جاءت إقالة الكاتب الصحفي ابراهيم عيسي من رئاسة تحرير صحيفة الدستور مساء الاثنين 4 أكتوبر الماضي ، لتشغل الأوساط الصحفية والاعلامية علي مدار أسبوع كامل، ليس فقط علي المستوي المحلي بل حتي في وسائل الإعلام العالمية، مثل مجلة "فورين بوليسي الأمريكية" و إذاعة "دويتش فيلة" الألمانية، ووكالة "رويترز" البريطانية وغيرها، ولا ينكر أحد أن قرار الإقالة كان مباغتًا ليس فقط لمن تلقوه من غير المنتمين لمؤسسة الدستور، بل حتي لصحفييها، واذا كان إبراهيم عيسي نفسه وبعض كتاب الدستور قد توقعوا أن يتم الاستغناء في لحظة ما عنه من قبل الملاك الجدد ، إلا أنهم أجمعوا علي أن ما تنبئوا به قد حدث بأسرع من المتوقع. من المفترض ووفقا لما تم الانتهاء إليه يوم السبت الماضي في اجتماع شارك فيه د.السيد البدوي ورضا ادوارد -ملاك صحيفة الدستور- مع ستة من صحفيي الجريدة بحضور مكرم محمد احمد -نقيب الصحفيين- وعدد من أعضاء مجلس النقابة، ان يعلن الملاك قرارهم بشأن مطلبين أساسيين شهدا خلافا أثناء الاجتماع بعد منحهم مهلة يومين- تنتهي اليوم . المطلب الأول هو عودة إبراهيم عيسي رئيسا لتحرير الصحيفة، وعودة هيئة تحرير الجريدة كما كانت، وتولي إبراهيم منصور رئيس التحرير التنفيذي مهام عيسي حتي عودته، وهو ما اعترض عليه إدوارد- الذي أعلن في مداخلة في برنامج 90 دقيقة عن رضاه عن العدد الصادر يوم السبت الماضي، وخلوه من أي ابتذال في اللغة الصحفية كما جدد رفضه لعودة عيسي وهيئة التحرير السابقة- أما المطلب الثاني فكان الاستغناء عن الصحفيين الذين شاركوا علي مدار الأيام الماضية في إصدار الدستور بعد إقالة عيسي. فيما عدا ذلك فقد تم الاتفاق علي البنود المتعلقة بالحفاظ علي السياسة التحريرية للجريدة وأن يتم انتخاب اثنين من الصحفيين ممثلين للتحرير في مجلس الإدارة بالإضافة إلي وضع لائحة مالية وإدارية جديدة وتعيين الزملاء من غير المعينين. وبسؤال محمد فوزي- مساعد رئيس التحرير- عن البدائل التي فكروا فيها في حال عدم موافقة الملاك علي المطلبين السابقين، وخاصة المتعلق بعودة إبراهيم عيسي رئيسا للتحرير، فقال إنهم متمسكون بمطلبهم، وسيستمروا في اعتصامهم، خاصة أنه لا توجد هيئة تحريرية للجريدة ليتعاملوا معها ويقوموا بعملهم الصحفي، أما عن لجوئهم لتطبيق مبدأ شرط الضمير، وترك العمل في الصحيفة مقابل الحصول علي تعويض مناسب، فكان رد فوزي بأن هذا الأمر لم يتم التفكير فيه حتي انتظار قرار الملاك.. وعندما سألنا يحيي قلاش- عضو مجلس نقابة الصحفيين "المستقيل"-عن نصيحته لصحفيي الدستور في حال عدم موافقة الملاك علي عودة إبراهيم عيسي أكد أنه لا يستطيع أن يملي موقفا محدداً علي الزملاء، إلا أنه شدد علي أن النقابة يمكنها أن تنهي تلك الأزمة بدعوتها لجميع الاطراف للنقاش بما فيهم إبراهيم عيسي وإبراهيم منصور- رئيس التحرير التنفيذي- وخالد السرجاني-مدير التحرير- وان يتم الاتفاق علي بنود محددة تقوم النقابة من خلال لجنة تشكلها بمتابعة تنفيذها، ولفت إلي أنه إذا كان الصحفيون متمسكين بعودة عيسي فربما لايرغب هو في العودة.