول» و«الجيروند» المعتدلين ممن التفوا حول «عدلي يكن» الذي انتهي بانشقاق الوفد، ولعبت الصحافة دورا بارزا في التعبير عنه، كان أحد أهم دوافع أصحاب هذا الاتجاه.. وقد ترافع عن موقفهم «عبداللطيف المكباتي بك» الذي استدل من حالة الصحافة المصرية آنذاك، أن كثيرا من الصحف لا تعمل للمصلحة العامة، بل تسير وراء أغراض وآراء خاصة، ولا تتبع الطريق القويم، وبأن مصر في مطلع حياتها الدستورية تمر بحالة انتقالية تجعل الاستعداد للتطرف يشيع بين صفوف الشعب، الذي لا يزال في حاجة إلي تربية سياسية حتي يصبح مؤهلا لممارسة حقوقه الدستورية، ومنها حرية الصحافة التي ستكون أول من يقبل علي التطرف.. فضلا عن أن كثيرين ممن كانوا يحملون آنذاك صفة المصريين لم يكونوا كذلك بالفعل، وقد يستغلون حرية الصحافة لحساب الترويج لسياسات أجنبية. أما وذلك هو الحال، فمن الخطأ كما ذهب «المكباتي بك» أن يسمح لأي إنسان كان بأن يتصدي للصحافة ويجلس في مجلس الإرشاد العام، ومن الخطر أن يطلق الدستور حرية الصحافة، من دون قيود أو شروط مما يشل يد البرلمان عن إصدار القوانين التي تنظم فوضي استغلال هذه الحرية، وتحول بين السبابين ونهشة الأعراض، وبين ممارسة الصحافة.. ومن الخطر كذلك كما أضاف «حافظ حسن باشا» عضو اللجنة أن يشل البرلمان، يد الإدارة عن منع المنحطين خلقيا من ممارسة الصحافة، اكتفاء بتوفر بعض الشروط القانونية فيهم، إذ إن توفر هذه الشروط قد لا يحول دون توفر هذا الانحطاط فينبغي أن يترك تقدير مدي خطر هؤلاء علي الأخلاق العامة، لجهة من جهات الحكومة، فإذا ثبت لها هذا صادرت حقهم في إصدار الصحف. وفي ختام مرافعته قال عبداللطيف المكباتي بك: نري الآن أن الكثير من صحفنا لا يتبع الطريق القويم، وأخشي أن يزداد ذلك، فأرجو أن يترك البرلمان حرا ليمكنه وضع العلاج الذي يكون ضروريا لحالة البلاد، لقد مرت إيطاليا بتجارب عديدة تشبه ما نمر به، وما ينتظر أن نمر به، وقد وضعت لنفسها دساتير تقرب من العشرين.. وقد جاء في دستورها الأخير نص حكيم يتعلق بالصحافة، أرجو أن نتخذه نبراسا لنا في وضع نص مثله في دستورنا وهو نص يقول «الصحف حرة.. ولكن للبرلمان أن يقيد التطرف فيها». تدخل «عبدالعزيز فهمي باشا» -الذي أصبح بعد ذلك ثاني رئيس لحزب الأحرار الدستوريين- ليدعم «علي ماهر» داعيا إلي توسيع الضمانات التي يكفلها الدستور لحرية الصحافة، مقترحا أن يقوم ذلك علي أساس مبدأ يقضي بأنه «لا حاجة إلي تصريح سابق من أي سلطة كانت لإخراج أي نشرة من أي نوع يكون، ولا يجوز اقتضاء أية ضمانة من مؤلف النشرة أو مديرها أو ملتزم طبعها أو طابعها ..والمراقبة والإنذارات الإدارية للنشرات المطبوعة ممنوعة»، وأضاف إنه يميل إلي إطلاق حرية الصحافة إطلاقا تاما، انطلاقا من أن الحرية نفسها كفيلة بتنظيم نفسها، وتطورها مع الزمن إلي الأصلح الأنفع، فلا يجد السبَّاب المعتدي من يقبل علي قراءة جريدته. وفي رده، حول ما أثير من اعتراضات علي اقتراحه قال علي ماهر إن حرية الصحافة قانونا معناها حرية إصدار الصحف، خاصة بعد أن أقرت اللجنة نصا يقضي بحرية الرأي والكتابة.. ولا تتحقق حرية الإصدار، إلا بالنص علي عدم وضع قيود وعقبات في سبيلها، وأهم القيود هي الرقابة.. والترخيص.. وفي توضيحه للقيد الأول.. قال: ليس معني منع الرقابة ألا تحاكم الجرائد علي ما تكتب.. إنني معكم في أنه يجوز للبرلمان