يمتلك الإرهابيون أخطرسلاح واجهته البشرية منذ فجرتاريخها، ألا وهو الاعتقاد بأنهم يمتلكون الصواب المطلق، ومن منطلق هذا الاعتقاد يندفعون نحوالشرالمطلق الذي يهدد أي مجتمع. تحت هذا التأسيس الإرهابي وجّه تنظيم القاعدة (فرع العراق- المجاهدون في دولة العراق الإسلامية) إنذارًا إلي رئاسة الكنيسة المصرية، بحجة أنها تحتجز(مسلمات مستضعفات أسيرات في أرض مصرالمسلمة) والإفراج عنهن من (أديرة الكفروكنائس الشرك في مصر). تواكب مع إرسال الإنذارإلي مصرالقيام بشن غزوة مسلحة علي كنيسة عراقية. وكانت نتيجة الغزوة (المباركة) قتل 56إنسانًا وإصابة 37 أثناء تأديتهم شعائرالصلاة. يعتقد المجاهدون أنّ قتل المختلف مع معتقداتهم، هوالسبيل إلي دخول الجنة المفروشة بدماء الأبرياء، لذلك فإنهم (نظرًا لشدة إيمانهم) يلفون حول أجسامهم الأحزمة الناسفة، أي أنهم يفتحون صدورهم للموت مقابل حياة الأغيار(من الكفار) وإذا كان هؤلاء (المجاهدون) يتحرّكون وفق معتقداتهم أوتنفيذًا لمصادرتمويلهم، إيران بالتحديد والدورالتخريبي الذي تُخطط له داخل العراق (انظرالتفاصيل في كتاب الخطر الإيراني : وهم أم حقيقة- إعداد الشاعرالفلسطيني د. أحمد أبومطر- شركة الأمل للطباعة- عام 2010 أكثرمن صفحة) فإنّ ما استوقفني: 1- (الإنذار) المحمّل بالصفاقة والإجرام والتحدي لدولة عريقة مثل مصرولمشاعرأصحاب العقول الحرة والضمائرالحية من المصريين (مسلمين ومسيحيين) 2- رد فعل بعض (المصريين) من صحفيين وكتَّاب ونشطاء سياسيين الذين ظهروا في الفضائيات والأرضيات ليؤكدوا أنّ تنظيم القاعدة لايمكن أنْ يخترق السيادة المصرية وأنّ الإنذار مجرد تهديد لايحمل مقومات الفعل . يقولون هذا وكأنّ شعبنا المصري مجموعة من البلهاء وليست لهم ذاكرة، إذ أن تنظيم القاعدة اخترق أكثرمن دولة (من الصومال إلي اليمن إلي إسبانيا إلخ) وأنّ (المجاهدين) يتباهون بجرائمهم . وأعتقد أنّ التهوين من شأنهم يشكل خطورة علي الأمن القومي المصري، لأنّ خطاب التهوين يدعو إلي الاسترخاء بدلا من الاستنفار. وأنا أقصد بالاسترخاء (في المقام الأول) العقل المصري الذي قد يبتلع هذا الكلام ويصدّقه (خاصة أنه صادر عمن يصفهم الإعلام بالمتخصصين في شئون الإرهاب) ولأنّ الاسترخاء ضد الاستنفار، فعلينا أنْ نستعد لتلقي الضربة الأولي، ثم نُفكر- إن فكرنا- في الهجوم المضاد، ولكن بعد دفن جثث الضحايا وعلاج المصابين ورفع الأنقاض عن دورالعبادة . في عبرة التاريخ لذلك أري أنّ الاستنفارلايكون مهمة أجهزة الأمن وحدها، وإنما يجب أن يكون للتعليم والإعلام الدورالأساسي الذي ىُرسخ للحقيقة التي تؤمن بها الشعوب المتحضرة، وهي أنّ الاعتداء علي دورعبادة الأقلية الدينية لايختلف عن الاعتداء علي دورعبادة الأغلبية، وتتأسس هذه الفلسفة علي أنّ الاعتداء هو اعتداء علي السيادة الوطنية، لا فرق بين أقلية وأغلبية. وبالطبع فإنّ هذه الغاية النبيلة هي هدف استراتيجي لأي تعليم ولأي إعلام وطني، أي أنه يستبعد تمامًا الانحياز لدين معين بمراعاة أنّ الشعب (أي شعب) أبناء وطن واحد، لا فرق فيه بين إنسان وإنسان علي أساس الانتماء الديني، لأنّ الانتماء الديني شيء ذاتي بينما (الموضوع) هوالوطن الذي يسبق أي ولاء وفق صياغة أ. خالد محمد خالد الذي كتب ((وُجد الوطن في التاريخ قبل الدين، وكل ولاء للدين لايسبقه ولاء للوطن فهو ولاء زائف)) (روزاليوسف 30/11/1951) . إنارة العقل الحر استوقفني (ثالثًا) أنّ هجوم تنظيم القاعدة علي السيادة المصرية، جاء بعد أسبوعين من تصريحات بعض الأصوليين المسلمين (المصريين) من أنّ الكنائس المصرية تتكدس بها أسلحة. إنّ هذه التصريحات لاتقل خطورة عن إنذارالمجاهدين في دولة العراق الإسلامية، فالرسالة واضحة لاتحتاج إلي تفسيرأوتأويل، تقول للمصريين (المسلمين) انتبهوا إنّ المسيحيين يستعدون لقتالكم والدليل هوتخزين الأسلحة في الكنائس. أي أنّ هدف هذه التصريحات هو إشعال الحرب الأهلية بين المصريين أبناء الوطن الواحد علي أساس ديني. وهو هدف يسعي الأصوليون إلي تحقيقه بوضع المزيد من الحطب في (موقد) الاحتقان الديني الذي شهدته مصرطوال السنوات الماضية. وهل يمكن تجاهل أنّ الترويج الزائف لمقولة تخزين السلاح في الكنائس تكرارلما قاله الأصوليون عشية الاعتداء علي الكناس الثلاث في الإسكندرية عام 2006 وعشية الاحتفال بمولد المسيح الذي شهد مذبحة نجع حمادي ؟ أوذلك التعليم الذي ىُفرق بين المصريين علي أساس الانتماء الديني، فيتعلم التلميذ أنّ المواطن المسيحي ليس له حق الإقامة في مصر، ويقول النص (ىُمنع الذمي من أخذ الركاز(= الموارد الطبيعية) بدارالإسلام، كما يمنع من الإحياء بها لأنّ الدارللمسلمين وهو دخيل فيها) (مقررالصف الأول الثانوي الأزهري ط 97/ 98 ط 2002/ 2003ص355في الطبعتين) وفي باب شروط الوقف يتعلم التلميذ أنّ الوقف الصحيح يجب (ألا يكون في محظور أي محرم كعمارة الكنائس ونحوها من متعبدات الكفار) (مقررالصف الثاني الأزهري 2002/2003ص 309، 316) ويتعلم أنّ أحكام القتل خمسة : واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح، فالأول قتل المرتد إذا لم يتب والحربي إذا لم يسلم أويعطي الجزية. ولا قصاص بين عبد مسلم وحرذمي لأنّ المسلم لايقتل بالذمي والحرلاىُقتل بالعبد) (الصف الثالث الثانوي الأزهري من ص 172- 177) أوفصل ذلك عن الدورالتخريبي لبعض الفضائيات (المصرية) التي تستضيف من يهدمون الولاء الوطني مثل حديث د. سعاد صالح التي قالت إنه (لاولاية لكافرعلي المسلم) بعد انضمامها لحزب الوفد؟ أومافعله مذيع في إحدي الفضائيات عندما استضاف سيدة ترتدي الاسدال واتهمت الصحفي نبيل عمر بأنه رجل (لا ديني) لأنه يحيي الناس بتحية صباح الخيرولا يقول السلام عليكم (جيهان الغرباوي- أهرام 19/2/2010) أو(جبهة علماءالأزهر) في موقعهم الالكتروني عندما وصفوا جابرعصفور(بأنه سفيه وملحد). أعتقد أنّ جرثومة التكفيرترتبط ارتباطًا عضويا بجرثومة (الجنسية تكون للدين وليس للوطن) وهي الجرثومة التي نشرها جمال الدين الإيراني الشهيربالأفغاني عندما قال (لاجنسية للمسلمين إلاّفي دينهم) (العروة الوثقي 26/7/1884) وجاء بعده رشيد رضا وكرّرنفس المعني فقال (المسلمون بوسعهم أنْ يجدوا مبدأ الوحدة والولاء في دينهم) وأكمل حسن البنا مسيرة الاعتداء علي الانتماء الصحيح فقال (إننا نعتبرحدود الوطنية بالعقيدة وليس بالتخوم الأرضية. فكل بقعة فيها مسلم وطن عندنا) (هالة مصطفي- الإسلام الساسي في مصر- ص 93) واستمرالدور التخريبي علي يد سيد قطب الذي تكلم عن (عصبية الأرض) وينقل عن الرسول الكريم وصفه لها ب (المنتنة) وكان تعليق سيد قطب (منذ ذلك اليوم لم يعد وطن المسلم هوالأرض، وإنما وطنه هو(دار الإسلام) التي يستشهد لحمايتها.. وأنّ دارالإسلام هي لكل من يدين بالإسلام. والدارالتي لايهيمن فيها الإسلام هي (دارالحرب) بالقياس إلي المسلم وإلي (الذمي) يحاربها المسلم ولوكان فيها مولده وفيها قرابته من النسب. لقد أطلق الإسلام البشرمن اللصوق بالطين ليتطلعوا إلي السماء. وأطلقهم من قيد الدم- قيد البهيمة- ليرتفعوا في عليين)) (معالم في الطريق من ص 157- 159) لذلك لم تكن مفاجأة أن يقول مرشد الإخوان المسلمين السابق (محمد مهدي عاكف) طظ في مصر وفي المصريين وأنه لايري مانعًا أنْ يحكم مصرمسلم ماليزي. أعتقد أنّ خروج مصرمن مأزقها الحضاري لن يتحقق إلاّ بتقوية جهازالمناعة الثقافي لمجابهة طغيان اللغة الدينية. ونتعلم من درس إغتيال فضيلة د. محمد الذهبي وزيرالأوقاف الأسبق علي يد أصوليين يعتقدون أنهم (وحدهم) الذين يفهمون (صحيح الدين) والمأساة أنّ فضيلته وصفهم في كتيب أصدرته وزارة الأوقاف بأنهم (فئة صالحة يلتمسون نقاء العقيدة وصلاح الدين) (نقلا عن د. بنت الشاطيء أهرام 18/6/92) يدخل في مشروع المجابهة الثقافية تدريس مادة (الأديان المقارنة) وتدريس (مادة الأخلاق) كبديل عن حصة الدين، فيجلس التلاميذ المسلمون بجوارالمسيحيين ويدرسون نماذج من الأناجيل الكريمة ومن آيات القرآن العظيم التي تُمجد في حب الخير، ونماذج من تعاليم جدودنا المصريين القدماء، مثل قول الحكيم (آني) (إذا كنتَ قد تعلمتَ شيئًا فأين أنت من بحور المعرفة).