في الظروف العادية، يمكن نعتبر أن الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية، لكن عندما يقع المجتمع كله في قبضة الفساد، وتتحول أرض مصر من شرقها لغربها الي ساحة قتال بين قوة باغية تهاجم بضراوة وتضرب بعنف أي صحاب رأي مخالف وقوة مسالمة خرجت مطالبة بحقها في التغيير، يبقي الاختلاف هنا جريمة، والسكوت أو الوقوف علي الحياد خيانة لهذا الوطن وأبنائه! وخلال اقل من اسبوعين تساقط عدد غير قليل من رموز السياسة، ورموز الفن ايضا!بعضهم كان "هارينا" ليل ونهار بنظريات وتنظيرات، ويضع نفسه علي أول طابور المثقفين الذين نهتم بسماع آرائهم، في قضايانا الفنية والسياسية ولامانع من الاقتصادية ايضا، فكان يبدو ان هؤلاء لديهم موفور من المعلومات والخبرات التي تتيح لهم الفتوي في كل الأمور العامة! ولابد انك لاحظت مثلي حالة الاختفاء المريب لنور الشريف!هذا الفنان الذي كان حريصا علي الظهور والإدلاء برأيه في معظم ماتمر به البلاد من احداث، أنا اعلم علم اليقين أنه يجلس في مكان ما يتابع الاحداث، من خلال القنوات الاخبارية المختلفة، وينتظر الوقت المناسب، ليخرج فيه علي الناس ليدلي بدلوه بعد أن يطمئن إلي أن الحكاية قد حسمت وأن إرادة الشعب قد انتصرت علي عناد الفريق الآخر، طبعا الواحد مدرك حجم الحرج الذي يقع فيه الفنان المصري، فهو معلق من رقبته بسوار حديدي تمسك الدولة بطرفيه! ويمكن لهذا لفنان أن تنقطع سبل رزقه ويختفي من علي كل الشاشات التليفزيونية والسينمائية بقرار شفهي من مسئول كبير، ولكن في نفس الوقت فإن الجماهير التي تمنح الفنان قيمته وشهرته وثرائه، لها عليه حق، أو كل الحق، لأن السلطان لا يصنع الفنان الا اذا كان بهلولا في قصره ، وهذا أمر آخر، أما نور الشريف الذي كان أحد ثلاثة نجوم بدأوا من سنوات السبعينات"عادل إمام- محمود عبد العزيز- نور الشريف"ودخلوا الي القرن العشرين بقوة وقدرة علي التأثير، فقد تبخر من الصورة في ظروف غامضة، ويبدو أنه ينتظر نهاية عصر مبارك حتي يخرج علينا بفيلم شجاع ينتقد فيه العصر البائد، كما فعلها مرات عديدة من قبل. -رغم ميوله الناصرية فقدم فيلم الكرنك الذي ينتقد بشدة وعنف زمن عبدالناصر، نازعا عن هذا العصر اي فضيلة أو إنجاز أهل القمة - بعد وفاة السادات قدم فيلم أهل القمة الذي ينتقد بشدة سياسة الانفتاح الاقتصادي وتسببها في خراب البلاد، رغم ان هذا الانفتاح تزايدت حدته بعد مقتله الي أن تحول الي بيع معلن للقطاع العام، ولكل ما تم إنجازه في العصور السابقة، ولكن نور الشريف ينتظر لحظة ما "لم تأت بعد" لينقض بالنقد علي "الثلاثين عاما السابقة" من عمر مصر. -قدم مسرحية بكالوريوس في حكم الشعوب تأليف علي سالم وهي كوميديا سياسية رمزية ساخرة، تنتقد نظام الحكم الشمولي ، وسرعان ما توقف عن عرضها بعد أن أدرك أنها يمكن ان تزعج أولي الامر، فيرفعون يدهم عن دعمه! الحقونا - كان صاحب الفيلم الأول الذي يتبني وجهة نظر أن صاحب الأمر والنهي في البلاد هو الرئيس حسني مبارك، ولا مكان ولا وجود ولا قيمة لبقية المؤسسات وذلك من خلال فيلم الحقونا الذي أخرجه علي عبدالخالق في عام 1985، ولعب نور شخصية سائق يتعرض لعملية نصب، عندما يقوم احد الاطباء بعمل جراحة له، وبعد ان يفيق منها يكتشف ضياع كليته، وزرعها في جسد أحد الاثرياء"عادل