مما لا شك فيه أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر قد أثرت تأثيرا كبيرا في جهاز الشرطة من نواح عديدة فمن ناحية اختفي جهاز الشرطة في القاهرة الكبري والإسكندرية والسويس وبعض محافظات الصعيد ولم يعد هناك أمن في البلاد وسمعت استغاثات لمواطنين ومواطنات من أعمال نهب وسرقة وسطو واغتصاب وحدثت تعديات علي أعداد كثيرة من مقار الشرطة وتعرض مبني الوزارة الحصين لمحاولة اقتحام لولا تدخل قوات الجيش ومن ناحية أخري تعرضت سجون لهجوم كاسح من عائلات ومنظمات مما كشف عن هشاشة الحراسة وخطط التأمين . وهو الأمر الذي تسبب في حدوث كوارث أمنية قاسية وربما لم يكشف النقاب عن الجزء الأكبر من تلك الكوارث وبعضها سوف يضيع بسبب بعض العادات الاجتماعية . نزول علي استحياء بعد عشرة أيام من اندلاع تلك الأحداث وفي يوم 4 فبراير 2011 بدأ نزول رجال الشرطة علي استحياء، فنزل رجال المرور في الشارع وفتحت أقسام الشرطة ومديريات الأمن كما تعالت أصوات بعض ضباط الشرطة في أجهزة الإعلام تحاول نفي تهمة الجبن والتراجع عن أبناء الجهاز الشرفاء والواقع أن جهاز الشرطة تعرض بعد الثورة لنكسات عديدة نذكر منها : - انهيار جهاز الشرطة أمام موجات الجماهير في يناير 1977 في أعقاب موجات الغلاء التي أحدثها رجال المجموعة الاقتصادية الوزارية وحدثت أعمال تخريب لم يسبق لها مثيل ونزلت القوات المسلحة الي الشارع وأنقذت البلاد من كارثة محققة. - اقتحام مديرية أمن أسيوط في أعقاب اغتيال الرئيس السادات في عام 1981 وما استتبع ذلك من تعرض المواطنين للخطر وسقوط قتلي. - أحداث الأمن المركزي وتسرب أعداد غفيرة من جنود الأمن المركزي في شارع الهرم وانضمام أعداد غفيرة من المتشردين والغوغاء في الشوارع عام 1986ونزول القوات المسلحة إلي البلاد وفرض حظر تجوال. وأخيرا ما حدث في يناير 2011 وقد ألقت تلك الأحداث بظلالها علي جهاز الشرطة وفي الفترات الزمنية ما بين تلك الأحداث تحول جهاز الشرطة إلي جهاز للقمع وأصبحت صورته الذهنية لدي المواطنين سلبية وعلي الأخص المثقفين منهم وانعدمت الثقة تماما في الجهاز وأصبح أي حادث فردي يقع من ضابط أو فرد من أفراد هذا الجهاز تسلط عليه أضواء أجهزة الإعلام بصورة سلبية مما جعل قطاعا كبيرا من المواطنين ينظرون إلي جهاز الشرطة علي أنه جهاز قمعي فقط دون النظر إلي الجوانب الإيجابية التي تقوم بها الشرطة ومن وجهة نظرنا نري أن ذلك يرجع للأسباب الآتية : - طبيعة عمل جهاز الشرطة، فمن حيث تكوينه كهيئة مدنية نظامية جعلت تصرفات أفراده محكومة بطابع خاص جعلته أقرب الي الطابع العسكري وهو ما لا يتناسب مع مفردات التعامل اليومي مع مواطنين مدنيين وفضلا عن هذا ما ورثه الجهاز من ميراث عهود طويلة في ظل حكومات قمعية تعودت فيه تلك الحكومات علي استخدام هذا الجهاز لممارسة استبدادها. - معايير تقييم ضباط الجهاز وما يترتب عليها من كيفية اختيار القيادات بحسب الطاعة المطلقة وتنفيذ الأوامر والتعليمات دون تمحيص مما كان له تأثيره علي نظم الترقية والمكافآت وكيفية تسيير عمل الجهاز وقيام الجهاز بلفظ ذوي الفكر والرأي من أبنائه وفضلا عن ترقية من لا يستحق وظهور قيادات عاجزة عن اتخاذ قرارات مهمة وهو ما ظهر بوضوح في الأحداث الأخيرة عندما غادر الوزير مكتبه غادرت خلفه معظم القيادات - اختيار وزير داخلية من بين القيادات العليا للوزارة وهو ما أورث الجهاز تقاليد بالية تتمثل في تحكم المجموعة المصاحبة للوزير