في العالمي للتمريض، الصحة: زيادة بدل مخاطر المهن الطبية    قبول دفعة جديدة في معاهد معاوني الأمن 2024، تعرف على شروط التقديم    أسعار الدواجن اليوم الأحد، سعر كيلو الفراخ البيضاء يواصل الارتفاع في الأسواق    الرعاية الصحية: 3 سنوات مدة تنفيذ مشروع الرعاية المتمركزة حول المريض مع جايكا    البيئة: تخصيص 7 مليارات جنيه لحماية المناطق الساحلية من آثار تغير المناخ    مطلب ملح من الاتحاد الأوروبي لإسرائيل بشأن رفح الفلسطينية    محاضرة فنية أخيرة من جوميز للاعبي الزمالك    تعليم الغربية: انتظام امتحانات النقل للفصل الدراسي الثاني    الآثار تنظم سلاسل فعاليات ومعارض مؤقتة بالمتاحف احتفالا بهذه المناسبة    إيرادات السبت.. "شقو" الثاني و"فاصل من اللحظات اللذيذة" في المركز الثالث    الدفاع المدني الفلسطيني: معظم المستشفيات في غزة والشمال خرجت عن الخدمة    مصدر رفيع المستوى: لا صحة لما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية بشأن التنسيق مع مصر في معبر رفح    الجزائر: الشعب الفلسطيني يواجه أشرس عدوان عرفته الإنسانية    رئيس تحرير الجمهورية: بناء الأئمة والواعظات علميًا وخلقيًا ومظهرًا وأداءً من بناء الدول    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    أرسنال يسعى لتأمين حظوظه للتتويج بالبريميرليج.. ومانشستر يونايتد يبحث عن المشاركات الأوروبية    قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة.. تفاصيل    قبل انطلاق الامتحانات.. رابط الحصول علي أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في أبشواي    السيطرة على حريق سيارة ملاكي أمام محطة وقود بأسوان    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    نائب يطالب وزارة الشباب بالتوسع في إنشاء مراكز التنمية الشبابية    وزارة الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية قصفت منطقة "بيلغورود" الروسية بصواريخ متعددة الأنواع    مبعوثة أمريكية تأسف لسقوط عدد كبير من الضحايا جراء الفيضانات في أفغانستان    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان تسلم دليل تنفيذ الهوية البصرية    لاتفاقهم على تحديد الأسعار.. «حماية المنافسة» يحرك دعوى جنائية ضد 7 سماسرة في سوق الدواجن    مجلس الشيوخ ينعى النائب عبدالخالق عياد.. ويعلن خلو مقعده    شمال سيناء: لا شكاوى في امتحانات صفوف النقل اليوم    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    المشدد 5 سنوات لعاملين بتهمة إصابة شخص بطلق ناري بشبرا الخيمة    ضبط 53 مخالفة تموينية متنوعة في 4 مراكز بالمنيا    بني سويف: إزالة 575 حالة تعد على أملاك الدولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة 22 لإزالة التعديات    مجلس الشيوخ يبدأ مناقشة خطط الحكومة للتوسع في مراكز الشباب    «ضد المشروع».. ليفاندوفسكي يثير أزمة داخل برشلونة    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    بالمجان.. متاحف مصر تحتفل باليوم العالمي وتفتح أبوابها للزائرين    مصلحة الضرائب: نستهدف 16 مليار جنيه من المهن غير التجارية في العام المالي الجديد    «الصحة»: ملف التمريض يشهد تطورًا كبيرًا في تحسين الجوانب المادية والمعنوية والعلمية    وزيرة التخطيط: 10.6 مليار دولار استثماراتنا مع صندوق مصر السيادي خلال السنوات الماضية    مواعيد القطارات من القاهرة إلى الإسكندرية واسعار التذاكر اليوم الأحد 12/5/2024    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    انتحار ربة منزل في غرفة نومها بسوهاج.. وأسرتها تكشف السبب    الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    السيسي: أهل البيت عندما بحثوا عن أمان ومكان للاستقرار كانت وجهتهم مصر (فيديو)    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    «القاهرة الإخبارية»: القيادة المركزية الأمريكية تسقط 3 مسيرات جنوب البحر الأحمر    أخبار مصر: رد إسلام بحيري على محمد حسان وعلاء مبارك، نجاة فتاة بأعجوبة من حريق بالأميرية، قصة موقع يطارد مصرية بسبب غزة    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشارع المغربي يردد " الشعب يريد إسقاط التسلط " بدون المطالبة بإسقاط النظام