في ظروف خاصة أن يزيد- إن شاء -من الجرائم الصحفية، لأنني لا أرضي الفوضي أبدًا، لكن هذا يقع بعد صدور الصحف، فلا يصح أن تعرض صحيفة قبل نشرها علي هيئة إدارية للتصريح بنشر شيء، أو تحريم نشر شيء آخر فيها، هذا لا يجوز مطلقا في الأزمنة العادية، أي في غير حالة الطوارئ التي تعلن فيها الأحكام العرفية، ويتعطل فيها العمل ببعض نصوص الدستور، ولهذا تقرر مبدأ عدم الرقابة حتي في بروسيا العسكرية، وحتي في تركيا، وكما أننا لا نريد الفوضي فنحن لا نريد الاستبداد. وعلي عكس معركة إسقاط قيد الرقابة التي كسبها «علي ماهر» بسهولة خاصة بعد أن لفت نظر اللجنة إلي أنه يطلب تقرير حرية موجودة الآن فعلا، لأن قانون المطبوعات القائم لا يعطي الإدارة حق مراقبة الصحف، فقد وجد صعوبة بالغة في إقناع المعارضين له، بتضمين الدستور نصا يطلق حق الجميع في إصدار الصحف، وقد حرص في رده علي مخاوفهم علي تنبيههم إلي أن إطلاق حق الإصدار، لا يحول بين البرلمان وبين إصدار قوانين تضع شروطا شخصية تمنع بعض الفئات كالمحكوم عليهم في الجرائم المخلة بالشرف، من إصدار الصحف، وتحاكم الذين يسيئون استغلال هذا الحق، وتغلظ العقوبات في الجرائم الصحفية، وهو ما يتكفل به قانون العقوبات.. ثم أضاف: الذي أريده هو ألا يكون للبرلمان، وخصوصا في الأحوال العادية الحق في تقرير قوانين تبيح للحكومة مراقبة الصحف، أو عدم الترخيص بإصدارها، وأن يكون لكل فرد الحق في إصدار الصحف بلا حاجة إلي ترخيص خاص متي توفرت فيه الصفات التي يقررها القانون، حتي لا تتحكم الإدارة في العطاء والمنع وألا يكون هناك أي تمييز بين الأشخاص الذين يتقدمون لإصدار الصحف ما داموا حائزين للشروط القانونية. وردا علي منطق المعارضين الذين طالبوا بإعطاء البرلمان الحق في وضع «حدود» لحرية إصدار الصحف انطلاقا من أنه هو نفسه -بحكم سلطته في الرقابة علي أعمال الحكومة- كفيل بمنعها من الاستبداد أو التمييز في إعطاء الرخص، قال «محمد علي بك»: إن طالب الرخصة قد يكون من حزب الأقلية فترفض الحكومة إعطاءه الرخصة.. والحكومة دائما من حزب الأكثرية فتجد من حزبها مؤيدا لها في عملها وإذ ذاك، تستبد الأقلية بالأكثرية استبدادا يمنعها من أن تنشر آراءها. وأضاف «علي ماهر» قائلا: إن وضع قيود علي حق بعض المصريين في إصدار الصحف، يهدم الأساس الذي يقوم عليه الدستور، وهو المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وأنه يمكن للحكومة في حالة إساءة استغلال الصحافة لحريتها علي نحو يلحق الضرر بالمصلحة العامة، أن تفرض العقوبة في الأحوال العادية، فإذا استفحل الخطر، فهي تستطيع أن تعلن الأحكام العرفية. واقترح أن يكون النص هو «الصحافة حرة، والرقابة ممنوعة، ولكل مصري حق إصدار الصحف، مادام حائزا للشروط التي يقررها القانون». ورفض الاقترح الذي قدمه «عبداللطيف المكباتي بك» باستبدال عبارة «الشروط التي يقررها القانون» بعبارة «الحدود التي يقررها القانون»، وقال «محمد علي بك» مؤيدا وموضحا: إن «الشروط» يقصد بها صفات شخصية يضعها القانون، وإليه يعود الحكم في وجودها أو عدم وجودها في طالب الترخيص، ولكن عبارة «في حدود القانون» تسمح للبرلمان بإصدار قانون يجعل للحكومة حق الترخيص أو عدم الترخيص بإصدار الصحف. وانتهت اللجنة في جلسة 21 أغسطس 1922، إلي الأخذ باقتراح «علي ماهر» مع وضع تحفظ «المكباتي» في