باراجواي تعلن دعمها الرسمي للدكتور خالد العناني في انتخابات اليونسكو 2025    قبل الإعلان عن الجدول الزمني.. المستندات المطلوبة للترشح في انتخابات مجلس النواب    «الإسكان» تعلن فتح باب التسجيل لحجز وحدات بديلة لأصحاب الإيجار القديم    وزير الكهرباء يبحث التعاون مع «مينج يانج» الصينية لتوطين صناعة توربينات الرياح    وزيرة التخطيط تبحث تطورات تنفيذ البرنامج القُطري مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية    تعرف على أسعار الذهب اليوم الجمعة 3-10-2025    الحاخام هنري حمرة.. أول مرشح يهودي سوري منذ 1967 يعلن الترشح لمجلس الشعب السوري    الأونروا: الفلسطينيون ينزحون بشكل متكرر في ظروف صعبة    صلاح على بعد خطوتين من إنجاز تاريخي بقميص ليفربول أمام تشيلسي    «الزراعة»: ضبط 270 طن لحوم غير صالحة خلال سبتمبر الماضي    مين ما يحبش ليلى علوي؟.. نجوم الفن يحتفون بمسيرة قطة السينما المصرية خلال تكريمها بالإسكندرية    على مسرح السامر.. الفرقة المصرية للموسيقى والغناء تحيي احتفالية قصور الثقافة بذكرى النصر    الثقافة تكشف تفاصيل 500 فعالية ثقافية وفنية في القاهرة والمحافظات احتفالًا بانتصارات أكتوبر    وزير الخارجية يشكر هايتي على دعم المرشح المصري خالد العناني لمدير عام اليونسكو    الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    إنقاذ حياة طفل مصاب بنزيف حاد في المخ بمستشفى الفيوم العام    "يونيسف": الحديث عن منطقة آمنة فى جنوب غزة "مهزلة"    السكة الحديد تسيّر الرحلة ال22 لعودة الأشقاء السودانيين طواعية إلى وطنهم    تحريات لكشف ملابسات تورط 3 أشخاص فى سرقة فرع شركة بكرداسة    بعد إغلاق الحكومة.. نواب جمهوريون يعارضون خطط ترمب لتسريح موظفين    ماريسكا: ليفربول الأفضل فى إنجلترا.. وكل فريق لديه نقاط ضعف    محافظ المنوفية: 87 مليون جنيه جملة مشروعات الخطة الاستثمارية ب تلا والشهداء    أحمد سليمان: جون إدوارد صاحب قرار رحيل فيريرا من الزمالك    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    موعد شهر رمضان 2026 .. تعرف على أول أيام الشهر الكريم    المتحدة للرياضة تشيد بنجاح بطولة العالم لكرة اليد وتشكر جميع الداعمين    رفع درجة الاستعداد القصوى بالمنوفية لمواجهة ارتفاع منسوب المياه بأراضي طرح النهر    عشان أجمل ابتسامة.. بسمتك دواء مجانى ب 8 فوائد اعرفها فى يومها العالمى    نائب بالشيوخ يشيد بمشروع مستقبل مصر ويؤكد دوره في توفير فرص العمل وتعزيز التنمية المستدامة    صلاح يشارك في الترويج لكرة كأس العالم 2026    محمد رمضان ينافس على جائزة Grammy Awards    لاورا ريستريبو: غزة كشفت سوءات القيم الغربية    البابا تواضروس يدشن كنيسة المغارة في دير "العذراء" بدرنكة    أسماء محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ضبط (4124) قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    القبض على المتهمين في مشاجرة «أبناء العمومة» بالمنيا    خاص| ميمي جمال تكشف تفاصيل شخصيتها في فيلم "فيها إيه يعني"    جامعة قناة السويس تواصل دعم الحرف اليدوية بمشاركتها في معرض تراثنا الدولي    مجلس الإدارة ينضم لاعتصام صحفيي الوفد    محمد صلاح على موعد مع التاريخ في قمة ليفربول وتشيلسي بالبريميرليج    الأونروا تنتصر قضائيا في أمريكا.. رفض دعوى عائلات الأسرى الإسرائيليين للمطالبة بتعويضات بمليار دولار    إجراءات وقائية تجنب طفلك عدوى القمل في المدارس    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    حكم البيع الإلكترونى بعد الأذان لصلاة الجمعة.. الإفتاء تجيب    تعرف على سعر بنزين 92 اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    اليوم العالمى للابتسامة.. 