فيما يطلق عليه " أول حرب إليكترونية في القرن الواحد والعشرين " ، ووفقا لخبراء دوليين ، فقد تعطل نحو 60 ألفا من أنظمة الكمبيوتر الخاصة بفريق العمل في محطة بوشهر النووية الإيرانية ، من جراء فيروس مشبوه يطلق عليه " ستكس نت " ، وذلك قبل أسابيع من بدء تشغيل العمل بالمحطة . وأكدت المصادر الإيرانية أنه فيما لم تتأثر جذريا الأنظمة الرئيسية في المحطة ، فإن الفيروس اخترق فقط ، حتي الآن ، الأجهزة الخاصة ببعض الموظفين ، غير أن مسئولا بمجلس تكنولوجيا المعلومات بوزارة الصناعة والمناجم الإيرانية أكد أن " حربا إليكترونية " قد بدأت ضد إيران ، وأن الفيروس المعادي ترتب عليه نقل بيانات من أجهزة الحاسب في المنشآت الصناعية إلي جهات خارجية . كانت شركات غربية في مجال أمن الإنترنت قد كشفت مؤخرا أن أحد الفيروسات تهاجم بصورة واسعة برمجيات صناعية تستهدف إيران بصورة رئيسية ، وتقف وراءها " دولة " تسعي إلي شن هجوم إليكتروني ، ولكن لم تسمها . يأتي هذا في ظل تصعيد متبادل بين إيرانوالولاياتالمتحدة بسبب تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، والتي ألقي فيها مسئولية أحداث 11 سبتمبر علي إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ، الأمر الذي أثار ضده عاصفة من الانتقادات الدولية . ويبدو واضحا الصلة المباشرة بين احتمالات شن حرب إليكترونية ضد المنشآت النووية الإيرانية ، والتصعيد مع الغرب والولاياتالمتحدة، وذلك نظرا إلي أن وصول إيران إلي مرحلة تشغيل مفاعل بوشهر النووي، يسقط واقعيا مطالب الغرب بالوقف التام لتخصيب اليورانيوم، وبالتالي تصعب المطالبة بوقف البرنامج النووي الإيراني . ومن الثابت (من وجهة نظر غربية ) أن الجانب الإيراني يصر علي الوصول إلي درجة القدرة علي تخصيب اليورانيوم ، وتصنيع السلاح النووي ، علي غرار دول أخري مثل اليابان التي تقوم بتخصيب كميات من اليورانيوم منخفض التخصيب، مما يوفر لديها القدرة التفنية علي تصنيع السلاح النووي . حرب إليكترونية محتملة اضطرت السلطات الإيرانية لتشكيل " لجنة أزمة " لمحاربة الدودة الإليكترونية الخبيثة التي تهاجم أجهزة الكمبيوتر ، بعد أن تم إحصاء نحو 30 ألف عنوان ( أي بي ) لهويات الأجهزة التي ضربها " ستكس نت " ، وبعد أن وجه خبراء غربيون أصابع الاتهام إلي الولاياتالمتحدة وإسرائيل لاستهداف منشآت نووية إيرانية . ووفقا للخبراء ، يستهدف " ستكس نت " الذي تم تحديده علنا لأول مرة منذ عدة أشهر معدات صناعية من صنع " سيمنز " تقوم بالتحكم في خطوط بترول ومنشآت نووية ومحطات كهرباء ، وغيرها من المواقع الصناعية الكبري ، ويعتقد أن وراءها دولة ، وليس مجرد قراصنة مستقلين . ويقول وزير الصناعة الإيراني إن حربا إليكترونية شنت ضد إيران ، وتناقضت الأنباء الإيرانية ، حيث عادت إيران ونفت رسميا تعرض مفاعل بوشهر لهجوم فيروسي ، معتبرة أن هذه الادعاءات بمثابة ( لعبة جديدة ضمن نطاق الحرب الناعمة ) التي تتعرض لها. وكان الإيرانيون قد اكتشفوا منذ فترة تخريبا متعمدا لأجهزة مستوردة، وأبرزها امدادات كهرباء لإدارة أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم من داخل ناتانز . في غضون ذلك ، أكد مسئول إيراني أن محطة بوشهر ، وهي الأولي لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في إيران ، ستبدأ في امداد البلاد بالطاقة في أوائل عام 2011 ، مشيرا إلي تأخير بضعة أشهر بعد انتشار الفيروس ستكس نت . وسوف تولد المحطة 1000 ميجاوات أي نحو 5 . 