كأن الجميع قد اتفق علي ان ينشغلوا بعيدا عن القضية الفلسطينية، وبعيدا عن المأساة الفلسطينية. فالبعض مشغول بالعراق وما يجري فيه، والبعض الآخر ينشغل بتمزيق السودان في ظل هدوء عربي رسمي غريب، والبعض الثالث، وهم أكثرية، تتركز عيونهم علي تونس، لمتابعة بقية فصول الشتاء الجارف هناك، في محاولة لمعرفة من يحصد الثمار: الشعب أم الجيش أم الحرس القديم؟!. وحتي في اسرائيل اكتشفوا ان لديهم وقت فراغ وان الامريكيين وغيرهم يقولون لهم: لماذا لا تتفاوضون مع الفلسطينيين طالما انه ليس لديكم ما تفعلونه؟!"، فقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "من قال ان لدينا وقت فراغ؟ نحن ايضا مشغولون كالآخرين"، وهنا سارع وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الي إعلان خطوته الدراماتيكية بالانشقاق عن حزب العمل الذي كان يرأسه، وتأسيس حزب جديد باسم "الاستقلال"، قال انه سيكون "وسطيا صهيونيا ديمقراطيا علي خطي بن جوريون مؤسس اسرائيل"، في خطوة استباقية ومفاجئة قبل اجتماع للهيئات القيادية في حزب العمل، والتي كانت تهدد بالانسحاب من الحكومة في حال عدم احراز أي تقدم في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. وانهالت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية والمراقبين السياسيين في هجوم كاسح علي باراك، متهمينه بالخيانة والنذالة والوضاعة لقضائه علي حزب العمل، وتواطؤه مع نتنياهو من اجل مصلحته الشخصية. ودعت زعيمة المعارضة الاسرائيلية رئيسة حزب كاديما تسيبي ليفني إلي إجراء انتخابات مبكرة، وقالت في مؤتمر صحفي بالكنيست: "لم تعد هذه الحكومة تحظي بشرعية، ولا تستمر إلا عبر مناورات سياسية وضيعة"، واضافت "انه يوم حزين للسياسة الاسرائيلية". وتشير استطلاعات الرأي حاليا إلي ان حزب العمل سيحصل علي 5 أو 6 مقاعد فقط في حال اجراء انتخابات جديدة اليوم، مما يعني زوال حزب العمل عن الساحة السياسية بعد ان حكم اسرائيل دون انقطاع علي مدي 30 عاما. ونقلت مصادر اسرائيلية عن باراك قوله في اجتماع مغلق مع اعضاء حزبه الجديد إن الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز كان مشاركا في مؤامرة للاطاحة به، وان ذلك هو ما دفعه الي الانشقاق عن حزب العمل وتأسيس حزب جديد. وادعي باراك انه من أجل مصلحة الدولة وامنها لن يكشف أبعاد المؤامرة للجمهور الإسرائيلي، أو حتي الأطراف التي شاركت فيها مع بيريز، لانها امور لو ظهرت سوف تحدث زلزالا سياسيا مدمرا في اسرائيل. وذكرت بعض التقارير ان 4 مجموعات كانت تشارك في مؤامرة الاطاحة بباراك، وهي: أولا: المجموعة الأولي برئاسة شكهون بيريز، بمشاركة ضباط من الجيش الاسرائيلي ومعارضين لباراك شخصيا. ثانيا: المجموعة الثانية برئاسة حاييم رامون، رئيس مجلس كديما، واتهمه باراك بالوقوف خلف الحركات الجماهيرية التي عملت في الفترة الاخيرة علي تشويه صورة نتنياهو وليبرمان والحريدين والدينيين اليهود، من اجل اسقاط الحكومة. واتهمه باراك ايضا باستغلال علاقاته في الوسط الإعلامي من أجل بث أكاذيب موجهة ضده تستهدف النيل من صورته. ثالثا: اشار باراك الي عوفر عايني، سكرتير اتحاد نقابات العمال (الهستدروت)، كمن يرأس المجموعة الثالثة من المتآمرين ضده، وانه كان يخطط للاستيلاء علي حزب كديما. ووصف باراك رئيس كديما تسيبي ليفني بأنها "عامية وساذجة"، بسبب دعمها لاجراءات حاييم رامون، وتتعاون معه دون ان تدرك ان الهدف النهائي هو الاطاحة بها، وتوحيد كديما والعمل وتتويج "عوفر عايني" زعيما للحزب الجديد. رابعا: وتتكون المجموعة الاخيرة من 3 شخصيات محورية في حزب العمل، وهم: ينبامين بن اليعازر، الذي كان مشاركا في المباحثات السرية التي جرت بين عوفر عايني وحاييم رامون، ووعدهما بتمهيد الأرض في حزب العمل، استعدادا للخطوة القادمة، وكذلك اسحاق هيرتزوج وافيشاي برفرمان، وقال انهم كانوا علي استعداد للتعاون مع أي أحد من أجل الإطاحة به. واتهم المراقبون باراك بهدم حزب العمل من اجل مصلحته الشخصية في الاحتفاظ بوزارة الدفاع، بينما قال البعض الآخر ان الهدف من تشكيل الحكومة الجديدة هو الذهاب الي تنفيذ عمل عسكري اسرائيلي ضد البرنامج النووي الإيراني. وتحت عنوان "اضطربت الخريطة"، كتب روبيك روزنتال في صحيفة معاريف الإسرائيلية مقالا قال فيه ان الساحة السياسية الاسرائيلية لم يعد بها يمين ويسار، وان إسرائيل بات فيها نظام متعدد الأحزاب، لكنه واحد الفكرة، وباتت