3 أبراج البسمة مش بتفارق وشهم أبرزهم الجوزاء    الداخلية تواصل ضرباتها ضد المخالفات بضبط 4124 قضية كهرباء و1429 بالمواصلات    ضبط شبكات تستغل ناديا صحيا وتطبيقات إلكترونية لممارسة أعمال منافية للآداب    «العمل» تحرر 6185 محضرًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 22 يومًا    استشاري تغذية علاجية: الأضرار المحتملة من اللبن تنحصر في حالتين فقط    «أوقاف الفيوم» تنظم 200 ندوة دعوية لتعليم الأطفال قيمة احترام الكبير    الصين تدعو لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا لمواجهة غزل المحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 3-10-2025 في محافظة قنا    إسرائيل تستهدف منظومة دفاعية لحزب الله في جنوب لبنان    الفيضان قادم.. والحكومة تناشد الأهالي بإخلاء هذه المناطق فورا    «كوكا حطه في جيبه».. أحمد بلال ينتقد بيزيرا بعد مباراة القمة (فيديو)    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث في مواجهة الطائفية
نشر في القاهرة يوم 11 - 01 - 2011

عندما توجهت ليلة عيد الميلاد إلي كنيسة السيدة العذراء بروض الفرج.. مقرراً أن أشارك صديقي الصدوق المهندس ماجد الراهب وابنه المهندس بولا وأصدقاءهما فرحة العيد، لم تكن المرة الأولي بالطبع التي نتشارك فيها أفراحنا، لكنها بالتأكيد كانت مختلفة. كان احتفال هذا العام ممزوجاً بقدر غير ضئيل من المرارة والأسي، وبحزن وألم ملأ قلوب كل المصريين بسبب جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية.
كانت المسافة طويلة نسبياً من حي الهرم حتي منطقة روض الفرج.. لهذا فضلت أن أستقل مترو الأنفاق تفادياً لأي اختناقات مرورية متوقعة هذه الليلة. ثم ما لبث أن جاءني صوت صديقي المهندس ماجد عبر الهاتف وأنا في الطريق تكسوه مسحة حرج واضحة.. وقال: لقد صدرت للتو تعليمات أمنية عليا بحظر دخول المسلمين للكنائس، ثم بادر بإعطاء الهاتف للضابط المسئول عن تأمين الكنيسة. لم أمهل الضابط - الذي كان أكثر حرجاً - في أن يسرد المبررات وراء هذا القرار وقاطعته بقولي: أنا أؤيد ذلك الحظر بشدة، بل وطالبت به كثيراً من الأصدقاء المسلمين.. وأكدت له أن الهدف من التواجد عند الكنائس هو المشاركة "المعنوية" لإخوتنا في فرحتهم. لهذا فلا داعي أبداً للإصرار علي الدخول تفادياً لأن يندس أحدهم وسط الحشود ويسبب كارثة أخري لا قدر الله، ويكفينا التواجد خارج الكنائس.. لهذا فأنا قادم في الطريق ولن أعود أدراجي.
عندما وصلت للمكان وجدت المهندس ماجد واقفاً خارج الكردون الأمني المحيط بالكنيسة يتجادل بإصرار مع رجال الأمن محاولاً إقناعهم بالسماح بدخول الصحفية "المحجبة" الأستاذة نوارة نجم، التي ذهبت محاولاتها في إقناعهم بتفتيشها والتأكد من هويتها هي الأخري سدي. ورغم أنه كان من الممكن أن أدلف بسهولة للكنيسة وادعاء أنني من روادها المسيحيين إلا أنني لم أفعل وآثرت أن أقضي طول فترة القداس مع الأستاذة نوارة نجم جالسين عند الميكانيكي المجاور للكنيسة.
وبينما كانت الأستاذة نوارة تقلب بضيق شديد في المواقع المختلفة علي النت في هاتفها، ومع تزايد حدة غيظها كلما قرأت علي النت دخول بعض المسلمين والمحجبات بل وإحدي المنتقبات للكنائس والمشاركة في القداس.. جذب انتباهي حوار لافت بين الميكانيكي صاحب الورشة الذي استضافنا للجلوس عنده وواحد من الشباب الذين يعملون عنده.