نشر في القاهرة يوم 12 - 04 - 2011

بدأت الحكومة المغربية فعليا في تحويل قرارات الإصلاح التي أعلنها العاهل المغربي في 9 مارس الماضي، إلي خطة يجري الشروع في تنفيذها، فيما وصفه الملك ببدء " ورشة إصلاح دستورية " في المغرب، حيث أقرت الحكومة مشروع قانون لمكافحة الفساد لإحالته إلي البرلمان لاحقا، كما أقر مجلس الوزراء عددا من مشاريع القوانين والمراسيم المتعلقة بتطبيع الحياة العامة والتحول إلي الحكم الرشيد. وكان الملك محمد السادس قد أعلن خطة مفصلة للإصلاح السياسي في شهر مارس الماضي تضمنت إقرار فصل السلطات، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية وإصلاح القضاء. يذكر أن المغرب شهدت خلال الأشهر الماضية مظاهرات واحتجاجات شعبية للمطالبة بتوسيع مساحة الحريات، واحترام حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والإصلاح الدستوري، ومكافحة الفساد، وضمان العيش الكريم لكل مواطن، ورحيل عدد من مستشاري الملك. وجاءت هذه الاحتجاجات الشعبية استجابة لمطالب ونداءات عدد من الحركات والتنظيمات الحزبية منها: حركة 20 فبراير، وحركة كفاية، والجمعية الوطنية لحملة الشهادات العاطلين بالمغرب، وتحالف اليسار الديمقراطي، والحركة الأمازيجية، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وجماعة العدل والإحسان، وغيرها من الهيئات الحقوقية المغربية، وجاء العنوان الرئيسي للمطالب الشعبية ليركز علي حل البرلمان، والحكومة، وتطهير القضاء، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. علي صعيد آخر، كانت هناك انتفاضات أخري منعزلة، حملت طابعا قبليا في سفرو والناظور والحسيمة وتنغير وبن سمسم وجرادة، للمطالبة بحقوقهم في الحصول علي خدمات ضرورية يفتقرون إليها في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، حيث تشعر هذه المناطق بإهمال السلطات لها. وكانت مؤسسة الحكم في المغرب قد حاولت مؤخرا استرضاء المواطنين فقامت بضخ أكثر من مليار يورو في الأسواق والاقتصاد لمواجهة ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية، بالإضافة إلي اجراءات أخري لمراعاة أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل، وإعادة عدد من العمال المسرحيين إلي أعمالهم، وتلبية مطالب بعض الأساتذة وتعزيز مركز المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لتوسيع صلاحياته وتحويله إلي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بهدف دعم " دولة القانون". أزمة مجتمعية جاءت الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها شوارع المغرب، ولاتزال، نتيجة أزمة مجتمعية علي مستويات عديدة، وذلك علي غرار أزمات عربية مماثلة في الدول العربية، اندلعت علي اثرها نماذج من الثورات، كل منها يعكس طبيعة المجتمع المعبر عنها، فالثورات العربية تقوم، ولكن لكل منها مساره المميز. وفي النموذج المغربي، تبرز عناوين خاصة للأزمة المجتمعية مؤداها: حالة من الاستبداد السياسي، المغلف بالطابع الديني في قمة السلطة، ودرجة فجة من عدم المساواة الاجتماعية والسياسية، إلي جانب مشاكل البطالة، والفقر، وندرة فرص العمل، وتداعيات هذه المشكلات حتي قال كاتب فرنسي عن الحالة