جميعها احزاب تنتمي الي "مركز اليمين"، وان اليسار التقليدي واليمين التقليدي بات يشغل 10% فقط من مقاعد الكنيست بعد ان كانت 80% ذات مرة. وتساءل قائلا: "كيف سيصوت الإسرائيليون في الانتخابات القادمة دون أن يكون لديهم زعيم واحد يبين طريقا واضحا وحزبا محددا؟. وكتب المحلل العسكري عاموس هارئيل في "هآرتس" أنه بعد أن أعلنت الإدرة الأمريكية عن فشل المحادثات التي أجرتها مع حكومة إسرائيل حول استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وبعد انسحاب حزب العمل من الحكومة، "تغيرت أجندة حكومة نتنياهو اليمينية الضيقة جدا". واضاف: "يوجد لدي نتنياهو وباراك أجندة جديدة وعلي رأسها معالجة أكثر عدوانية لإيران، وبعد الانفجار السياسي الصغير الذي نفذاه (بانفصال باراك عن حزب العمل) قد يأتي الانفجار الأكبر في السياق الإيراني". بينما كتب جدعون ليفي في صحيفة هآرتس الاسرائيلية، متهما باراك بالاحتيال والاضرار بسكان مدنيين عاجزين، والتواطؤ لتدمير اليسار الاسرائيلي. وقال: "لقد جعل دولة اسرائيل رسميا هي الدولة الوحيدة في الغرب، باستثناء الولاياتالمتحدة، بدون حزب عمال وبدون حزب اشتراكي ديمقراطي وبدون يسار". واكد ليفي ان باراك "اكثر ضررا من وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف افيجدور ليبرمان، واخطر من نتنياهو، وهو رجل فاسد ومفسد، وسخيف وأناني وطماع". في حين كتب بن درور يميني في مقال له بصحيفة معاريف الاسرائيلية ان باراك "شريك في كل قانون يجعل دولة اسرائيل أكثر حريدية (تطرفا)، وهو شريك في كل نزوة لزيادة ميزانيات معسكر المتهربين من الخدمة، وأيد كل مبادرة دهورت دولة إسرائيل". وقال المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، ألوف بن، في مقال بعنوان "حكومة مهاجمة ايران" إن "ايهود باراك يشارك بنيامين نتنياهو تصورا متشابها. فكلاهما يحب تدخين السيجار وقراءة السير الذاتية لونستون تشرتشل. وكلاهما يري اسرائيل رأس حربة للغرب في قلب العالم الإسلامي المعادي. وكلاهما لا يؤمن للعرب ويعتقد انه "لا شريك" في الجانب الفلسطيني. وكلاهما يري البرنامج النووي الإيراني خطرا كبيرا علي اسرائيل ويؤيد عملا عسكريا عليه". وتوقع بن أن يسعي رئيس الحكومة ووزير الدفاع معززين برئيس الاركان الجديد، يوآف جالنت، الذي يعد مؤيدا لموقفهما، الي احباط المشروع النووي الإيراني في الوقت الذي بقي من ولايتهما. وأضاف بن: سيصعب علي نتنياهو من دون باراك الي جانبه اتخاذ اجراءات هجومية في الجبهة الإيرانية. فليس لنتنياهو سجل عسكري يمنحه السلطة الأمنية العليا كما كان لارئيل شارون. ويستطيع باراك وحده مع رتبه وأوسمته وأسبقيته باعتباره رئيس حكومة سابقا، أن يمنحه هذه المظلة. من جانبه، قال آري شافيت في صحيفة هاآرتس، إن من المبرر أن يشعر مؤيدو حزب العمل أو اليسار الإسرائيلي عموماً بالخيانة، ما لم يبين باراك العكس سريعاً، فسيعتبر رجلاً 'انتهازياً لا ينفع لشيء' و'سيتذكره الجميع كزعيم حزب العمل الذي اختار سحق الحزب والتخلي عنه بدلا من قيادة سفينته إلي بر الأمان'. واكد شافيت أنه شخصياً يعتقد أن باراك "يتمتع بشخصية متقلبة ونظام قيم معين، وليس وفياً للناس ولا يفهم العملية الديمقراطية". وقال 82% في استطلاع أجراه معهد "داحاف" لصالح صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الدافع الرئيسي لخطوة باراك هو "رغبته في الاحتفاظ بكرسي وزير الدفاع"، فيما رأي 11% فقط أن باراك اختار "مصلحة الدولة". وقال 53% إن باراك تسبب في تفكيك حزب "العمل". وتوقع 66% أن تؤدي خطوة باراك إلي نهاية حياته السياسية. وقال 53% إن انسحاب باراك من "العمل" سيقضي علي الحزب، بينما رأي 28% أنه سيقوّي الحزب. وأكد الاستطلاع أنه لو جرت انتخابات عامة في إسرائيل اليوم لحاز حزب باراك الجديد علي مقعدين فقط في أحسن الأحوال، بينما يحصل "العمل" علي 8 مقاعد. ويحافظ "ليكود" تقريباً علي تمثيله البرلماني الحالي فيحصل علي 26 مقعداً (27 حالياً). كما يحصل حزب "كديما" المعارض علي عدد المقاعد ذاته (28 حالياً) وحزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف بزعامة وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان علي 14 مقعداً (15 حالياً) وحركة "شاس" الدينية الشرقية علي 10 مقاعد (11 حالياً). ورشح 20% من المستطلعين الوزير المستقيل اسحاق هرتسوج لزعامة الحزب، واختار 18% الزعيم السابق للحزب عمرام متسناع.