اتصل بي ابني مصطفي الطالب في السنة الرابعة بكلية الطب جامعة المنصورة في ظهيرة يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 ليسألني أين أنا؟، فقلت له إنني مازلت في عملي فاستشاط غضبا وراح يوبخني كأنني ابن أهمل واجباته أو ارتكب حماقة وراح يتهمني ومعي طبعا بقية جيلي بأننا متخاذلون وأننا سنترك الشباب الذين خرجوا للدفاع عنا وعن كرامتنا فريسة لأمن الدولة وجحافل الأمن المركزي التي ستسحلهم في شوارع مدينة المنصورة، فرحت أهدئ من روعه ووعدته بأن أترك عملي وألحق به، علي الرغم من عنفه معي الذي تجاوز حدود الأدب فلم أكن أجرؤ علي مجرد الاحتداد أمام والدي الذي تذكرت عقب مكالمة مصطفي كيف ركب دراجته النارية وقطع مسافة 90 كيلو مترا من قريتنا إلي مدينة الزقازيق في برد يناير القارص، في تلك الآونة كنت طالبا مغتربا في مدينة الزقازيق ونما إلي علمه عن طريق زملاء الدراسة الخبثاء أنني أذهب إلي اجتماعات الناصريين والشيوعيين كان ذلك في 19 يناير سنة 1977 حين زارني أبي في سكني المشترك مع الطلاب المغتربين وراح يعنفني أمامهم مهددا بقطع المصروف إذا اشتركت في المظاهرات أو تحدثت في السياسة، كان استدعائي لصورة الوالد الحازمة وتذكري لفرائسي المرتعدة خوفا من أن يقرر فجأة استعمال يده التي كانت متميزة جدا وكفيلة بأن تجعلني أشعر أن جانب وجهي الذي وقع في مرمي الصفعة ليس سوي كتلة لحم ملتهبة تزن أضعاف الجانب الآخر، كم تمنيت أن أفعلها بمصطفي فقط لكي أمارس فعل الأبوة التقليدية، ولكن شيطان التمرد- الذي عبر عن سعادته بولد ثوري خرج من صلبي ليتجاوزني إلي آفاق أرحب كثيرا مما كنت أحلم به- غلبني، إذ كغيري من الآباء اليساريين المهزومين سياسيا كنت اعتقد أن هذا الجيل الجديد لا يصلح سوي للجلوس أمام أجهزة الكمبيوتر فقط للتسلي ولإضاعة الوقت ابني الذي صار أبي أسرعت إلي المكان الذي انتظرني فيه ابني وبمجرد أن ركب قال " اسرع.. علينا أن نجد المظاهرة لننضم إليها ؟" فسألته ولمَ لم تنضم إليها منذ البداية ؟ فقال ربما تحولت إلي مسيرة أو ربما أجبرهم الأمن علي مغادرة ميدان " مشعل"، كان الإرهاق قد أجهز علي إذ إنني أعمل في إحدي المدارس الخاصة ولا أكف عن الصعود إلي الأدوار العليا لمتابعة المدرسين الذين أشرف عليهم وهذا بالإضافة لكوني أعاني انزلاقا غضروفيا وضيقا خلقيا في الفقرات العنقية، استجمعت شجاعتي وقلت له فلنذهب إلي البيت لنتابع الفضائيات ربما نعرف أين هم بالضبط لأننا لا نستطيع أن نبحث عنهم في كل المدينة، بل ربما تكون المظاهرة قد ألغيت من الأساس فوافق بشرط أن نعود للبحث عنهم إذ لا يصح من وجهة نظره تركهم بمفردهم لأن ذلك خيانة، أدهشني استخدامه للغة العنيفة الدامغة التي كنت استخدمها قبل عشرين عاما وأدهشني أكثر أن مصطفي لم يكن يعرف أحدا من قادة المظاهرة فكيف يتهمني بخيانة من لا أعرفهم بل ولا يعرفهم هو واحتاج الأمر للتأمل لبضع دقائق