الاعتبار، فاستبدلت كلمة «الشروط» بكلمة «الحدود»، وأصبح النص هو «الصحافة حرة في الحدود التي يقررها القانون» وهو ما تحفظ عليه رئيس اللجنة «حسين رشدي باشا»، الذي لاحظ أن المادة تخلو من الإشارة إلي حظْر التدخل الإداري في شئون الصحف، واقترح إضافة كلمة «العام» في نهاية النص، «حتي لا تكون الصحافة مقيدة إلا بالقانون العام وحده». واعترض «عبدالعزيز فهمي» علي الاقتراح، قائلا إنه يحجر علي حق البرلمان في وضع قوانين خاصة للصحافة، واقترح أن تفوضه اللجنة في الاتفاق مع «علي ماهر» علي صياغة جديدة للنص، في ضوء الاتفاق العام في اللجنة علي حظر التدخل الإداري في شئون الصحافة. وكان النص الذي انتهيا إليه ووافقت عليه اللجنة في جلسة 6 أكتوبر 1922، هو «الصحافة حرة في حدود القانون، والرقابة علي الصحف محظورة، وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور كذلك. لكن هذا النص، تعرض لإضافة أخري مهمة، خلال الشهور السبعة التي فصلت بين انتهاء لجنة الدستور من عملها، في 21 أكتوبر 1922، وصدور التعديل بالفعل في 19 إبريل 1923، فطبقا للنظام التشريعي الذي كان معمولا به آنذاك، فقد كان من الضروري أن تعرض مسودة الدستور علي «اللجنة الاستشارية التشريعية» - التي تتشكل من كبار المستشارين القانونيين للحكومة، ولم يكن بينهم سوي مصري واحد - للتوفيق بين مواده، وتنقيح صياغته.. وكان من بين التعديلات التي أدخلتها تلك اللجنة علي المسودة، ذيل أضيف إلي ثلاث من مواد الدستور، يقر مبدأ حق السلطة التنفيذية في وضع قيود علي اثنين من الحقوق العامة، هما: حرية الاجتماع وحرية الصحافة، وعلي مبدأ حظر تسليم اللاجئين السياسيين ، بهدف «وقاية- أو المحافظة علي - النظام الاجتماعي» ، فحق المصريين في الاجتماع، كما ذهبت اللجنة لا يقيد - ولا يمنع- أي «تدبير يتخذ لوقاية النظام الاجتماعي» وحظر تسليم اللاجئين السياسيين، لا يعني «الإخلال بالاتفاقات الدولية التي يقصد بها المحافظة علي النظام الاجتماعي» ، وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري، ولو أنه محظور، إلا أنه مباح «إذا كان ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي». وفي تفسيره للمادة 15 من الدستور، قال وزير الحقانية «أحمد ذو الفقار باشا» - الذي رأس اجتماعات اللجنة التشريعية الاستشارية، في المذكرة التي صدرت مع الدستور عند إعلانه، إن المادة قد «ضمنت حرية الصحافة .. وهذه الحرية لا تقيد مبدئيا إلا بنصوص قانون العقوبات فلا يمكن إقامة الرقابة المسبقة عليها، ويمتنع إنذار الصحف أو تعطيلها أو إلغاؤها بواسطة الإدارة، فكل نظام قانون المطبوعات الذي سن في 26 نوفمبر سنة 1881 .. يجب أن يجعل مطابقا للمبادئ الجديدة». وفي تبريره للاستثناء الذي اضافته اللجنة الاستشارية في ذيل المادة، قال « وكيف يبقي هناك استثناء واحد لإنذار الصحف أو تعطيلها أو إلغائها بالطرق