ما شدد عليه قلاش هو انه يجب أن نلتفت بعد هذه الازمة الي اننا انتقلنا من عصر "الصحف الخاصة" إلي عصر" صحف رجال الأعمال" حيث يعمل كل منهم لتحقيق مصالحه الخاصة المباشرة، وأضاف "أعتقد أنه كان علي ملاك الدستور قبل ان يحترموا أو يقدروا رئيس تحرير الجريدة ،أن يحترموا قارئها الذي ارتبط بها وبنهجها وبخطها السياسي". تضارب ترددت أكثر من رواية لتبرير قرار الإقالة، ففي حين أكد إبراهيم عيسي وشدد علي أن إقالته جاءت بعد إصراره علي نشر مقال لمحمد البرادعي في ذكري انتصارات اكتوبر، بعد توجس الإدارة منه ورغبتهم في تأجيل نشره، ينفي د. السيد البدوي- رئيس مجلس ادارة الدستور- أن يكون للمقال أي دخل في القرار، ودعم حجته بنشر المقال في صدر الصفحة الأولي من العدد الصادر يوم الأربعاء الماضي. قيل أيضا إن السبب هو قيام عيسي بنشر مقال للدكتور محمد سليم العوا ينتقد فيه الكنيسة المصرية، كانت قد رفضت كل من صحيفتي المصري اليوم والشروق نشره، وهو ما نفاه البدوي أيضا وبينما أكد عيسي في حوار لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن التدخلات في السياسة التحريرية للصحيفة بدأت منذ الأسبوع الأول من الشراء، نفي البدوي تماما وجود أي صبغة سياسية للقرار، وأن الامر برمته يخضع لأسباب إدارية ومالية، وعندما ذكر محمد فوزي - مساعد رئيس تحرير الدستور- في المؤتمر الصحفي الذي عقده البدوي لبيان أسباب الإقالة، أن رضا إدوارد-رئيس مجلس الإدارة التنفيذي- قد أبلغ الصحفيين بأن المساهمين يتعرضون لضغوط علي مصالحهم الاقتصادية بسبب بقاء عيسي ، رد البدوي، بأن ما قاله إدوارد يعبر عن وجهة نظره الخاصة، مضيفا أنه لا يمكن أن يتعرض لأي ضغوط ولا يوجد أحد من الدولة يجرؤ علي ذلك"، وقد تراجع إدوارد عما قاله من تعرض الصحيفة لضغوط بسبب وجود عيسي كرئيس تحرير، وذلك في مداخلة له في برنامج 48 ساعة يوم الخميس الماضي، واستنكر علي مقدمة البرنامج هناء سمري أن توجه له من الأصل سؤالا بشأن تعرضهم لضغوط من أي نوع! وفي الإسكندرية، أعلن أيمن نور، مؤسس حزب الغد وأحد كتاب جريدة «الدستور»، عن تدشينه موقعا إلكترونيا باسم «شباك نور»، وهو الاسم الذي كان يحمله مقاله اليومي في الصحيفة وأكد نور أن الموقع الجديد سيتضمن كتابات إبراهيم عيسي، بالإضافة إلي كتاباته،وكان نور قد أشار من قبل الي ان مقالاته في الصحيفة كانت أحد أبرز الأسباب التي جعلت العلاقة تتوتر بين عيسي وملاك الصحيفة الجدد " بعدما أصر رئيس التحرير علي عدم تدخلهم في سياسة التحرير بينما ظلوا علي اصرارهم علي رفض وجود مقالات أيمن نور في صحيفتهم، وذلك وفقا لما اخبره به عيسي، وطلب منه أن يتوقف عن الكتابة لمدة شهر حتي تهدأ الأمور، لكن نور رفض وهدد بعقد مؤتمر صحفي للكشف عن رغبات الملاك الجدد، فأثناه عيسي بدعوي أن هذا يضر بسمعة الصحيفة ووعد بتوفيق الأوضاع". وحتي يؤكد البدوي وجهة نظره بعدم وجود ما أشير إليه بوجود "نية مسبقة" للاستغناء