سمعت الشاب يقول: أريد أن أدخل الكنيسة.. هل سيسمحون لي بذلك؟ فأجابه الأسطي: هل معك بطاقة يا علي؟ قال: نعم.. ثم سأله الأسطي مندهشاً: ولماذا تريد أن تدخل؟ أجاب بدون تردد: عايز أشوف الكنيسة من جوه واعرف بيعملوا إيه!!! ثم مالبث أن تراجع عن الفكرة عندما شاهد إصرار الأمن علي منع أي مسلم من الدخول.
أكد لي هذا الحوار القصير صحة واحدة من قناعاتي التي أرددها كثيراً.. سواء مع طلابي في الجامعة، أو في الندوات العامة والنقاشات المفتوحة التي تدور حول الشأن القبطي عموماً وعن حالة الشحن والاحتقان الطائفي خصوصاً، والتي أصبحت سمة في المجتمع المصري لاتخطؤها عين. وهذه القناعة هي أن واحدة من أهم وسائل نزع فتيل الاحتقان يكمن في "معرفة الآخر" وإزالة الجهل به وبفكره وثقافته، وأن هذا "الجهل" هو السبب الرئيسي للكراهية والعداء لدي البعض.
رغم عمق الألم والمرارة الذين سببتهما جريمة الإسكندرية الأليمة، لكن واحدة من أهم إيجابياتها هو انطلاق ذلك الاهتمام غير المسبوق بثقافة الأقباط وعاداتهم واحتفالاتهم من قبل شركائهم في الوطن من المسلمين.. فجأة وعندما ذهب آلاف من المسلمين ليهنئوا إخوتهم من المسيحيين بعيد الميلاد أو ليعزونهم في شهداء الإسكندرية، اكتشفوا أنهم يدخلون الكنائس لأول مرة في حياتهم، وكانت دهشتهم أكبر عندما وجدها بعضهم -كما قالوا ذلك صراحة- تتميز بروحانيات وبصفاء وبجو نقي من الإيمان يعادل ما يجدونه عند دخولهم المساجد.
إن ما حدث مع الغالبية العظمي من المسلمين المصريين يتشابه لحد كبير -مع فارق طبيعة الحادثتين- مع الانفجار الجارف للاهتمام بالإسلام والثقافة الإسلامية لدي الأمريكيين والغربيين، والذي تلي أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فقد وجد المسلمون المصريون أنهم في الواقع يجهلون الكثير عمن يتغنون ليل نهار بأنهم جيرانهم وأحباؤهم.. فلا هم يعرفون شيئاً عن عاداتهم وتقاليدهم، ولا عن أعيادهم وأنواعها، ولا عن كنائسهم وصلواتهم.. ولا عن التاريخ والثقافة القبطية بشكل عام.. مجرد آراء مبهمة مغلوطة في الغالب.. تصور هذا الآخر في أحسن الأحوال علي أنه "كائن مريخي" عجيب.
فلا المناهج الدراسية تقدم شيئاً مفيداً لإزالة هذا اللبس في فهم التراث والثقافة القبطية، ولاوسائل الإعلام تتعامل معها إلا كمادة للمبارزة العقائدية وضحد الآخر وتفنيده، ولا المثقفون أو المتحزبون أو رجال الدين من الطرفين يبذلون جهداً حقيقياً نحو سد هذا الفراغ وإزالة هوة "الجهل بالآخر" ومحاولة فهم ثقافته والوعي بها.
إن اللحظة التاريخية التي نمر بها تستدعي أن نقتنص الفرصة السانحة في التقريب بين الطرفين، وتقديم كل من التراث القبطي والتراث الإسلامي لكل المصريين منزوعاً من غلالة الطائفية البغيضة التي تغلفهما.. والتأكيد علي مفهوم أن "التراث والآثار القبطية" لا تخص المسيحيين فقط بل والمسلمين أيضاً، وأن "التراث والثقافة الإسلامية" المصرية لا تخص مسلمي مصر فقط بل ومسيحييها أيضاً. فإذا كان "الدين لله.. فإن التراث للجميع".. وهو الوسيلة الأهم في فهم الآخر والتقريب بين شركاء الوطن من أجل مستقبل خال من الطائفية الكريهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.