لا نخطيء عندما نصف الإرهابيين بأنهم من الوحوش اللاإنسانيين.. وإلاّ بماذا يمكن لأي محايد وصف هؤلاء الذين ينسفون المصلين الأبرياء داخل دور العبادة من مساجد، وكنائس، ومعابد؟! ليس مهماً في تصوّري تحديد الهوية الدينية لقتلة المصلين في كنيسة »سيدة النجاة« في بغداد،الأسبوع الماضي، وقتلة المصلين في مسجدين بباكستان أمس الأول! فلا فرق بين هؤلاء وأولئك. ولا يجوز أن ننعم علي وحوش العراق وباكستان بالهوية الإسلامية، باعتبار أن هدفهم الأول كان ذبح عشرات المسيحيين داخل كنيسة عراقية، وإبادة عشرات المسلمين داخل مسجدين باكستانيين. فالإسلام حتي لا ننسي لا يسمح بقتل الأبرياء، ولا اضطهاد الآمنين المسالمين من بين الجيران وجيران الجيران! »تنظيم القاعدة« سبق الجميع بإعلان مسئوليته عن مذبحة كنيسة »سيدة النجاة«. وبعد ذلك، وفي نفس اليوم، زف »موقع المنصور« »صوت المقاومة العراقية الباسلة وحزب البعث المجاهد« براءة »القاعدة« وتحميل المذبحة علي أكتاف »عملاء إيران« وعلي رأسهم »نوري المالكي«! والحال من بعضه في باكستان. أمس الأول الجمعة سقط 71 قتيلاً علي الأقل وجرح نحو مائة قتيل آخرين، نتيجة انفجارين استهدفا مسجدين في مقاطعة »خيبر باختونخوا« في شمال غرب البلاد. وأشارت »سي. إن. إن« إلي أن أحد الانفجارين نجم عن هجوم انتحاري أثناء قيام المصلين بأداء صلاة الجمعة، والثاني نتيجة عبوة ناسفة دسها صبيان كانا متخفيين علي هيئة موزعي حليب تحت بوابة المسجد الذي يعتبر من الأضرحة الصوفية الكبيرة في البلاد! ومرة أخري.. تعددت أصابع الاتهام الموجهة إلي هيئات، ومنظمات، وقبائل، عدة دون الإجماع علي »مجرم« واحد أو »منظمة إرهابية« بعينها! في البداية.. اتهموا عملاء »طالبان« باستهداف عدد من قيادات قبيلة تحض علي محاربة فلول طالبان، أثناء قيام تلك القيادات بأداء صلاة الجمعة، بغض النظر عن المئات الذين كانوا داخل وخارج المسجد أثناء الانفجار! ثم قيل إن تعصب السلفيين ضد الصوفيين أدي إلي تفجير ضريح »باب فريد« في »باكباتان« قبيل صلاة الفجر! وقيل أيضاً أن أيادي عملاء الحرس الثوري الإيراني كانت ظاهرة في المذبحتين أو في إحداهما علي الأقل! توزعت المسئولية علي إرهابيين كُثر.. لكن الصلة الوحيدة التي ربطت بين انفجار »خيبر«، وانفجار »باكباتان«، كانت في حرص مخططي المذبحتين علي تنفيذهما أثناء قيام الضحايا بأداء صلاة الجمعة في الأولي، وأداء صلاة الفجر في الثانية! ألا يدعو هذا التوقيت إلي التساؤل عن معناه أو الهدف من ورائه؟! الإجابات قد تتعدد.. لكن أفضلها في رأيي تلك التي قالها: » ميان افتخار حسين« وزير الإعلام في مقاطعة »خيبر باختونخوا« تعليقاً علي المذبحة: »إنهم ليسوا بشراً، وإنما من المتوحشين الذين نتوقع أي شيء منهم«. نفس الوصف ينطبق علي »وحوش« مذبحة كنيسة »سيدة النجاة« في بغداد أثناء قداس الأحد الماضي، من عملاء تنظيم »القاعدة«. وقد توقفت مؤيداً أثناء متابعتي علي شاشة »العربية« مساء الجمعة لتصريحات أدلي بها د. أحمد عبدالغفار رئيس ديوان الوقف السني العراقي مندداً بالمذبحة، وبالقاعدة، وبما تسمي ب »دولة العراق الإسلامية«، قائلاً: »إن هذا التنظيم لم يتورع عن قتل المسلمين والمسيحيين علي حد سواء. فلقد سبق أن قامت القاعدة باغتيال 355عالم دين من موظفي الوقف السني«. وعلي نفس شاشة »العربية« شاهدنا وسمعنا المفكر العراقي والباحث في الشئون الإسلامية: »إياد جمال الدين« يُعري تنظيم القاعدة من كل ما يتصوّر اكتسابه، فيؤكد أن:» تنظيم القاعدة بات كالذئب المسعور، يفتك بالناس المسالمين في الأسواق والمساجد و الكنائس والحسينيات، ولا يفرّق بين الطوائف ويستهدف القتل من أجل القتل«. تنظيم إرهابي هكذا ينظر إليه سياسيون، ومفكرون، وعلماء، وخبراء، لا يعني التقليل من خطورته أو المبالغة في وحشيته.. وإنما أري الأخذ بالبعض من هذا وتلك. أي أن نطالب بالتصدي لأي تهديد يصدر عنه، فنعزز الأمن ونوفر الحماية حول وداخل دور عبادة المصريين التي يتهددها عملاء »قاعدة العراق« ونضرب بيد من حديد كل من يسعي إلي تهديد أمن وسلامة شعبنا المصري بمختلف قطاعاته، وتوجهاته، وانتماءاته، ودياناته، ومعتقداته. إن جرائم ومذابح المتعصبين، المتطرفين، الإرهابيين.. هي أخطر ما يهدد قيام الدولة المدنية التي يتمناها العقلاء والحكماء في بلادنا، وفي غيرها.