عن عيسي، ذكر أكثر من مرة أنه لم يكن في ذهنه علي الإطلاق أن يكون مساهماً أو رئيساً لمجلس إدارة جريدة الدستور، و أنه لم يكن طرفاً في مفاوضات شراء الجريدة منذ بدايتها، وأن رضا إدوارد هو من عرض عليه المشاركة في الشراء من أجل الحفاظ علي جريدة مستقلة كانت قد بدأت في التراجع نتيجة ضعف الإمكانيات المادية، ولم يوافق إلا بعد أن أقنعه كل من "عيسي" و" إدوارد" بأن وجود اسمه يمثل إضافة للصحيفة ويعطيها ثقة ومصداقية لدي الرأي العام. وقد أوجز البدوي سبب قرار الإقالة بما حدث عقب صرف أجور الصحفيين، وما "فوجئ" به من غضب واستياء من المحررين من خصم" الضرائب" من رواتبهم، وأن الناشر أحمد عصام فهمي أبلغه أن الصحفيين معتصمون وممتنعون عن العمل لحين رد المبالغ المقتطعة، وهو ما اعتبره البدوي "ابتزازا" لا يقبل به، وحمل رئيس التحرير المسئولية، لأنه المسئول عن إدارة الصحيفة. قصة "الضرائب" بالطبع رفض صحفيو الدستور هذه الرواية جملة وتفصيلا، كما نفوا تماما أن يكون هذا هو السبب في إقالة رئيس تحريرهم، مشددين علي ان الاسباب الحقيقية كشف عنها ادوارد من قبل عندما قال إنه تعاقد مع 4 شركات إعلانية، للإعلان في الدستور مقابل 30 مليون جنيه سنويا، إلا أن جميعهم رفضوا استمرار إبراهيم عيسي في رئاسة التحرير. وفي المؤتمر الصحفي السابق الإشارة إليه، علق محمد فوزي - مساعد رئيس التحرير - علي رواية البدوي بشأن اعتراض الصحفيين علي خصم الضرائب، وقال إن كل ما في الأمر ان الصحفيين وجدوا الزيادة المالية غير مقنعة ولا تتناسب مع الجهد الذي بذلوه في الفترة الأخيرة لتطوير الصحيفة، مضيفا أن عيسي اجتمع بالصحفيين قبل أن يصدروا أي بيانات وأوضح لهم أنهم يعملون في مؤسسة وأنه سيتحدث إلي مجلس الإدارة . عمر طاهر رأي هو الآخر- في مقال له نشر علي موقع الدستور- أن اتهام البدوي للصحفيين بابتزازه مبالغ فيه ، وقال" كل من في الدستور يعملون منذ ست سنوات بأجور متوسطة أو أقل من المتوسطة دون أن يجعلهم ذلك يبتزون أحدا أو يهددوا بالاعتصام أو بالتوقف عن إصدار الجريدة".. وبحديثنا مع عدد من صحفيي الدستور،أكد عدد منهم انهم عندما صرفوا مرتباتهم وجدوا خصومات متباينة لم يعرفوا لها أساسا وعندما استفسروا لم يجدوا من يشرح لهم، في حين أكد لنا الصحفي عمرو بدر ان الصحفيين المعترضين- وهم بالمناسبة لم يكن يتجاوز عددهم 30 صحفيا، إذ إن أغلب الصحفيين معفون من الضرائب حتي بعد زيادة مرتباتهم- كانوا محتجين علي خصم الضرائب، لأن د.البدوي وعدهم بأن تتحمل المؤسسة دفعها، وبالتالي لم يتم الالتزام بالاتفاق، ورغم أن الزيادات لم تكن علي مستوي توقعاتهم الا انهم لم يهتموا علي أساس أنه ستكون هناك زيادات جديدة في الفترة المقبلة، علي حد وعود الإدارة التي أكدت حرصها علي الاهتمام بالعنصر البشري، وأضاف عمرو أن الصحفيين لم يهددوا أحدا ولم يمتنعوا عن العمل،ولم "يحرضهم" إبراهيم عيسي ضد أحد، وأنهم عندما شكوا له عدم حصولهم علي مرتباتهم كاملة، اكد لهم أن المشكلة