المغربية "إن كل شيء في المغرب يدعو إلي الشكوي". وحتي يمكن التعرف علي المجتمع المغربي عن قرب، يمكن البدء بأهم سمات هذا المجتمع علي الصعيد السكاني. فالمغرب هي رابع البلدان العربية من حيث عدد السكان بعد مصر والسودان والجزائر. وحسب إحصاء 2004، يصل عدد سكان المغرب إلي 30 مليون نسمة، من بينهم أكثر من 50 ألف من الأجانب، أغلبهم من الفرنسيين والاسبان يستقرون في طنجة. ومعظم المغاربة مسلمون سنة، وهناك أقليات يعرفون باسم "الحراطين والغناوة". وكان عدد اليهود في المغرب حوالي 265 ألفا في 1948، ولكنهم حاليا حوالي 5 آلاف فقط بسبب الهجرة إلي إسرائيل وأوروبا (0.2 % من السكان). وتقدر نسبة الزيادة في المغرب بنحو 2.6% وهي نسبة آخذة في الانخفاض، ويتوزع السكان حسب وسط الإقامة إلي 13.5مليون نسمة في المحيط الحضري (بنسبة 51 %)، و5، 12 مليون نسمة في الوسط القروي (بنسبة 48 % )، وهناك 700 ألف مغربي في فرنسا وتجمعات أخري في اسبانيا وهولندا وبلجيكا وكندا. وتمثل المسألة الأمازيجية إحدي المشكلات السكانية، فمازالت هناك أحزاب وجمعيات مغربية مختلفة حول وضع اللغة الأمازيجية التي يدعو البعض للاعتراف بها كلغة رسمية. ويطالب رموز الأمازيج بالمساواة، كونهم يشكلون نصف المغاربة، ويدفعون الضرائب. وتفيد احصاءات 2004 أن 8.4 مليون مغربي يستعملون إحدي اللغات البربرية الثلاث، ويطعن الأمازيج في صحة ذلك. وقد أدرجت اللغة الأمازيجية ضمن المنهج التعليمي في المدارس المغربية في 2004، وكان قد تشكل في 2003 المعهد الملكي للثقافة. ويطالب الأمازيج بجعل اللغة الأمازيجية لغة رسمية، شأن اللغة العربية، وليس فقط لغة وطنية. أما عن مستوي التنمية البشرية في المغرب، فقد تراجع ترتيبها حسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية إلي الرقم 130 من أصل 177 دولة ( 2009 ) وصنفت المغرب ضمن البلدان المتوسطة بمؤشر أقل من المتوسط العالمي، وفقا لمتوسط العمر، ومستوي التعليم، ومستوي الدخل الفردي، واسلوب توزيع الثروة. وهناك مؤشرات تثير القلق فيما يتعلق بصحة الطفل والأم، مما ينعكس سلبا علي التنمية البشرية، ولايتم التعامل بصورة جيدة فيما يتعلق بالأمراض المنتشرة في المناطق الفقيرة، إلي جانب نقص نوعية وكفاءة الخدمات الطبية، وتراجع مستوي المؤسسات العلاجية. وهناك جهود بذلت بالفعل لمكافحة الفقر، وقلصت نسبته غير أنه يبقي عند 15 % ( 2007 ). وبالنظر إلي مستوي النمو الديمغرافي، فإن العدد الكلي للفقراء يصل إلي 5 ملايين، ثلاثة أرباعهم في القري. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت في المغرب حركة نشطة علي المستوي الشعبي لمكافحة تداعيات ظاهرة الفقر، وتمثلت في تنظيمات عمت أنحاء البلاد " لمكافحة غلاء الأسعار "، وأخري لمعالجة تداعي الخدمات العامة. وقد أحصي من هذه التنظيمات مابين 60 80 منظمة أو حركة، ومنها من تقوم المرأة المغربية بالدور الأعظم فيها، ومنهن مناضلات وناشطات في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وتقوم هذه التنظيمات بدور مهم في بلد لايتخطي فيه مستوي الأجر بالكاد 2000 درهم شهريا (200 يورو)، الأمر الذي يجعل من مهمة توفير مستوي معيشي كريم للأسرة، مهمة في غاية الصعوبة. وفي محاولة لنزع فتيل التوتر الاجتماعي، بدأت الحكومة المغربية في منح مزايا جديدة لعمال القطاع العام بقيمة 5.4 مليار دولار، كما تجري محادثات بشأن زيادة الأجور، وإصلاح نظام التقاعد، وتحمل مصروفات الدراسة لأبناء العمال، ورد جزء من ضريبة الدخل. غير أن مصادر حكومية تؤكد أن مطالب العمال ربما لن تجد أذنا صاغية من الحكومة، حيث تحتاج مطالب العمال لنحو ثلاثة أعوام لتحقيقها. أمراض الطبقة السياسية هناك دوائر تعتبر أن المملكة المغربية تسير علي