يبدو أن المعارضة سمة أساسية من سمات الشعب المصري. لا يمكن ان يتفق الناس علي أمر واحد.. كان الشعب المصري والزعماء السياسيون ينادون بالاستقلال واصدار دستور للبلاد اثناء ثورة 19 وما بعدها.. وعندما تحققت لهم هذه الارادة بدأ تشكيل لجنة قومية للاعداد للدستور.. رفض حزب الوفد والحزب الوطني الاشتراك فيها.. وكانت الحجة التي استندا عليها للرفض هي أن الدستور يجب ان يكون من عمل جمعية وطنية.. فاذا لم يصدر عنها فان في وسع ولي الأمر "الملك" ان يسترده في أي يوم من الأيام ورد عبدالخالق باشا ثروت.. انه مهما يكن من طريقة وضع الدستور واصداره بأن استرداده بعد ذلك محال إذ ان مجرد صدوره يصبح حقا مكتسبا للأمة.. ونفذت الحكومة ما قررته وشكلت لجنة من خيرة أبناء شعب مصر.. حيث ضمت فقهاء في القانون والفكر والرأي ومن سياسين وأعيان.. مسلمين وأقباط وخرج دستور من أروع الدساتير حيث تم وضع مواده علي احدث المباديء العصرية وبعد أيام اتمت اللجنة مشروع قانون الانتخاب ليرفق بالدستور الذي عرف بدستور 23 ولكن الملك فؤاد اعترض علي بعض مواده لانه سلبه حقوقا كثيرة.. كما اعترضت السلطات البريطانية علي لقب "ملك مصر والسودان" ورأت ضرورة حذف السودان من الدستور وظل هذا الدستور بدون اصدار حتي تم اعتماده في 19 ابريل 1923 بعد ان تم حذف النص الخاص بالسودان وظل الملك غير راض عن هذا الدستور إلي ان جاء إلي الحكم اسماعيل صدقي باشا وأصدر دستورا جديدا لبي فيه كل رغبات الملك وعرف باسم دستور 1930 ولكن العمل به لم يستمر سوي ثلاث سنوات.. عادت البلاد بعدها إلي دستور ..23 وفي ثورة 23 يوليو سقط دستور 23 بعد قيام الثورة.. ورغم ان قادة الثورة أكدوا علي سرعة اصدار دستور جديد إلا انه لم يصدر إلا في 18 يناير .1956 بعد هذه المقدمة أقول.. الآن يجب ان تتفق الأمة علي رأي واحد.. فاذا كان هناك اختلاف في الرأي يجب ان يكون محدودا ولا يهدد المجتمع بأي انقسام. صحيح ان اصدار الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية يبعد اي شبهة عن احتواء الدستور علي مواد غير مطلوبة لأن الذين سيقومون باعداده نخبة مختارة من أهل الفقه والرأي والقانون والفن ومن مختلف الاتجاهات والاحزاب مسلمين وأقباطاً رجالاً ونساء بحيث يقدمون دستورا لا يقل روعة عن دستور ..23 ثم يعرض في مناقشات مستفيضة علي الشعب من خلال الصحف وأجهزة الاعلام المختلفة ثم يتم الاستفتاء عليه ويصدره ولي الأمر.. أي المجلس العسكري.. هذا جائز.. ولكن ماذا نقول في استفتاء جري في جو حر نزيه لأول مرة في تاريخ مصر.. وأقبل عليه الشعب إقبالا منقطع النظير ووافق الناس علي اجراء الانتخابات أولا.. ثم بعد ذلك اصدار الدستور!! بصراحة نحن في مأزق.. الاستفتاء يقرر الانتخابات أولاً: وجهات أخري كثيرة تري ان اعداد الدستور يجب ان يتم أولا.. وبالتالي هل هناك من يخرجنا من هذا المأذق؟! يقول مجموعة من الخبراء في القانون انهم يطالبون باعلان دستوري بتشكيل جمعية تأسيسية قبل انتخابات البرلمان ويشبهون ذلك بأنه عندما تبني بيتا.. بأننا نبدأ أولا بوضع الاساس والقواعد.. ثم يأتي البناء بعد ذلك.. وهو تشبيه منطقي.. إلا ان البعض يري ضرورة الالتزام بنتائج الاستفتاء أي الانتخابات قبل الدستور. ولكن هناك أموراً أخري لابد ايضا وان تكون في الاعتبار لو جعلنا الانتخابات قبل الدستور.. وجاءت اللجنة المشكلة لوضعه ورأت اجراء تعديلات ايا كانت سواء في عضوية المجلس أو الدور الذي يقوم به أو مدة المجلس وغير ذلك.. كيف سيكون التصرف وايضا لو تم انتخاب اعضاء مجلس الشوري.. وقررت اللجنة إلغاء هذا المجلس اكتفاء بمجلس الشعب.. كيف سيكون التصرف؟! واذا تم انتخاب رئيس الجمهورية قبل صدور الدستور من الذي يضمن ان يأتي الدستور علي مزاج الرئيس الجديد خصوصا بعد ان ذاق طعم السلطة.. وبالتأكيد سيكون له آراء معينة.. من الذي يضمن ألا يضع اللجنة في جيبه أو تنصاع لتعليماته فيخرج دستور تفصيل.