الإدارية، فإن بعضا من الحرية الدستورية لا يمكن تطبيقه علي حملات تحمل علي أساس الهيئة الاجتماعية، كحظر الدعوة البلشفية الموجودة الآن، فإنه يضطر جميع الحكومات إلي اتخاذ تدابير قد تكون مناقضة للمبادئ المقررة بالدستور، لأجل ضمان حرية أهل البلاد المسالمين، والموالين للقانون، فلكي يمكن انشاء تشريع لمكافحة أمثال هذه الدعوة الضارة، نصها في المادة 15 علي أن إنذار الصحف وتعطيلها وإلغاءها بالطرق الإدارية قد يجوز في حالة ما تقضي الضرورة بالالتجاء إليه لحماية النظام الاجتماعي، وأضيف تحفظ مماثل لهذا علي نص المادة 20 التي تكفل للمصريين حق الاجتماع بسكينة ومن دون سلاح، والمادة 151 التي تحظر النفي لجرائم سياسية».. ولأن «حرية الصحافة» و«حرية الاجتماع» هما أهم أدوات ممارسة حرية الرأي والتعبير، فقد كان طبيعيا أن تثير الإضافة التي لحقت المادتين 15و20 انتقادات واسعة، بين الذين تصدوا للمقارنة بين النص الأصلي لمواده، كما انتهت إليها لجنة الثلاثين، وبين الصورة التي أعلن بها والتي أضافت تحفظا علي المادتين يجيز للإدارة إهدار حرية الصحافة، وحرية الاجتماع «إذا كان ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي». ومع أن «د. محمد حسين هيكل بك» - عضو لجنة الثلاثين ومجلس إدارة «حزب الأحرار الدستوريين» كان يميل كما قال في مذكراته - إلي تأويل مواد الدستور، بما يفسر التعديلات التي أدخلت علي المشروع الذي وضعته اللجنة تأويلا لا ينتقص من الحقوق التي تمنحها للأمة، إلا أنه اضطر إلي العدول عن هذا المنهج، تجاه الإضافة التي لحقت المادتين 15 و 20 باعتبارهما أحد التعديلات المهمة الأربعة التي أدخلتها اللجنة التشريعية الاستشارية علي المسودة التي انتهت إليها لجنة الثلاثين، وعارضه بقوة استنادا إلي أن «تعطيل الصحف ليس هو الأداة الناجعة لحماية البلاد من الشيوعية، فضلا عن أن الإضافة التي جاء بها ذيل المادة 15 تغري بسوء استعمال الحق .. وبالالتجاء لتعطيل الصحف في غير ما وضع النص له. وفي تفصيل ذلك، قال «د.هيكل» في مقال نشر علي صفحات جريدة «السياسة» في 22 إبريل 1923، أي بعد ثلاثة أيام من إعلان الدستور أن الجزء الذي أضيف إلي المادة 15 «جزء مبهم، فليس من الهين تحديد ما يكون ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي، وما يكون النظام الاجتماعي غير معرض للتأثر به، وفي مقدور الحكومة المعتمدة علي أغلبية ذات شأن أن تغلو في تطبيق هذا الجزء إضرارا بصحف الأقلية اعتمادا علي أن الأكثرية التي تؤيدها لن تتخلي عنها لأنها أقفلت جريدة من الجرائد وفي هذا من المساس بأقدس الحقوق التي قررها الدستور ما فيه». ولفت «د. هيكل» النظر، إلي أن النص المضاف إلي المادة 15 الذي وضع في يد السلطة التنفيذية حق يشكل إضرارا بالحرية العامة بحجة وقاية النظام الاجتماعي، جعل نص المادة متضاربا مع نص المادة السابقة عليها من مواد الدستور، التي تنص علي أن «حرية الرأي مكفولة .. ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون» ، وهي - كما أضاف- مادة «تقدس حرية الرأي التقديس الواجب لها، تبيح لكل فرد أن يعلن رأيه بكل وسائل الإعلان .. ولا يجوز مصادرة هذا الرأي مادام في حدود القانون، ولا يجوز مؤاخذة صاحبه عليه إلا عن طريق تقديمه للقضاء». وكان ذلك نفسه ما علق به «د. هيكل» علي ذيل المادة 20 من الدستور، إذ رأي أن التدابير التي أجاز الدستور للسلطة التنفيذية اتخاذها ضد حرية الاجتماع لوقاية النظام الاجتماعي «قد تكون تدابير قمع تعتدي بها السلطة التنفيذية علي جميع الحريات التي قررها الدستور في شأن الاجتماع». وكان ذلك ما ذهب إليه «د. محمود عزمي» في مقال نشرته «الأهرام» في 23 إبريل 1923 إذ لم يعترض علي مبدأ تنظيم حرية الصحافة بالقانون، واعتبر النص علي ذلك «معقولا ومشروعا إذ ليس مستطاعا عقلا