تري هل الخطوة التي أعلنها مؤخرًا المهندس «أسامة الشيخ» رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون عن نية التليفزيون المصري دخول مجال الإنتاج السينمائي خلال الفترة القادمة هي رغبة صادقة لإنقاذ صناعة السينما المصرية بعد التراجع الشديد في الإنتاج.. أم هو تكفير عن خطيئة التليفزيون ضد السينما المصرية نتيجة فساد موظفيه- عندما تخاذل عن الدخول في مزاد بيع تراث السينما المصرية الذي أقامته شركة مصر للتوزيع لبيع 2000 فيلم روائي طويل مقابل 40 مليون جنيه- مما أدي إلي رسو المزاد علي رجل الأعمال السعودي (صالح كامل) بحجة عدم وجود سيولة لدي التليفزيون في تلك الفترة- واتضح فيما بعد أن هذا التقاعس كمان متعمدًا نتيجة فساد الإدارة. هل الصفقة التي تمت مؤخرًا «للشراكة» بين شركة «روتانا» لصاحبها الأمير السعودي «الوليد بن طلال» وملياردير الإعلام الأمريكي «مردوخ» ذي الميول اليهودية- كان الدافع الحقيقي وراء المفاوضات التي جرت مؤخرًا بين شركة الصوت والضوء الممثلة للحكومة المصرية وبين شركة ال ART التي يمتلكها المستثمر السعودي «صالح كامل» وشركة روتانا التي يمتلكها المستثمر السعودي أيضًا «الوليد بن طلال»- لإعادة شراء حقوق الأفلام المصرية التي سبق أن حصل عليها كل منهما- ويتردد أن المبلغ المعروض من مصر لاتمام الصفقة بلغ 1200 مليون جنيه ورغم ذلك رفضت «روتانا» العرض ولم ترد ART في حين أن شركة ART كانت قد حصلت علي هذه الأفلام في بداية التسعينات من خلال مزاد علني- أقامته الشركة المصرية بمبلغ 40 مليون جنيه فقط ل 2000 فيلم ؟! الصفقة الأولي والحقيقة أن هذه لم تكن الصفقة الأولي ببيع تراث السينما المصرية فقد حدث المزاد الأول عقب قرارات تأميم السينما المصرية- حينما أعلن عن بيع أكثر من ألف فيلم ملك ستديو مصر- من إنتاج الأربعينات والخمسينات بناء علي توصيات «د.حسن الجزيري» عميد كلية التجارة في ذلك الحين باعتباره المصفي العام للتراث السينمائي في ستديو مصر. حيث تم بيع نيجاتيف أكثر من ألف فيلم بمبالغ لم تزد علي مائتي جنيه للفيلم الواحد- في تلك الفترة التي أعقبها مباشرة إغراق الأسواق في العالم العربي ومصر بأجهزة الفيديو كاسيت وانتشار نوادي الفيديو. حيث استغل هؤلاء التجار نيجاتيف هذه الأفلام بعد عمل كونترتيب بطبع آلاف النسخ الأصلية. وحققوا بذلك ثروات تقدر بالمليارات. الصفقة الثانية أما الصفقة الثانية فقد تمت في أواخر التسعينات عندما أعلنت شركة مصر للإنتاج والتوزيع عن مزاد آخر لبيع 1200 فيلم مصري قديم- اشتراها المستثمر السعودي «صالح كامل» المالك لمحطة راديو وتليفزيون ART وكانت هذه الأفلام هي النواة الأولي لتغذية قناة الأفلام التي بثها عبر الأقمار الصناعية مقابل كروت فك الشفرة. الصفقة الثالثة في عام 2000 وعندما أسس رجل الأعمال الأردني (علاء الخواجة) الشركة العربية للسينما قام بشراء 1000 فيلم مصري بعضها بالطبع من الورثة والآخر من شركات القطاع العام أو شركات إنتاج خاصة كانت قد أعلنت إفلاسها. المهم أن هذه الصفقة لم تتعد وقتها المائتي مليون جنيه. وقد حققت له مئات الملايين بعد أن طبعها علي شرائط C.D، DVD، وغمر بها الأسواق العربية إلي جانب منح القنوات العربية المتعددة التي ظهرت فيما بعد حق عرضها مع احتفاظه بالنيجاتيف الأصلي. الصفقة التي قصمت ظهر البعير وأخيرًا الصفقة المشبوهة التي تمت مؤخرًا بين الملياردير السعودي والملياردير الأمريكي للاستيلاء علي كل تراث السينما المصرية؟! بداية السيناريو في عام 2006 نشرت إحدي الجرائد اليومية خبرًا