لكي أدرك أن وعي ابني الذي لم أشعر في أي وقت باهتمامه بالسياسة أعمق بكثير من وعي أبيه اليساري الذي لم يستطع أن يواجه اتهام رئيس حزبه لهؤلاء الشباب الجريء بأنهم مجانين، كنت اعتقد أن تلك المظاهرة التي يبحث عنها مصطفي لن يتجاوز عددها العشرين علي أقصي تقدير كغيرها من المظاهرات التي كنا نذهب إليها متحمسين ونعود منها محبطين، ولا سيما أنني عرفت أن الإخوان المسلمين لن يشاركوا في تلك المظاهرة ومن ثم سيكون الحشد ضعيفا إذ يتمتع قادة الإخوان بقدرة تنظيمية هائلة علي حشد المئات من الشباب المطيع لكل التوجيهات دون أدني تململ أو تفكير، وبالفعل استطعت إقناعه بالعودة إلي البيت لكي يصيب شيئا من الطعام فقد يجد نفسه بعد ذلك محبوسا في معسكر الأمن المركزي فتكون وجبة أمه سندا له في فترة الحجز التي قد تمتد لليلة بأكملها، لم أكن طبعا أنوي الذهاب معه بحكم الإحباط الذي أصابني من جانب وبحكم الانزلاق الغضروفي اللعين فقلت له: "فلتذهب وحدك إذن يا مصطفي فأنا لا أستطيع بعد عناء يوم عمل صعب كهذا أن أذهب إلي من لا أعرف عنهم شيئا "، وبالفعل تركني ابني وهو يقول غاضبا" لن أصدق أشعارك التي تدعي الثورية بعد الآن"، كان الألم الناجم عن انزلاق فقرات العنق قد اشتد واشتدت معه الرغبة في النوم علي ظهري كما أفعل كل يوم استعدادا لرحلة الكفاح المرتبطة بالعمل الإضافي الذي أقوم به من الخامسة حتي العاشرة لكي يتمكن مصطفي طالب الطب من الحصول علي ما يريد، أليس ذلك العمل الإضافي هو ما أتاح له أن يجلس إلي "الفيس بوك" ويفكر في الثورة علي الأوضاع التي نعيشها، لا أخفي طبعا أنني فرحت أنه سيتركني ويذهب وحده رغم قناعتي بشجاعته وتخاذلي، ورغم قناعتي أيضا بأن هذا الجيل لم يكن ليتمكن من انجاز تلك الثورة العظيمة لولا جيش الأباء الذين ضحوا بأحلامهم وفرص تحققها الخاصة لكي يوفروا لأبنائهم رفاهية لم يحصلوا هم علي أدني قدر منها حين كانوا في مثل أعمارهم وكانت تلك التضحية إما بالغربة في دول الخليج أو بامتهان مهنتين وربما أكثر لكي لا يشعر الأبناء المتمردين علي تخلف النظام السياسي وتخلف الآباء بما شعر به جيلنا من معاناة. حين خرج مصطفي مغاضبا جرت أمه وراءه وأمسكت به علي السلم ونظرت في عينيه وهي في حيرة من أمرها إذ كان يتصارع بداخلها أمران، الأول خوفها علي ابنها الوحيد والثاني كراهيتها الشديدة للنظام، لم يستغرق التناقض طويلا إذ سرعان ما حسمته قائلة " فلتذهب إلي المظاهرة كما تحب يا ولدي ولو تبقي لك عمر فحتما ستعود إلىّ" . عصر البلطجة حكي لنا مصطفي بعد ذلك كيف كانت قوات الأمن المركزي تطارد الناس من شارع لشارع، بعد أن فرقت قوات الشرطة بالهراوات والعصي الكهربائية المتظاهرين الذين بلغ عددهم خمسة آلاف في ذلك الثلاثاء الموافق 25 يناير سنة2011، وذهبت أنا بتحليلاتي الخاطئة إلي أن الأمر قد انتهي عند ذلك الحد لكن الأخبار القادمة من القاهرة والاسكندرية