طريق التحول الديمقراطي بالفعل، غير أن مصادر مطلعة تؤكد استبعاد هذا التحول طالما أن المؤسسة الملكية تحيط بها طبقة كثيفة من " المنتفعين " والفاسدين إلي حد الجشع، والذين يفرضون سلطاتهم ونفوذهم علي قطاعات الأعمال، والصناعة، والشركات، والتجارة، وقطاع العقارات، والقطاع المصرفي. ذلك، أن هناك العديد من الأسماء الكبري التي تحتكر قطاع العقارات مثلا، منهم منير مجيدي رجل الأعمال والسكرتير الخاص للملك، وفؤد عالي الهمة الصديق المقرب للملك والموصوف بالرجل القوي في النظام المغربي، وهو ما يجعل أعمال هذا القطاع دوما محاطة بالغموض. ومنذ أسابيع، نشر موقع ويكيليكس معلومات حول ما أطلق عليه " طمع القصر الملكي في القطاع العقاري " الأمر الذي أثار ضجة مدوية. ويقول الكاتب " إينياس دال " في لوموند الفرنسية إن الملك المغربي هو من أكبر ملاك الأراضي في البلاد، ويمتلك علي الأقل 12 ألف هكتار من الأراضي المروية بشكل جيد. وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد أقرمنذ 30 سنة بصورة مؤقتة إعفاء ضريبيا يستفيد منه المزارعون، ولكنه مدد حتي عام 2014 ليستفيد منه الكبار. ويبدو أن الطمع في القطاع العقاري تحديدا هي سمة في غالبية النظم العربية (تلك التي توجد بها عائلة مالكة حاكمة ومتمكنة + وتلك التي نُكبت برئيس يجلس مدي الحياة) فهناك دوما " سلطة " فوق كل شيء، فوق الدولة والقانون والنظام، وتتمكن هذه السلطة من الاستحواذ الكامل علي مصادر الثروة. فالأنظمة السلطوية العربية، انطلقت في عمليات عقارية واسعة النطاق، دمرت الخط الفاصل بين المصالح العامة والمصالح الخاصة، وتم تصنيف أراض ذات منفعة عامة ليتم بيعها لمقاولين بأبخس الأثمان، " وتركت المراكز التاريخية للمدن لمصيرها، حتي يستحوذ مستثمرون عليها " بعد أن سحرهم الشرق " فتفجرت أسعار العقارات لتضاهي بمعدلاتها طوكيو وباريس ولندن " علي حد مافصله الكاتب سمير العيطة، رئيس تحرير لوموند في نسختها العربية. وبالنسبة للمغرب، ينقل " إينياس دال " عن مجلة FORBES الأمريكية أن ثروة الملك محمد السادس زادت بخمسة أضعاف بين عامي 2000 2009 لتتخطي 2.5مليار دولار مشيرا إلي ما أسماه " النزعة التجارية للملك " ويحصل المحيطون بالملك علي الأراضي بأسعار منخفضة، ويعيدون بيعها بأسعار السوق، ليحققوا أرباحا فلكية. كما أن السلوك العام لهذه الطبقة من المنتفعين يعيق إلي حد كبير تحقيق نتائج إيجابية في العديد من قطاعات العمل. ومنذ أيام أقرت الحكومة المغربية، بإيعاذ من الملك،مشروع قانون يقضي بمكافحة الفساد، وأقر مشاريع قوانين أخري توفر الحماية للشهود والمخبرين في جرائم الاختلاس واستغلال النفوذ، وتبذير الأموال العامة. ويتساءل ناشط مغربي : هل حقا سيتم محاسبة المسئولين المفسدين، وإبعادهم عن دوائر ومراكز اتخاذ القرار ؟ المشروع الإصلاحي تمثل الإصلاحات التي أعلنها العاهل المغربي في 9 مارس الماضي نموذجا لتحويل النظام الملكي إلي نظام دستوري ديمقراطي يقبل بالمشاركة الشعبية في عملية صناعة القرار، فالمشروع الملكي الإصلاحي تناول فصل السلطات، وإصلاح القضاء، ومراجعة الدستور. وبالفعل، تم تشكيل لجنة برئاسة مستشار الملك محمد المعتصم بموازاة لجنة أخري عينها الملك بهدف وضع آلية للتنسيق والتشاور مع جميع القوي السياسية المغربية لبلورة مراجعة دستورية ديمقراطية عميقة، وفقا لنموذج مغربي يقوم علي " التشاركية والتشاورية "، وتلقي المقترحات من الأحزاب والنقابات في إطار "عملية الإصلاح الدستوري". علي صعيد القوي السياسية، فقد اعُتبرت هذه الإجراءات شكلية، ولاترقي إلي مستويات الإصلاح المطلوب، وقاطع حزب الاتحاد الاشتراكي والنهج الديمقراطي اجتماعات اللجان، مطالبين بمجلس تأسيسي منتخب لإعداد الدستور الجديد، وليس