سيتم حلها ولا داعي لتضخيم المسألة، وفي مساء نفس اليوم فوجئوا بقرار الإقالة". من جهته رأي خالد السرجاني -مدير تحرير الدستور- أن الإدارة "تتعلل" بمسألة اعتراض الصحفيين علي خصم الضرائب، وتحاول ايجاد مبرر أخلاقي لقرارها الذي يعتبر "إهانة" في حق إبراهيم عيسي، وبسؤاله حول ما إذا كانت هناك أي تدخلات في الفترة الماضية من قبل الإدارة الجديدة في عمل التحرير، أشار السرجاني الي انه علم انه كان هناك اعتراض علي استمرار عدد من كتاب الاعمدة- رفض تسميتهم- أما عما أثير حول الاعتراض علي مقال"البرادعي" فيقول السرجاني إنهم كانوا متوقعين ان تتوقف الدستور عن الصدور بعد نشر المقال، لكن حدث كل شيء قبل النشر، مشيرا الي أنه قيل لابراهيم عيسي اكثر من مرة إن"سقفه عال". من ناحيته نفي عمرو بدر علمه بوجود أي تدخلات في التحرير وقال" أكون كاذبا إذا قلت إن هناك موضوعات قدمها محررون ولم تنشر، فنحن كنا نعمل بنفس الطريقة وعلي نفس النهج الذي اعتدنا عليه في الدستور، ولم يتدخل أحد في عملنا لكن ربما كان هناك ما يدور في" المطبخ" لا نعلم عنه شيئا". تخبط علي مدار الأسبوع الماضي صدرت اعداد من صحيفة الدستور، اعتبرها فريق عمل الصحيفة "مزيفة وغير شرعية" وعلقوا علي ما جاء فيها من مواد صحفية، بعضها قديم، والبعض سبق نشره منذ أشهر، بل وأشار عمرو بدر إلي أنه تم نشر حوار مع وزير التربية والتعليم الاسبق" د.يسري الجمل" جاء في متنه" ويقول د. يسري ل"نهضة مصر" وتكررت أكثر من مرة!! في المقابل حرص محررو الدستور علي نشر تطورات الأزمة علي موقع الصحيفة- وهو موقع يخص إبراهيم عيسي شخصيا ولا علاقة له بمؤسسة الدستور ونشر عدد من كتاب الاعمدة في الدستور مقالاتهم التي يعلقون فيها علي الازمة، ومنهم نوارة نجم وطارق الشناوي وعمر طاهر ووائل عبد الفتاح ونجلاء بدير وغيرهم. حاولنا أن نتبين من خلال متابعتنا لتصريحات ملاك الدستور دوافعهم وراء إقالة عيسي، لكن تصريحاتهم، وتحديدا رئيس مجلس الادراة التنفيذي رضا ادوارد، افتقدت للوضوح والمباشرة إلا قليلا، فصحيح أنه اعترف في مداخلته في برنامج 48 ساعة علي قناة المحور يوم الخميس الماضي، بعدم رضاه عن الأعداد الصادرة من الصحيفة في الأيام الأخيرة، إلا أنه أعلن أن رئيس التحرير الجديد سيكون أكثر معارضة من إبراهيم عيسي، وهو ما يتعارض مع تصريحاته السابقة بأن توجهات عيسي المعارضة أبعدت المعلنين، ثم يعلن عن بحثهم عن شخصية "عربية" لرئاسة تحرير الصحيفة للخروج بالدستور الي العالم العربي والدولي، رغم أنه تعهد ومعه د. السيد البدوي بالحفاظ علي اسلوب وسياسة الجريدة وعدم المساس بها لأنها ترسخت ولن تتغير. في النهاية تنتظر الأوساط الصحفية ما سيعلن عنه ملاك الصحيفة، وقد تكون الساحة شهدت تطورات لم تلحق بها «القاهرة» التي مثلت للطبع مساء الأحد، لكن نأمل أن تكون تلك الازمة بداية لأن تنظر نقابة الصحفيين بجدية في أوضاع الصحف الخاصة، والآليات المنظمة للعلاقة بين الصحفيين وملاك الصحف، ليعلم كل طرف حقوقه وواجباته..