وشرعا، أن تطلق الحرية الصحفية من غير ما قيد، مادام هذا القيد هو قيد القانون العام، بنصوص مواد قانون العقوبات تطبقه المحاكم التي لا سلطان عليها غير ضمائر قضائها» وأشار إلي أن «عهد التحكم الفردي السابق علي صدور الدستور أراد أن يكون هناك، إلي جانب قيود القانون العام، قيود إدارية تحكمية لا رقيب عليها ولا حسيب تمثلت في قانون المطبوعات عام 1882 وتعديلاته، التي اعطت الإدارة حق إنذار الصحف ووقفها وإلغائها وأن ذلك هو ما دفع لجنة الدستور في الصياغة الأصلية للمادة - لكي تضمنها عبارة تحظر الرقابة علي الصحف أو وقفها أو تعطيلها بقرار إداري «حظرا تاما غير معلق علي شرط» فجاء ذيل المادة - الذي اضافته اللجنة التشريعية الاستشارية - يهدر ذلك كله ويبيح للإدارة ما كانت تتمتع به في العهد الاستبدادي «إذا كان ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي». وذهب «د. عزمي» إلي أن «هذا الاستثناء يبطل مفعول الحرية الصحفية تماما ويخضع الصحافة المصرية في العهد الدستوري إلي ما كانت خاضعة له في عهد التحكم الفردي تماما». وفي التدليل علي إمكانية ذلك، قال إن قانون المطبوعات الصادر عام 1881 ينص علي أن لوزير الداخلية ولمجلس الوزراء أن ينذر الصحف ويقفلها ويلغيها إذ حكم الوزير أو المجلس - من غير رقيب أو حسيب - أن الصحف نشرت ما يمكن أن يمس «النظام العام» بينما الدستور يقول إن ذلك ممكن «وقاية للنظام الاجتماعي» وكما أن أحدا لم يكن أمس يستطيع أن يعِّين لك أين يبتدي، النظام العام وأين ينتهي .. فإن أحدا لا يستطيع اليوم أن يحدد لك النظام الاجتماعي». وفي تعليقه علي ما ورد في المذكرة المرفقة بالدستور بأن الهدف هو وقاية النظام الاجتماعي بالحيلولة دون دخول مبادئ المذاهب الضارة بالأفراد والجماعات، كمذاهب الاشتراكية والبلشفية مثلا.. تساءل «د.عزمي» من يضمن لنا هذا التفسير الذي لا يفهم سواه كل عقل مستنير؟ ومن يضمن لنا استمرار هذا التفسير.. من يضمن لنا إذا ما ألقت الظروف بوزارة رجعية علي منصات الحكم أن تعتبر مجرد الشرح العلمي لرأي واحد من فلاسفة الغرب تهديدا للنظام الاجتماعي يقدم الوزير علي وقف الصحيفة التي نشرته أو إغلاقها إغلاقا؟». وكان ذلك هو النقد الذي وجهه كذلك إلي الذيل الذي أضيف للمادة 20 من الدستور، الخاصة بحرية الاجتماع، فقد سلم بالجزء الأول من النص، الذي ميز بين الاجتماع في دور خاصة والاجتماعات العامة فأطلق حرية الأولي معلقا هذه الحرية علي عدم حمل المجتمعين سلاحا، وقيّد حرية الثانية بأحكام القانون، ورأي أن ذلك طبيعي، طالما أن هذا التقييد مضمون بالقانون العام الذي تطبقه المحاكم المستقلة.. وأبدي تخوفه من أن تعليق حرية الاجتماعات الخاصة علي شرط عدم حمل السلاح «قد يفتح الباب لاتخاذ اجراءات غير عادية من جانب البوليس بدعوي رغبته في التأكد من أن المجتمعين لا يحملون سلاحا». وجزم بأن ذلك واقع لا محالة في ظل الذيل الذي أضيف إلي نص المادة، وقضي بأن حرية الاجتماع «لا تقيد أو تمنع أي تدبير يتخذ لوقاية النظام الاجتماعي» إذ معني ذلك، أنه ليس هناك شيء يحول دون اتخاذ السلطة الإدارية «أي» تدبير بدعو وقاية ذلك النظام الذي لا يستطيع أحد أن يحدد أوله من آخره. وأضاف «د. محمود عزمي» يقول: «إن تطبيق هذا الاستثناء يعطي البوليس الحق في أن «يخرجك من دارك أو دار صاحبك ويفصلك عن إخوانك في الشارع