تحول إعلان استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل إلي خبر مهم، وكأن الجميع قد نسوا فجأة ان المفاوضات المباشرة تجري منذ سنوات طويلة، وكأن المفاوضات هي الهدف وليست الوسيلة، ولم يسأل أحد ما النتائج المنتظرة لذلك؟!.. يسارع كثيرون إلي اسكاتك قائلين: "ننتظر خيرا إن شاء الله"! والمدهش في الأمر اننا لم نسمع عن أي تحول في المواقف يبرر الابتهاج باستئناف المفاوضات، بل إن العكس هو الصحيح. فالحديث الأكثر شيوعا لدي المحللين هو ان الفلسطينيين، ومن خلفهم العرب، ذاهبون الي هذه المفاوضات بسبب الضغوط الامريكية فقط، أي دون قناعة منهم بأن شيئًا إيجابيا في الافق ينتظرهم. وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ان الخلافات ما زالت قائمة بين الفلسطينيين وإسرائيل، حتي علي صيغة دعوة أوباما لاستئناف المفاوضات، المنتظر تدشينه يوم 2 سبتمبر المقبل في البيت الابيض بواشنطن، وبحضور الرئيس حسني مبارك، بدعوة من الرئيس الأمريكي باراك اوباما الذي وجه الدعوة أيضا إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن). وذكرت الصحيفة ان الفلسطينيين يطالبون بأن يكتب في الدعوة بان المفاوضات ستنتهي خلال سنتين، وأن تتعهد إسرائيل مسبقا بتجميد الاستيطان في المناطق أثناء المحادثات، وأن يكون هدف المحادثات هو الوصول الي اتفاق لاقامة دولة فلسطينية في حدود 67 وعاصمتها القدسالشرقية. بينما يطالب نتنياهو بان تتضمن دعوة البيت الأبيض صيغا غامضة فقط بموجبها تقوم المحادثات علي أساس قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة التي اتخذت بعد حرب يونيو 1967، كما ان إسرائيل تعارض القول إن هدف المفاوضات هو عودة إسرائيل إلي حدود 1967. وأرجعت الصحيفة استعجال واشنطن لبدء المفاوضات سريعا إلي تخوفات الإدارة الامريكية، التي يدعمها وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، من انه إذا لم تستأنف المحادثات حتي 26 سبتمبر - الموعد الذي ينتهي فيه تجميد بناء المستوطنات في المناطق الفلسطينية والذي كانت الحكومة الاسرائيلية قد قررته، فلن يكون ممكنا تحريك المحادثات علي الاطلاق بعد ذلك! وفي المقابل ذكرت مصادر فلسطينية ان ابو مازن حصل بالفعل علي ضمانات من الامريكيين بان غاية المفاوضات التوصل الي اتفاق بإقامة دولة فلسطينية مستقلة علي حدود 1967، وان الإدارة الأمريكية ستدفع بشأن تمديد تجميد بناء جزئي للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ونقلت تقارير صحفية عن مصادر فلسطينية استجابتها للدعوة الأمريكية تحت وطأة الضغوط، علي أمل أن يؤدي الاستجابة للمفاوضات المباشرة بممارسة ضغط دولي علي إسرائيل باعتبارها الطرف الجاني والمحتل. وكان هناك من يشاركني عدم التفاؤل في مجلة "فورين بوليسي" الامريكية، التي نشرت مقالا يشكك في جدوي استئناف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية. ودعي كاتب المقال ستيفين وولت إلي عدم الانخداع بالضجة الإعلامية التي احيط بها الاعلان عن قرب استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل. ويضع لذلك 3 أسباب، يشرحها كالتالي: "أولا، لا توجد اي مؤشرات علي أن الفلسطينيين مستعدون للقبول بما هو أقل من دولة قابلة للحياة، متماسكة جغرافيا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدسالشرقية، وصيغة سياسية من