والسويس كانت تؤكد عكس ما ذهبت إليه إذ كانت هناك متغيرات جديدة لم تكن عقليتي التقليدية قادرة علي استيعابها فجيلنا كان يضرب في المظاهرات فينسحب علي الأقل لبضعة شهور وربما سنوات (باستثناء حركة كفاية طبعا) قبل أن يعاود الكرة ولكن هذا الجيل كان يحمل وعدا مختلفا وعزيمة مدهشة . ففي صباح الأربعاء 26 يناير وجدت ابني يستعد للمظاهرة وكأنه ذاهب إلي معركة حقيقية لا ليطالب النظام بالحرية والخبز والكرامة الإنسانية كما كانت شعارات اليوم الأول ولكن ليتحدي ذلك النظام كعدو بل ويهزمه، فقد استعد مصطفي بزجاجات الخل و"الكوكاكولا" لعلاج الالتهابات الناجمة عن استخدام الغاز المسيل للدموع والمدهش أنه أخبرني أنهم تلقوا تلك النصائح عبر "الفيس بوك" من أصدقائهم في تونس الذين سبقوهم بثورتهم ضد نظام زين العابدين بن علي. بدت المنصورة في ذلك اليوم كثكنة عسكرية وانتشر المخبرون كالجراد عند كل ناصية ،وكانت المعركة الكبري عند بوابة الجامعة من ناحية شارع الجلاء وكان أن تلقي الطلاب الضرب العنيف وتم سحل بعضهم علي الأسفلت وعند القرية الأوليمبية عرف" مصطفي" لأول مرة ماذا تعني عبارة" بوليس في زي مدني" إذ شاهد جنودا يرتدون الزي المدني و يندسون بين المتظاهرين ليضربونهم ويعتقلونهم بمعاونة "البلطجية " وهي الفئة التي استطاع نظام حكم الرئيس مبارك أن يجعل منها أهم قوة حاسمة في المعارك السياسية فإذا كان عبدالناصر سيذكر في التاريخ بأنه الرجل الذي شهد عهده زيادة هائلة في أعداد العمال و إذا كان السادات سيذكر بأنه الرجل الذي ولدت في عهده طبقة الرأسماليين الطفيليين فإن الرئيس مبارك سيذكره التاريخ بأنه الرجل الذي ضاعف أعداد البلطجية مرات ومرات وجعل لهم وزنا غير مسبوق في حسم المعارك الاقتصادية والسياسية وفي ضبط إيقاع ديمقراطيته العجيبة لصالح استقرار القهر والاستبداد والفساد. أخبرني مصطفي أنه اتصل بعد ذلك بفتاة من النشطاء السياسيين فنصحته بالرجوع إلي المنزل لكثرة الاعتقالات وأخبرته أنهم يحضّرون لمظاهرة حاشدة في يوم الجمعة 28 يناير 2011، كانت مباحث أمن الدولة تتابع تلك الاتصالات فتم قطع" الفيس بوك" في صباح يوم الخميس 27 يناير 2011 فاستخدم الشباب مايعرف ب"proxy للدخول" للفيس بوك" ومن ثم فشل الأمن وانتصر "شباب الفيس بوك" هذا الشباب الذي سيتسمي باسمه الحقيقي بعد11 فبراير 2011 فيصبح" شباب الثورة". الجمعة 28 فبراير وفي يوم الجمعة 28 يناير 2011 شهدت مدينة المنصورة يوما لم تشهده منذ يناير 1977 هذا من ناحية الأعداد الغفيرة للمتظاهرين من جميع الأعمار فقد اقترب العدد من 500 الف حسب بعض التقديرات، أما من ناحية القدرة التنظيمية والإبداع الثوري المدهش فربما لم تشهد المدينة في تاريخها يوما مثل ذلك اليوم ،كنا جميعا من مختلف الأجيال ومن القوي السياسية علي تنوع مشاربها قد قررنا المشاركة فيما تأكد أنها ثورة لن ترضخ ولن تلين وستنتصر لأن أخبار