أو في الأندية، بل ويفتشك علي باب الجامعة المصرية، لأنه يريد أن يتخذ تدبيرا ما يقي به ما يحسبه نظاما اجتماعيا». ونبه إلي أن عبارة «لا يقيد ولا يمنع أي تدبير» تفيد بأن اتخاذ التدبير الذي تشير إليه لا يستلزم قانونا يقره البرلمان. وانتهي إلي أن الذيل الذي أدخل علي المادة 15 «يعرِّض الصحافة بعد الدستور، إلي نفس المخاطر التي كانت معرضة لها في عهد التحكم الفردي الاستبدادي» وأن الإضافة التي لحقت المادة 20 منه «تعرِّض حرية الاجتماع لنفس المخاطر التي كانت تتعرض لها في ظل الاحكام العرفية البريطانية نفسها». وإلي هذا الرأي نفسه في المادتين ذهب «أمين الرافعي» في مقال - نشرته «جريدة الأخبار» التي كان يرأس تحريرها في 23 إبريل 1923 إلي «أن الحكومة قد احتفظت لنفسها بالذيل الذي أقحمته علي المادة 15 من الدستور بسلاح خطر تستخدمه عند الاقتضاء للتخلص من الصحافة التي تعارضها وأن هذه الإضافة «تهدم» ما تضمنته من مبدأ حرية الصحافة وتجعل هذه الحرية لغوا محضا لأن محاسبة الصحف بالطريق الإداري إنما هو قضاء علي الصحافة وحريتها ولا سيما إذا استخدم في هذا السبيل نص مبهم غامض مرن لا حدود له ولا قيود». ورفض «أمين الرافعي» المبرر الذي استندت إليه المذكرة التفسيرية الملحقة بالدستور لإضافة هذا الذيل إلي المادة، مشيرا إلي أن النشاط البلشفي ملحوظ في كل الدول الأوروبية، لكن حكوماتها الدستورية لم تدخل في دساتيرها ذلك الاستثناء أو فكرت في تعطيل الصحف أو وقفها بالطريق الإداري ومع أن فيها صحفا، تقف أعمدتها لنشر الفكرة الشيوعية، إلا أن الإدارة لا تجرؤ علي التدخل في شئونها، بل يعهد بأمرها إلي القضاء وحده .. فهو الذي يفصل في جميع جرائم الصحافة». وانتهي إلي أن «التواري خلف خطر الدعوة البلشفية لإبقاء سيف الطريق الإداري مهددا للصحف بالموت وللحرية بالفناء، إنما هي وسيلة يستحيل الدفاع عنها، فالقضاء هو الهيئة الوحيدة التي يحق لها أن تحاسب الصحف علي ما تنشر.. والقانون العام هو وحده الذي يرجع إليه لمعرفة الجرائم المعاقب عليها». وقال «أمين الرافعي» - في مقال نشرته «الأخبار» في 24 إبريل 1923 «إن الوزارة التي أصدرت الدستور لم تكتف بالقضاء علي حرية الصحافة - بالذيل الذي اضافته إلي المادة 15- بل أرادت أن تقضي علي حرية الاجتماع أيضا حتي تتخلص من أكبر مظاهر الحرية الشخصية في البلاد، لأن حرية الصحافة وحرية الاجتماع، هما الدعامة الكبري التي يرتكز عليها النظام الدستوري ، ولذلك فإن الدساتير الديمقراطية اتفقت علي النص عليهما وعلي ضماناتهما حتي تمنع السلطة التنفيذية من مصادرتهما .. وأضاف أن النص الأصلي للمادة - كما وضعته لجنة الدستور - كان يقضي بأن الاجتماعات العامة تنظم بقانون أي بإرادة السلطة التشريعية، ومادام نواب الأمة هم الذين يضعون هذه القواعد فلا خوف علي حرية الاجتماع من أية مصادرة ولا من أي افتئات، لكن التشويه الذي أدخلته الحكومة علي المادة « يهدم حرية الاجتماع شر هدم.. إذ أصبحت السلطة التنفيذية بمقتضاه في حل من عدم احترام حرية الاجتماع» فهي «غير ممنوعة من اتخاذ أي تدبير أو تقييد تحت ستار وقاية النظام الاجتماعي» الذي هو «كل شيء .. ويمكن التواري خلف وقايته لاستباحة كل مفكر والإقدام علي كل إجراء استبدادي ولَكْم أفواه كل المعارضين».

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.