هذه اللوحة للفنان المصري المقيم في باريس لأكثر من ثلاثين عاما، ممدوح أنور الذي حضر إلي مصر خصيصا ولأيام معدودة ليرسم عدداً من اللوحات من وحي وداخل أجواء الثورة التي تنفس عبيرها في ميدان التحرير راسما لعدة اسكتشات من داخل المكان مستلهما منه حرارة أنفاس الثوار وحرارة الإرادة المصرية ونشوة النصر. اللوحة بعنوان «الخروج إلي الحرية» ورسمها الجمعة الماضية بعد وصوله بأربعة أيام وقبل سفره بثلاثة أخري. وهي ضمن حوالي عشرين لوحة تحمل مجموعتين، الأولي «وجوه الغضب» والثانية «مصر حرة».. ويعود الفنان اليوم الثلاثاء إلي باريس ليعرض نبض الثورة في معرض لم يعد له مكان حتي الآن لأن كل ما كان يشغله أن يحضر إلي مصر ويرسم ثورة شعب مصر الجديدة في عيونه وعلي فرشاته. اللوحة رسمها الفنان ممدوح أنور بأسلوبه التعبيري مستعينا بالرمز وداخل أجواء سحرية مصورا لعملية الانطلاق إلي الحرية من خلال شخصين في مقدمة اللوحة يسارعان في الخروج تجاه المشاهد. وقد تصدر الشخص الأول عرض اللوحة بالكامل لندرك أن هناك اتساعاً ورحابة هو مقبل عليها علي العكس من ضيق المساحة التي تركها في خلفية اللوحة.. وقد شخصت عيون الشخصية انبهارا بما هو قادم. ونري في الخلفية ما يشبه الطيور كما رسمها المصري القديم والتي تتشابه والبومة إلا أنه بالتدقيق نجد لهذه الطيور الثلاثة رءوساً آدمية.. وقد تأكد وجود الطير ذي الرأس البشري في «أور» في المقابر الملكية القديمة.. ويوحي مشهد الطيور ذات الرءوس الآدمية بما يوحي بأن العصفور هو رمز الروح، فربما قصد الفنان تمثل لأرواح شهداء شباب مصر الذين بدمائهم تحدد نجاح الثورة، فجعل للطير وجوهًا آدمية وقد زينت الأهلة أعلي رءوسهم تعبيرا عن مكانتهم الأرضية والروحية. وأيضا ربما استوحي الفنان بوجود الطيور الثلاثة رمز الإله حوريس الذي نراه في هذه الوضعية تماما دون الوجه البشري كنحت بارز في معبد إدفو من عصر البطالمة وهو يبدو علي شكل رأسي «باز» أو «نسر» والباز هو رمز حوريس الإله الوصي علي الفراعنة «وربما أحفادهم» وهو صاحب معبد في إدفو وهو أحد تمثيلات الشمس «في اللوحة هناك أهلة فوق رءوس الطير» ويرمز حوريس في حضارتنا القديمة إلي إعادة تولد شمس الصباح خارجه من الماء.. وهذا ما أراده الفنان بالتركيز علي فكرة الخروج.. الخروج من النفق المظلم.. الخروج للغرقي من الماء كخروج شمس الصباح.. وأيضا هذا الخروج هو خروج إلي الحرية. اللوحة تضم ثلاثة أبعاد تتناسب وفكرة التحولات التي تأتي بحركة التحولات التي تصحب الخروج، فالبعد الأول ندركه في المقدمة مباشرة متحركاً يتمثل في الشخصين الآخذين في الإسراع خروجا من اللوحة.. والبعد الثاني ندركه ساكناً مراقب أو حارساً في رمزي الطائر الفرعوني. والبعد الثالث في الخلفية الآخذ في الضيق أو الانغلاق لما بين الجدارين اللذين يغلقان علي بعد ثالث ماضي إلي التلاشي. هذه الدلالات الرمزية أراها مقصودة من الفنان، لأنه في لوحاته يهتم بالرمز والمفهوم أكثر من مجرد تقديم شكل جمالي، فمثلما يهتم الفنان بالمعاناة البشرية في لوحاته يهتم أيضا بإضفاء التقدير اللائق بالإنسان وأراه مهتما بمضمون مفهوم عالم النفس فرويد حول المفهوم الثوري للشخصية الإنسانية والتي نراها في لوحاته مجاهدة مع الحياة والقدر ورغم صمودها وصبرها فيظهرها بمظهر الساكن إلا أن تركيبتها الثورية لا مستكينة، فكثير من لوحاته خاصة في مرحلة الثمانينات تظهر تمرد الإنسان علي القيد والاستكانة.. وفي كل لوحاته يصل بين المشاهد و شخوصه من خلال إكسابهم حساً سيريالياً سحرياً يدفعنا دفعا للانضمام إليهم.