لجاناً يعينها الملك، لاتحترم المواصفات العالمية للدساتير الديمقراطية، ولاتستجيب لتطلعات الشعب المغربي بقيادة الحركة الشعبية الثورية ( حركة 20 فبراير)، لأن المؤسسة الملكية أصلا لاتستوعب دروس اللحظة التاريخية التي تشهدها المنطقة العربية، ومنها المغرب، كما يري نشطاء المغرب. ولخص ناشط سياسي مغربي الموقف الراهن فيما يتعلق بالمشروع الإصلاحي بقوله " إن المغرب الآن في أمس الحاجة إلي بدء نقاش سياسي موسع، عبر حوار وطني شامل يؤدي إلي إنتاج دستور ديمقراطي علي قاعدة النظام الملكي البرلماني، تكون فيه السيادة للشعب، ويجري وفقا له الفصل بين " التجارة والقداسة " من جهة، وممارسة السلطة من جهة أخري، ويرتبط فيه القرار السياسي بصناديق الاقتراع. في الوقت نفسه، فإن المطالبات الشعبية رفعت شعارات للمطالبة " بمغرب جديد " ورددت التظاهرات " الشعب يريد إسقاط التسلط " بدون المطالبة بإسقاط النظام، وفسرت دوائر تنظيم الاحتجاجات الشعبية هذه المطالب بأنه من طموحات الشعب المغربي تحويل نظام الحكم في المغرب من "ملكية تنفيذية " إلي "ملكية برلمانية "، وإقرار الفصل بين السلطات دستوريا. وبحسب حركة 20 فبراير، فإن الحركة الشعبية المغربية لديها تصورات واضحة ومكتملة حول تفصيلات الإصلاحات السياسية المطلوبة، ومن ذلك المطالبة بإلغاء الفصل 19 من الدستور، والذي يوصف بأنه دستور داخل الدستور، حيث يشير إلي أن " شخص الملك مقدس ". وفي صلب المطالبات الشعبية يأتي حل الحكومة والبرلمان، وإقرار العدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإبعاد الشخصيات البغيضة والفاسدة المحيطة بالملك من مناصبها، ومحاكمة الفاسدين، ورفض الجمع بين الثروة والسلطة. وفي بيان
منفصل، طالب 166 من الشخصيات العامة والمفكرين بإصلاحات سياسية محددة، عبر بيان أطلق عليه " بيان التغيير الذي نريد " وجاء فيه : المطالبة بالكف عن اصطناع الأحزاب، ووقف الاعتداءات علي وسائل الإعلام، وإقرارسياسات في المجالين السياسي والاقتصادي توفر الكرامة والتعليم والصحة للمغربيين، وإلغاء ما أسموه " المراسم والطقوس المخزنية المهينة والحاطة بالكرامة "، وأن يكون للبرلمان المغربي الحق في صلاحيات التشريع وآليات الرقابة الفعلية علي الحكومة والمجال العام. مستقبل النظام الملكي علي حسب الدستور، فنظام الحكم في المغرب هو نظام ملكي دستوري ديمقراطي اجتماعي، ويتمتع الملك بسلطات واسعة، ويتكون البرلمان المغربي من مجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين. وينتخب أعضاء مجلس النواب بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، وتنتهي عضويتهم عند افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة التي تلي انتخاب المجلس. ويتألف هذا المجلس من 325 عضوا. أما مجلس المستشارين فيتألف من 270 عضوا ينتخبون لمدة تسع سنوات، ينتخب ثلاثة أخماسهم في كل جهة من جهات المملكة هيئة تتألف من ممثلي الجماعات المحلية، وينتخب خمساه الباقيان هيئات تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية وهيئة ناخبة تتألف من ممثلي المأجورين. والنظام المغربي متعدد الأحزاب، وهناك أحزاب معارضة، ويقف رئيس الوزراء ( الوزير الأول ) علي رأس الحكومة، وينص الدستور علي استقلالية القضاء بمواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية. ويمنح الدستور الملك المغربي سلطات واسعة، فهو يستطيع أن يحل الحكومة وينشر الجيش، وهو " أمير المؤمنين " والممثل الأسّمي للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمي الدين والساهر علي احترام الدستور، وله صيانة حقوق حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، وهو الضامن لاستقلال