2 % من استهلاك البلاد للطاقة . ويقول كيفين هوجان مدير الاستجابة الأمنية في شركة سيمانتيك إن 60% من الكمبيوترات المصابة بالفيروس موجودة في إيران ، مما يشير إلي أن المنشآت الصناعية الإيرانية هي الهدف . ويسابق الخبراء الإيرانيون الزمن لمكافحة الفيروس ، وسط مخاوف من تدميره المنشآت النووية في ظل قدرته الرهيبة ، غير المسبوقة علي القيام بذلك بمجرد التعرف علي شبكة التحكم في منشأة معينة . كانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت في وقت سابق أن الرئيس السابق جورج بوش قد أقر " نوعا من الجهود التجريبية " من أجل تقويض نظم الكهرباء ، وغيرها من الشبكات التي تخدم البرنامج النووي الإيراني . كذلك ، أكد خبراء أوروبيون في أمن الكمبيوتر أن دراسات تجري من أجل إيجاد " سلاح إليكتروني " جديد هو عبارة عن " قنبلة ذكية " أي فيروس مصمم خصيصا بهدف تخريب منشأة نووية إيرانية . ويعد هذا البرنامج من أكثر البرامج سرية داخل الحكومة الأمريكية ، وقد تسارع العمل به في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما . ويري خبراء غربيون أن محطة بوشهر الإيرانية مستهدفة أيضا من جانب إسرائيل . أما علي الصعيد العام ، فإنه من المعروف أن معظم الدول الكبري ، لاسيما الصين وروسيا والولاياتالمتحدة لديها في السنوات الأخيرة استثمارات كبيرة فيما يطلق عليه " حروب الانترنت " وأساليب الدفاع ضد هذه الهجمات ، وإن كانت تفاصيلها لاتزال غامضة . ويشير البعض إلي نماذج من الهجمات الإليكترونية ، ومنها هجمات إليكترونية روسية علي استونيا في 2007 ، وعلي جورجيا أثناء الحرب الجورجية في 2008 ، ومن المتوقع أن يكون هناك " قراصنة " يعملون باستقلالية بدلا من الوكالات الحكومية . وفي مثل هذه الهجمات يتوزع التأثير علي البنية التحتية بين إطفاء الأنوار ، وتحول الشوارع إلي طرق مسدودة ، وتعتيم الأقمار الصناعية ، وتحويل السفن إلي جثث هامدة في المياه . وقد عثر علي الفيروس ستكس نت في أنظمة الهند وأندونيسيا وباكستان ، ولكن أكبر اختراق له يوجد في إيران . الجدل الأمريكي الهاجس الأساسي الذي يؤرق الدوائر الأمريكية حاليا هو وصول الجمهورية الإسلامية إلي " نقطة اللاعودة " بأن تصبح بالفعل عضوا في النادي النووي العالمي ، الأمر الذي يمهد له البدء الفعلي في تشغيل المفاعل النووي بوشهر ، وهو منشأة تخضع بالكامل للرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية . من هنا ، فإن الجدل الأمريكي يتركز حاليا حول ما يجب فعله تجاه إيران في حالة الوصول الفعلي إلي مرحلة " القدرة " علي تصنيع السلاح النووي . ومن المعروف أنه منذ العام 2005 فإن إيران عرضت مسارا ثلاثيا للاختيار بينها لحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني ، ويتوزع المسار المحتمل بين : 1 .. استخدام أجهزة طرد مركزي لايمكنها تخصيب اليورانيوم إلي مستويات أعلي من الحدود المنخفضة . 2 .. ملكية مشتركة مع أوروبا لمنشآت التخصيب . 3 .. تكثيف الرقابة علي منشآت التخصيب . غير أن المشكلة الرئيسية تتمثل في أن واشنطن والدول الأوروبية تعتبر أنه يمكن تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب سرا إلي يورانيوم يستخدم لصنع السلاح النووي ، وهو ما يمكن أن تتفاجأ به الاستخبارات الأمريكية . هذا ، بينما يتركز الموقف الإيراني في ضرورة التمييز بين التخصيب السلمي ، والتخصيب الموجه للتصنيع العسكري . من هنا فإن السؤال الذي يواجه الغرب مع ترقب بدء تشغيل مفاعل بوشهر النووي هو : أي نوع من "الضغط " يتعين ممارسته علي إيران في الوقت الراهن ؟ علما بأنه بالنسبة لمسار العقوبات المفروضة علي إيران ، فإن تقرير لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة يظهر أن 36 دولة فقط هي التي أرسلت تقاريرها حول كيفية تطبيقها للعقوبات الدولية علي إيران . ويقول الكاتب " أليستر كروك " إن الضغط الذي يمكن ممارسته علي دولة تمتلك بالفعل مفاعلا نوويا ، ودورة وقود ، لايعني سوي التهديد بشن حرب أو الاحتواء العسكري ، إذا لم تتخل إيران عن مخزونها من الوقود النووي ، ذلك أنه من المؤكد أن تشغيل مفاعل بوشهر النووي الإيراني سيخلق واقعا جديدا ، لأنه مع تراكم الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط ، فقد يؤدي التصعيد إلي " حرب " لايرغب أحد في حدوثها . حروب بديلة في الولاياتالمتحدة ، تحذر دوائر أساسية في الإدارة الأمريكية من تبعات خوض واشنطن حربا جديدة ضد إيران في ظل ظروفها الاقتصادية الراهنة ، وفي إسرائيل ، هناك تحذيرات من المواجهة العسكرية المباشرة مع الإيرانيين ، نظرا إلي أن المنشآت الإيرانية تقع في أماكن نائية ومتناثرة ومحصنة . ويقال إنه حتي إذا أفلحت المقاتلات الإسرائيلية في تنفيذ طلعات ناجحة ، فقد بات من المرجح أن تواجه إسرائيل زخات صاروخية إيرانية انتقامية أسوأ من الهجمات الصاروخية القصيرة المدي للمقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين في المواجهات التي دارت عامي 2006 ، 2009 . هذا طبعا بالإضافة إلي العنصر المتعلق بالرأي العام العالمي الذي لايرغب في أن تشهد منطقة الشرق الأوسط حربا جديدة ، خاصة أن هناك عقوبات مؤثرة مفروضة فعلا علي إيران . من هذا المنطلق ، فإن دوائر عديدة عسكرية ومدنية ، في الولاياتالمتحدة وإسرائيل تبحث منذ فترة مزايا شن حرب إليكترونية ، يمكن أن تؤدي إلي إبطاء البرنامج النووي الإيراني ، أو إيقافه في مراحل لاحقة . في إطار ذلك ، تقول مصادر أمنية إسرائيلية إن " حرب الانترنت " تبلورت شيئا فشئيا لتصبح ركنا رئيسيا في التخطيط الاستراتيجي لإسرائيل ، مع إنشاء وحدة مخابرات جديدة تشتمل علي أساليب اختراق المواقع الإليكترونية ، ذات التكنولوجيا المتقدمة . بل إن رئيس شعبة المخابرات العسكرية الإسرائيلي جنرال عاموس يادلين كشف في العام الماضي النقاب عن خيارات إسرائيلية لتخريب شبكات الكمبيوتر الرئيسية لخصوم مثل إيران ، وآليات حماية إسرائيل من مثل هذه الهجمات . كما يتردد أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وضعت نصب أعينها خوض حرب الانترنت ضد إيران ( كأولوية قومية لإسرائيل ) ، وإن كانت أطراف في وزارة الدفاع الإسرائيلية تتشكك في مدي امكانية الاكتفاء بالحرب الإليكترونية . أما ردود الفعل التي تتردد حاليا في الولاياتالمتحدة بشأن الفيروس " ستكس نت " الذي أثر تأثيرا حقيقيا علي الشبكات الإيرانية فيتناول مدي إمكانية إيران علي " الرد " علي الهجمات الإليكترونية التي تتعرض لها . وفي هذا السياق ، تقول المحللة الإقليمية جيسكا اشوه إنها لاتعتقد أنه يمكن توقع هجمات انتقامية من جانب إيران ( إليكترونيا ) لأن إيران ليس لديها القدرة الفنية علي شن هجوم ضد أنظمة محصنة بشكل سليم ، بدليل أن إيران تواجه حاليا صعوبات جمة في محاولة السيطرة علي الهجمات التي تعرضت لها . لذلك فإن محللين أمريكيين يتوقعون أن تحاول إيران الرد علي ما تتعرض له إما عن طريق تكثيف برنامجها النووي وإطلاقه بكثافة أشد ، أو استهداف منشآت نووية غربية ، أو التحرك من خلال وسطاء مثل حزب الله ، أو حركة حماس ، أو المتمردين في العراق وأفغانستان و(الخليج ) . ومهما يكن ، فإن هجوم " ستكس نت " لهو نموذج مبكر للشكل الذي يمكن أن تتخذه المنازعات بين الدول في القرن الواحد والعشرين ، ووفقا لعدد كبير من المراقبين ، فإنه ربما لن يكون حدثا استثنائيا ، بل نموذحا متكررا سنراه مستقبلا .