استشهاد الشباب القادمة من الإسكندرية والسويس والقاهرة كانت قد جعلت القعود في المنازل رفاهية لا يقدر عليها سوي الجبناء ومعدومي الحس والضمير، اتصلت بصديقي المهندس حمدي قناوي الذي شارك في كل وقفات ومظاهرات الاحتجاج في عهدي السادات ومبارك دون أي استثناء وعرفت منه أن نقطة البداية ستكون من أمام مسجد الشيخ حسنين حيث لعبت تلك المنطقة دورا كبيرا في أحداث يناير 1977 ركبت سيارتي ومعي مصطفي وقبل الميدان أوقفت السيارة في شارع جانبي وسرنا في اتجاه الميدان لنجد أنفسنا في وسط المعركة حيث تطارد العربات المدرعة الناس في الشوارع مع إطلاق كثيف لقنابل الغاز والرصاص المطاطي واستمرت المطاردات لمدة عشرين دقيقة بعدها. كما بدا استنفذت قوات البوليس قدرتها ووجدت نفسي وبجواري ابني نسير وسط موجات هادرة من البشر وهنا عرفت معني الجموع التي عشت عمري أحلم بها وعندما انتهينا من شارع بورسعيد وأمام "كوبري طلخا" وهو المعلم الأشهر في المدينة كانت تطالعنا صورة ضخمة للرئيس مبارك وابنه معا موضوعة علي هيكل حديدي عال تسد الأفق بضخامتها ولكن في لمح البصر وجدت الشباب يعتلون الهيكل الحديدي كأنهم أبطال في أفلام الخيال العلمي ويصعدون دون سلالم ليسقطوا الصورة تحت أقدام الجماهير التي كانت تهتف منتشية بسقوط الرمز ومتطلعة لسقوط النظام بأكمله، لا أستطيع أن أصف سعادتي فكم كنت أشعر بالغثيان من تلك الفجاجة في وضع صور الرئيس السابق عند كل مطلع وكل مزلقان وكل مبني حكومي، قطعت المظاهرة الضخمة شارع "البحر" والبحر هنا ليس سوي فرع النيل الذي يخترق المنصورة في رحلته إلي دمياط حيث يصب في " الأبيض المتوسط" وحين اقتربنا من مبني الحزب الوطني الذي اغتصبه الحزب من المكتبة التاريخية القديمة وجدت عشرات الشباب يعتلون المبني وكأنهم من قوات الصاعقة وتعجبت من أين كل تلك القوة والخفة وأقسم أنني إن سألني أحد بعد ذلك " هل يمكن للإنسان أن يصعد الأسطح العالية مشيا علي الحوائط المستقيمة فإن إجابتي ستكون "نعم" بل ويمكن للإنسان أن يطير! فقد شاهدت الشباب يسقطون اليافطة التي تحمل اسم الحزب الوطني من أعلي المبني في أقل من نصف دقيقة. سآخذ سكينا وأواجه البلطجية وعند مبني المحافظة كانت الجموع تتدفق من الأحياء والقري المجاورة من "كفر البدماص" "وٌقولنجيل" و"جديلة" وهناك رأيت أصدقاء لم أرهم منذ عشرات السنين ورأيت رموزا سياسية وعلمية كالدكتور محمد غنيم والمحامي محمد سرحان والأستاذ ابراهيم عطية وكتّاب وشعراء وفنانين كمصباح المهدي ومحمد عبد الوهاب السعيد ورضا البهات وإبراهيم جاد الله وعلي عبد العزيز ومجدي سرحان وتاهت العربات المدرعة في هدير الجموع ووجدت نظرات الضباط الذين يطلون من فتحات في أسقف تلك العربات وجدتها نظرات حائرة وبعد أن كان كل واحد منهم يوجه بندقيته إلي الناس رأيتهم يسلمونها لأطقم الجنود المختبئين داخل السيارات، ولسذاجتي ظننت أنهم سعداء بالورد وعلب