البلاد، وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. ويترأس الملك مجلس الوزراء، وهو من يعين رئيس الوزراء بعد إجراء الانتخابات التشريعية، وبناء علي طلب الأخير يقوم بتعيين أعضاء الحكومة. وعلي الرغم من أن الدستور يمنح الملك الحق في أن يعفي الوزراء من مهامهم وحل مجلس البرلمان أو أحدهما بعد استشارة رئيس كل منهما ورئيس المجلس الدستوري وتوجيه خطاب للأمة، فإن ذلك لم يحصل إلا مرة واحدة في سنة 1965. وتتمحور المطالب الشعبية بالنسبة لسلطات الملك في التحول إلي نظام يسود فيه الملك، ولا يحكم، وتكون فيه السيادة للأمة، ومصدر السلطات هو الشعب، وإلغاء كل مايمس سيادة الشعب في الدستور، بما في ذلك اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأن تكون الحكومة " مؤسسة دستورية " خالية من ما يسمي بوزارات السيادة (بالمعني الذي يجعلها بعيدة عن الوضوح والمساءلة)، وأن تكون الحكومة مسئولة عن وضع السياسة العامة للدولة، داخليا وخارجيا في إطار البرنامج الذي وقع التعاقد عليه مع الناخبين، والذي علي أساسه تحاسب في الانتخابات اللاحقة، عملا بقاعدة " من يحكم يجب أن يحاسب "، وأن توكل إلي الحكومة سلطة تعيين وعزل ومراقبة الموظفين الساميين، بمن فيهم رجال السلطة ومديرو المؤسسات العمومية وشبه العمومية. ومن المعروف أن الملك في المغرب له مكانة خاصة وعالية (كزعيم روحي، وأمير المؤمنين) في الوجدان الشعبي العام. ويتمتع الملك محمد السادس تحديدا بصورة إيجابية عند الشعب المغربي، وهو يقوم بزيارات واسعة، ويتحدث مع الناس ببساطة جعلته قريبا منهم بدرجة ما. غير أنه في السنوات الأخيرة، ونتيجة للمشكلات والأزمات المعيشية، وممارسات المحيطين بالملك من المستغلين والمتربحين بنفوذهم، اهتزت صورة الملك، وتبدد ما يحيط بها من غموض، وكانت هناك آمال كبيرة في أن يقوم محمد السادس بإصلاحات سياسية واجتماعية، لم تتحقق. وعندما أعلن الملك عن حزمة الإصلاحات السياسية والدستورية ( بضغط قوي من الشارع ) فإن كثيرين علقوا بأنه حتي هذه الإصلاحات لن تغير من " الطبيعة الاستبدادية " لنظام الحكم في المغرب، والذي هو أساسا نظام حكم فردي، هذا، بالرغم من أن عدة أحزاب وقوي سياسية احتفلت بقوة بهذه الإصلاحات، بدعوي أنها بمثابة " ثورة إصلاحية " في نظام الحكم المغربي. أما علي مستوي الحركات الشعبية، والقيادات المنظمة لصياغة مطالب الاحتجاجات في الشارع، فإنها لم تقتنع بهذه الإصلاحات المقترحة، لأنها لم تطالب بمجرد تعديلات دستورية، ولكنها تصر علي دستور ديمقراطي جديد، يؤسس لنظام حكم مختلف في المغرب، ويفصل بين السلطتين السياسية والدينية، وهذا ما لم يرد في مشروع الملك الإصلاحي. والحقيقة أنه بعد إعلان العاهل المغربي عن الإصلاحات السياسية في المغرب، وتبين سقف الإصلاحات الشعبية عالي المستوي، والنقاش الموسع في هذا الصدد في المجال العام، فقد علقت عليه عدة دوائر رسمية وشعبية في النظم الملكية العربية الأخري، واعتبرته بمثابة " تغييرات جذرية " في السمات العامة للنظم الملكية العربية الأخري، والتي لا تسمح في الغالب بمثل هذه الإصلاحات الواسعة، ولاحتي تسمح بالنقاش حولها. وعلق ناشط سياسي سعودي بأن سقف الإصلاحات السياسية في المغرب يعلو كثيرا، ولا وجه للمقارنة بين مايجري في مملكة المغرب، وما هومسموح به في النظام الملكي السعودي مثلا ، والذي تنخفض فيه جدا درجة الاستعداد للتغيير. ويؤكد الناشط السعودي أنه علي النظام السعودي والعائلة المالكة، والنظم الملكية الأخري في الدول العربية، أن تستجيب للمطالب الشعبية، وطموحات وآمال الانتفاضات الشعبية التي تتطلع للحريات والحقوق الديمقراطية الحقيقية ، وعلي نطاق واسع، وإلا سيكون عليها " الرحيل ".

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.