مفاده أن الأجهزة الرقابية بدأت التحقيق- فيما يتردد عن وجود فساد ومخالفات تشوب تعاقدات لجنة شراء الأفلام العربية بالتليفزيون- وتوقعت «القاهرة» وقتها أن هذا التحقيق ربما يكشف المستور والمسكوت عنه في اختيار أفلام شركات إنتاج معينة بمبالغ مبالغ فيها مقابل أفلام لا تستحق في نفس الوقت ترفض أفلامًا أفضل وربما بأسعار أقل؟! ولكن يبدو أن هذا الملف قد أغلق لسبب ما؟! ربما توقعنا أيضًا أن يكشف التحقيق ما دار خلف كواليس صفقة ال 1200 فيلم التي اشتراها رجل الأعمال السعودي «صالح كامل» وشريكه الموزع السينمائي اللبناني «محمد ياسين» في ذلك المزاد الذي امتنع عن حضوره التليفزيون المصري.. بحجة عدم وجود سيولة.. وتردد وقتها أن هناك أيد خفية وقفت حائلاً بين التليفزيون وبين هذا المزاد الذي فتح لتليفزيون ART فرصة احتكار أكثر من ثلث تراثنا السينمائي؟! وربما نفس الأيدي الخفية كانت أيضًا وراء احتكار الشركة العربية التي تمتلكها الفنانة إسعاد يونس وزوجها رجل الأعمال الأردني «علاء الخواجة» لما يقرب من 800 فيلم وأخيرًا الأمير السعودي «الوليد بن طلال» الذي احتكر هو الآخر حوالي ألف فيلم وبذلك تكون السينما المصرية قد فقدت كل تراثها وكنوزها السينمائي علي مدي ثمانين عامًا. حتي وصل الأمر بالتليفزيون أن يمد يده بقبول حسنة من الأمير السعودي تتمثل في 170 فيلمًا مصريًا قديمًا للعرض مرة واحدة أرضيًا «حدثت هذه الواقعة عام 2006». ربما كان ذلك في صدور تعليمات للمخرجين في جميع القطاعات بعدم الاستعانة بلقطات من الأفلام العربية الموجودة داخل المكتبة إلا بموافقة كتابية من رؤساء القطاعات وهو نفس السبب كما تردد في قرار وزير الإعلام «أنس الفقي» بانزال القنوات الإقليمية من القمر الصناعي «نايل سات» للعرض أرضيًا بعد قيام بعض المخرجين بالاستعانة بلقطات من أفلام عربية قديمة داخل برامجهم دون أن يكون هناك حقوق لعرضها فضائيا. مما نتج عنه مقاضاة الشركات المنتجة للتليفزيون والمطالبة بتعويضات وصلت لعدة ملايين. في نفس الوقت صدرت تعليمات حاسمة بمنع الإشارة إلي توقيتات انتهاء حقوق استغلال الأفلام المصرية التي يعرضها التليفزيون المصري عبر قنواته الفضائية وإسقاط الخانة التي كان يذكر فيها تاريخ انتهاء حقوق الاستغلال من الخريطة الشهرية للقنوات خشية أن تصل إلي الصحف وأن تستغل في كشف حقيقة الأوضاع المتدهورة في مكتبة الأفلام بالتليفزيون والتراجع المخيف في عدد الأفلام التي يمكن عرضها في القنوات المقبلة. وهو الوضع الذي ينذر بخطورة كبيرة تتمثل في سقوط حقوق استغلال عدد كبير من الأفلام إما لأن أصحابها يفضلون عدم التجديد وبيعها بسعر أعلي لقنوات السينما الفضائية المتخصصة أو لأن التليفزيون لم ينجح في إبرام صفقات جديدة مع أصحاب الأفلام التي أنتجت حديثًا بعد نجاح قنوات «روتانا، ميلودي، الحياة»، وغيرها في انتزاع حقوق استغلالها لحسابهم أو المشاركة في إنتاجهم بحيث تعطي أصحابها الحق في عرضها في مصر لمدة خمس سنوات. فيما تملك هذه القنوات حقوق توزيعها في الخارج وامتلاك أصولها (النيجاتيف) بعد فترة الخمس سنوات بما يعني أن الكارثة أفدح وأخطر!. واقعة أخري حدثت عام 2008 عندما بدأت الاستعدادات لافتتاح قناة «نايل سينما» التابعة لقطاع القنوات المتخصصة حيث وقع فيها المهندس «أسامة الشيخ» بصفته رئيسًا للقطاع، اتفاقًا مع مؤسسة «روتانا» يتم بمقتضاه منح قطاع المتخصصة حقوق عرض 340 فيلمًا مصريًا أرضيًا وفضائيا وقد شهد توقيع العقد اللواء أحمد أنيس رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون في ذلك الحين وحضره «أيمن الحلواني» مدير عام شركة «روتانا استديو» ويسمح العقد بإضافة قوائم إضافية باستمرار الأفلام الكلاسيكية أو الحديثة التي تمتلكها روتانا. هذا في الوقت الذي تشير فيه عدة وقائع وجود خلل في تعاقدات المسئولين عن التعاقد علي الأفلام منذ سنوات طويلة- منها علي سبيل المثال واقعة تقدم ورثة المنتج السينمائي الراحل «والي السيد» للتليفزيون بغرض استغلال مجموعة من الأفلام التي في حوزتهم- إلا أن اللجنة طلبت موافقة الرقابة أولاً ثم الصلاحية الهندسية. وبعد ذلك اختاروا ستة أفلام من بين 21 فيلمًا- وذلك مقابل 20 ألف جنيه للعرض الأرضي والفضائي لمدة 6 سنوات. وغم أن هذا المبلغ لا يتجاوز 25% مما تدفعه الفضائيات المصرية ورغم موافقة الورثة علي عرض التليفزيون المصري ماطل المسئولون في إدارة التعاقد في الإجراءات بعد أن رفض وكيل الورثة مبدأ «فتح مخك». واقعة أخري حدثت عندما كان الإعلامي الراحل (أحمد سمير) رئيسًا للقناة الأولي حيث طلب التعاقد علي فيلم «أرض الأحلام» بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ويحيي الفخراني- إلا أن إدارة عقود شراء الأفلام العربية.. رفضت بحجة أن الفيلم غير صالح هندسيًا من جهة ومن جهة أخري أن الشركة المنتجة طلبت 35 ألف جنيه مقابل حق الاستغلال وأنهم أي «العقود» لا تري أنه يستحق أكثر من عشرة آلاف جنيه. وثار «أحمد سمير» في حينها وهدد اللجنة بفضح أساليبها- إذا لم تحضر الفيلم وتحت التهديد والوعيد وخوفًا من كشف المستور- تعاقدت الإدارة علي الفيلم المذكور مقابل 35 ألف جنيه- هذه الوقائع حدثت بالفعل- ومازالت تحدث. ولذا نطالب بوضع آلية تحكمها الشفافية في مسألة شراء أفلام جديدة (وتجديد حق الاستغلال لعدد من الأفلام المهمة حتي لا يضطر التليفزيون أن يعيش علي حسنة الأمير أو يشتري أفلامًا كانت في حوزته بعشرة أضعاف ثمنها وتعليقًا علي الأزمة التي يمر بها التليفزيون حاليًا حيث انتهي بالفعل حق استغلال معظم الأفلام الروائية الطويلة التي يمتلكها التليفزيون في مكتبته في الوقت الذي تحتكر فيه الفضائيات العربية من حولنا ما يقرب من ثلاثة آلاف فيلم مصري- هي تقريبًا كل رصيدنا باستثناء حوالي 500 فيلم بعضها في التليفزيون والبعض الآخر إما غير صالح أو مفقود ولا أثر للنيجاتيف الأصلي! يقول الفنان «محمود يس» للأسف التليفزيون المصري يعتقد أنه الوحيد علي الساحة متناسيًا أن هناك العديد من الفضائيات الأخري المنافسة وهذه القنوات تشتري الأفلام بمبالغ مرتفعة. أما التليفزيون المصري فقد توقف منذ سنوات عن تجديد حق الاستغلال لعشرات الأفلام الموجودة في مكتبته وحتي إذا ما طلب تجديد خمسة أو ستة أفلام للضرورة- فهو يعرض مبالغ هزيلة ويدفعها بالتقسيط! أما الفنان حسين فهمي فيقول: من العيب أن نري معظم أفلامنا المصرية تذاع علي الفضائيات العربية ولا نشاهدها علي شاشة تليفزيون بلدنا وأعتقد أن التليفزيون المصري يستطيع استرداد ما سيدفعه في أي فيلم عن طريق «الإعلانات» التي تسبق عرضه وهذا يعد بالملايين وكل الفضائيات العربية تفعل ذلك! أما الناقد السينمائي «طارق الشناوي» فيري للقضية أبعادًا أخري حيث يقول: أعتقد أن غياب استراتيجية القرار السياسي أشد خطورة من الفساد الذي يمكن أن يشوب التعاقد علي حقوق استغلال أفلام لحساب التليفزيون بقطاعاته المختلفة. بعد أن خسرنا بالفعل المعركة الأولي وسبق السيف العزل ولا داع للبكاء علي اللبن المسكوب بعد أن أصبح كل تراث السينما المصرية محتكرًا لحساب كل من صالح كامل والوليد بن طلال.. وأخيرًا مردوخ؟!!