أدهم"، وبعد أن يفشل في إعادة حقة بالطرق القانونية، يقف أمام صورة مبارك ويقول بمسكنة وغلب ورجاء الحقني ياريس خدوا كليتي! ومن يومها أصبح كل صاحب حق، يتوجة بنداء مدفوع الأجر في الجرائد الحكومية، مستغيثا بمبارك من ظلم ألم به أو مصيبة وقعت علي رأسه من جراء تفشي الفساد خلال الثلاثين عاما الماضية، ولم نسمع ان أحدا من هؤلاء قد أسترد حقه، أو وصل صوته إلي الرئيس! سيرة ومسيرة -اعلن نور الشريف عن رغبته في تقديم فيلم سينمائي عن حياة مبارك باسم الضربة الجوية! طبعا كان يدرك وهو يعلن ذلك مرارا أن مفيش شركة إنتاج سينمائي أو تليفزيوني خاصة أو حكومية يمكن أن تتبني هذا المشروع، ولذلك قرر أن يقدمه في الاذاعة تحت اسم "سيرة ومسيرة" وطبعا ماحدش اهتم بمتابعته غير الرئيس وأسرته، وهو الأمر الذي اكسب نور الشريف حماية لدي كبار رجال الدولة، وجعله ضمن عدد قليل من النجوم المحظوظين والقريبين من الرئاسة! -اختفي نور الشريف من الصدام الاول بين الفنانين والرئيس حسني مبارك وذلك أثناء حالة الاعتصام التي قام بها بعض الفنانين"1988" اعتراضا علي قانون 93 الذي كان يتيح لنقيب السينمائيين الأسبق "سعد الدين وهبه" البقاء علي كرسي النقيب الي ماشاء الله!وكان اعتصام الفنانين في نقابتهم حدثاً شديد الأهمية وكانت الوفد الجريدة الوحيدة التي تابعت الحدث بكل تفاصيله "قبل انتشار الفضائيات والصحف الخاصة" وعاشت أيامًا مع أفراده الذين طوروا الاعتصام الي إضراب عن الطعام، وكانت بينهم الممثلة الراحلة تحية كاريوكا التي لم تغادر النقابة طوال الأزمة، وانضم اليها عشرات منهم الراحلة سعاد حسني، وشريهان ربنا يديها الصحة، ومحمد فاضل وفردوس عبدالحميد، وتوفيق صالح وحسام الدين مصطفي وعلي بدرخان وطبعا يوسف شاهين الذي قدم ملامح من أحداث النقابة في فيلم "إسكندرية كمان وكمان" كل النجوم والمخرجين والعاملين في السينما مع اختلاف انتماءاتهم السياسية والمذهبية حضروا وشاركوا في أحداث النقابة، إلا نور الشريف الذي لم يظهر مطلقا في هذه المعضلة التي كانت تخص جموع الفنانين، وحقهم بالمطالبة بتداول السلطة في نقابتهم، وقتها اضطر مبارك أن يرسل للمعتصمين نائبا عنه، ليسمع مطالبهم، ويدعوهم لفض الاعتصام، والعودة الي منازلهم"تماما كما يحدث الآن"!وأكد أن الرئيس سوف يسعي لتنفيذ مطالبهم فورا، وطبعا هذا لم يحدث، وانتهي الامر بفض الاعتصام بقوة الأمن بحجة أنه يسبب ارتباكاً لحركة السير في شارع عدلي الذي يقع أمامه المعبد اليهودي! رغم ان الاعتصام كان داخل اروقة النقابة وليس خارجها! وفي اول ظهور إعلامي "لمبارك" بعد أزمة الفنانين، قال ساخرا"دول ماكانوش مضربين عن الأكل ولا حاجة، دول كانوا بياكلوا تفاح وكافيار!!" ثلاثين سنة ياربي مااتغيرش فيهم منطق الاستهانة من الناس والتقليل من شأنهم؟ بس المرة دي بدل اتهام المتظاهرين بأكل التفاح، اكتفوا بأنهم يأكلون الكنتاكي! -ونعود الي نور الشريف ما أسكت الله له حسًا، ونقول له إن الرجولة تصرفات ومواقف، والوقوف علي الحياد والفرجة علي الناس وهي تتظاهر وتبيت في عز البرد في ميدان التحرير من أجل المطالبة بحقوقها الدستورية دون أن تشارك بكلمة او رأي أو حتي أمنيات طيبة ، سوف يؤخذ عليك، واعتقد أن الجمهور الذي وقف معك ودافع عن سمعتك له عليك حق ولا الحكاية إيه بالظبط؟؟؟