في الوزارة وحجب باقي القيادات التي يتوسم منها قوة الشخصية والنزاهة. - تحكم الوزير في كل ما يخص الجهاز ابتداء من تعيين الأفراد وترقية الضباط وصرف العلاوات والمكافآت حتي إنهاء الخدمة وفي الفترة الأخيرة كان الوزير يوقع قرارات إنهاء الخدمة بموجب كشوف تقدم من معاونيه ولكثرة تلك الأسماء فإن الوزير لا وقت لديه ليطلع بنفسه علي أسماء هؤلاء الذي ينهي خدمتهم بتوقيع واحد. - عدم وجود سياسة طويلة ثابتة وطويلة الأجل لدي الوزارة تسير عليها مما جعل كل وزير يأتي بسياسة جديدة ويلغي ما قبله بل وأحيانا ما يقوم الوزير الحالي بتسفيه أعمال الوزير الذي يسبقه ولا ينظر أبدا إلي الإيجابيات التي يمكن أن يكون الوزير السابق قد أوجدها كما أن القيادات الأولي والوسطي من ضباط الشرطة منهم رؤساء نقط الشرطة ومأموري المراكز والأقسام وبعض المواقع الشرطية ينفذون التعليمات الصادرة إليهم حرفيا. اقتراحات وللخروج من هذا الوضع فإننا نقترح : - أن يكون وزير الداخلية من رجال السياسة، كان آخر وزير مدني وسياسي تولي وزار ة الداخلية هو سليمان حافظ وكان تولاها من قبله عدد من السياسيين منهم احمد لطفي السيد وعلي ماهر ومحمود فهمي النقراشي وفؤاد سراج الدين وهم سياسيون ناجحون. - تعديل بعض أحكام قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1978 بحيث تسمح للمجلس الأعلي للشرطة بأن يتولي اختصاصاته المنصوص عليها في هذا القانون ودون العرض علي الوزير تماما كما في حالة المجلس الأعلي للهيئات القضائية كي يتحقق لرجال الشرطة حيدتهم ونزاهتهم وتشمل تلك الاختصاصات : الترقيات وحالات إنهاء الخدمة والإحالة الي الاحتياط للصالح العام وتشكيل مجالس تأديب الضباط وإجراء التنقلات - أن تتبع الإدارة العامة للتفتيش والرقابة للمجلس الأعلي للشرطة بعد تفعيل دوره كي يضع الضوابط اللازمة والحاكمة لرجال الشرطة ويقنن الأخطاء المسلكية والإدارية والانضباطية والعقوبات المقررة لها دون شطط أو تزيد. - وضع نظام عادل للمخصصات المالية لرجال الشرطة وضرورة المساواة بينهم من حيث المرتبات والمكافآت والحوافز حسب تدرج الرتب وإلغاء التمييز بين الضباط في المواقع المختلفة بحيث تضمن تلك المخصصات حياة كريمة للضباط والأفراد علي السواء ومن المعروف أنه في وزارة الداخلية لا تخضع المخصصات المالية التي تمنح للضباط لأي نظام أو ترتيب. وإنما تتفاوت من شخص الي شخص ومن وظيفة إلي وظيفة وقد لا يتساوي الضباط ممن يشغلون نفس الوظيفة والرتبة في الحوافز المالية. - إلغاء جميع إدارات الشرطة التي تعمل بعيدا عن مجال الأمن الجنائي بمفهومه الوظيفي مثل إدارات حرس الجامعات وشرطة النقل والمواصلات وشرطة البريد والمسطحات المائية وشرطة الكهرباء وغيرها من أجهزة الشرطة التي تعمل في جميع الوزارات وأن يعود هؤلاء الي العمل في مجال الأمن. - إعادة النظر في أسلوب الدراسة وجدوي سنوات الدراسة التي يقضيها الطالب في كلية الشرطة والاستعانة بخريجي الجامعات. - النظر في نظام أمناء الشرطة والمندوبين والعودة الي نظام فرد الشرطة المؤهل . - إلغاء المادة 60 من قانون هيئة الشرطة رقم 109لسنة 1971 بما يسمح للضباط السابقين بالتعبير عن آرائهم في أجهزة الإعلام وتقدير فترة زمنية مناسبة للإفراج عن وثائق الداخلية كما هو متبع في الدول الديمقراطية ومما لا شك فيه أن الفرصة مواتية لتفعيل إصلاحات جذرية في جهاز الشرطة وسوف تساهم تلك التعديلات في تحقيق أداء أفضل للجهاز.