العصائر التي يلقيها عليهم المتظاهرون. أقسم أحد الجنرالات أمامي أنهم لن يستخدموا العنف وتمني علي أن أتحدث مع المتظاهرين المحيطين بعربته المدرعة والرافضين أن يسمحوا للسائق بالتحرك بها وقد كدت أصدقه، ولكن فجأة وفي الساعة الرابعة تماما صدرت الأوامر بالضرب فانهالت علينا قنابل الغاز التي اكتشفنا بعد ذلك أنها فاقدة للصلاحية فهي تسبب ما يشبه الشلل التام في الرئتين وقد كدت أموت وكان مصطفي هوالذي يوجهني إلي استخدام الخل وقد وجدته يصرخ في المتظاهرين الذين ينسحبون إلي الشوارع الجانبية هربا من الرصاص المطاطي قنابل الغاز " عودوا إلي المظاهرة ووجدته يحمل أحجار الرصيف الضخمة ويقيم المتاريس مع غيره من الشباب بينما كانت خطواتي غير المنتظمة الناجمة عن الانزلاق الغضروفي تشي بأن جيلي ينبغي أن يسلم الراية لجيل مصطفي وأقرانه، استمر الكر والفر حتي تمكنوا من قهر قوات الأمن بالنفس الطويل وبالإصرار العجيب والعناد الجماهيري الذي لم أشهده من قبل، ولكن قبل ذلك حدث شيء مريب، إذ أثناء تراجعنا وسيطرة الأمن علي مدخل المحافظة وجدنا النيران تشتعل في الدور الثاني من المبني وفي عربة تقف أمام بوابته الرئيسية وأنا أجزم بأن الذي فعل ذلك ليس من المتظاهرين إذ لم يكن ثمة متظاهرين عند تلك الأماكن التي كانت قوات الشرطة تحتلها وأكد لي ذلك اشتعال النيران ببعض الأشجار بمبني مديرية الأمن القديم " قصر الشناوي بيه سابقا" فتأكد لي أن هناك من كانت مهمتهم فقط إشعال النيران وهم بكل تأكيد ليسوا من المتظاهرين. صارت المظاهرات بعد ذلك خبزنا اليومي في مدينة المنصورة وكنت قد تغيبت عن مظاهرة يوم الأربعاء الذي شهد "موقعة الجمل" في القاهرة والذي شهد في المنصورة هجوم البلطجية المأجورين الذين كانوا جزءا من منظومة الأمن في النظام السابق، في ذلك اليوم عاد مصطفي حانقا يكاد يبكيه ما شهده وكان يصرخ ويسب وسمعته يقول " هذه ليست بلدنا .. سآخذ سكينا وأنزل لكي أواجه البلطجية "، أيقنت أن المسألة بالنسبة لجيل ابني أصبحت قضية كرامة / قضية حياة أو موت، لم يعد هذا الجيل يخشي الموت وحين أصر مصطفي علي السفر للقاهرة لكي يشارك في جمعة 11 فبراير، حاولت أن أوضح له أن ماحدث في الأربعاء الدامي في كل مدن مصر سيتكرر في القاهرة بشكل أعنف كون النظام قد قرر الاستمرار في القمع فكان رده أن ذلك سبب أدعي للسفر إلي القاهرة إذ ليس من الشرف أن نتركهم يموتون وحدهم، طبعا كنت مخطئا إذ خرجنا في عصر الجمعة من ميدان التحرير لنجد أنفسنا وسط مظاهرة أخري تنطلق إلي القصر الجمهوري، وحينما عدنا للمنصورة وجدنا أن ميدان أم كلثوم ليس أقل حضورا في قلب الثورة المصرية من ميدان التحرير وأن الثورة المصرية لم يصنعها ميدان واحد بل ميادين كثيرة ممتدة باتساع مصر الغالية، أليس من العجيب أن أكتشف بعد موت أبي بعامين وبعد الشعور الممتد باليتم أن ابني مصطفي قد نضج بدرجة تجعلني أشعر كأنه أبي.