نوع ما (تكون بمثابة ورقة توت) فيما يتعلق بقضية اللاجئين. ثانيا، لا توجد اي مؤشرات علي ان حكومة إسرائيل مستعدة لقبول اي شيء يتجاوز "دولة" فلسطينية رمزية تشتمل علي مجموعة "كانتونات "متفرقة، تواصل فيها إسرائيل السيطرة التامة علي حدودها وفضائها وموارد مياهها وطيفها الكهرومغناطيسي الخ. ولم يتوقف نتناهو عن القول بان إسرائيل تنوي الاحتفاظ بالقدس كاملة، وربما علي وجود عسكري علي المدي البعيد في غور الأردن، وهناك 500 ألف مستوطن يهودي اسرائيلي يعيشون خارج حدود 1967، يواصلون بناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية. وذكرت الإذاعة العبرية علي لسان مسئولين إسرائيليين ان الترتيبات الامنية ستكون أول قضية تطلب إسرائيل بحثها في إطار المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين ، وأن إسرائيل ستطالب ببقاء غور الاردن وقمم الجبال المطلة عليه تحت سيطرتها لضمان مراقبة المجال الجوي الاسرائيلي، والتأكد من عدم تهريب وسائل قتالية وتسلل مقاتلين الي اراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. كما ستطالب إسرائيل بان تكون هذه الدولة منزوعة السلاح، وبان تستخدم الوسائل القتالية التي ستحصل عليها لاعمال قوات الشرطة فقط، وأن يحظر عليها عقد اتفاقات أمنية مع أطراف ثالثة. أما السبب الثالث الذي يذكره ستيفين وولت فهو عدم وجود أي مؤشر علي ان الإدارة الأمريكية مستعدة لبذل ضغوط مؤثرة علي إسرائيل. علي الجانب الآخر يري المتفائلون ما يعزز موقفهم، فيؤكدون علي حاجة الرئيس الأمريكي أوباما لتحقيق انتصار ذي مغزي في ظل تراجع شعبيته بالولايات المتحدة، وتدهور الأوضاع في أفغانستان والعراق. ويتحدثون عن أن إعلان الرئيس مبارك عن مشاركته في تدشين المفاوضات ربما يحمل إشارة علي جدية هذه المفاوضات وأنها ستؤدي الي شيء ما يستحق هذه الضجة المرافقة لها. ويمكننا أن نضيف إلي ذلك ما ذكرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن ان نتنياهو قرر ان يدير المفاوضات شخصياً أمام الفلسطينيين دون تشكيل طواقم في المرحلة الأولي بهدف التوصل إلي "اتفاق مبدئي" للتسوية. وقال المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، ألوف بن، إن نتنياهو يدخل المفاوضات كرئيس وزراء شعبي وأقوي ممن سبقوه الي المفاوضات، ايهود براك وإيهود أولمرت، ومن نقطة انطلاق أقوي. لكنه قال ان "التوقعات من المفاوضات لا تتجاوز الصفر، وغالبية الجمهور الإسرائيلي لا يهمها الفلسطينيين، وإنما تكتفي بالتهدئة الأمنية، وقلائل هم المعنيون بالعملية السياسية، ويعتقد هؤلاء الأقلية أن نتنياهو غير جاد في المفاوضات ويريد كسب الوقت فقط من خلال مفاوضات واهية". ويري المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس"، باراك رافيد، ان اعلان انطلاق المفاوضات المباشرة يعتبر بمثابة انتصار مرحلي لنتنياهو، بل ويصفه بأنه "أول انجاز سياسي له"، بعد عام ونصف العام من الجمود السياسي والعزلة المتزايدة لإسرائيل. ويبرر ذلك قائلا ان المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية ستستأنف في واشنطن، وفق الشروط التي أصر عليها نتنياهو، بعد تعرض اسرائيل لضغوط اوباما لاكثر من عام، إذ تحولت الضغوط الان باتجاه ابو مازن والفلسطينيين! لكنه قال انه رغم ذلك، فإن المفاوضات ستكون التحدي الحقيقي أمام نتنياهو عندما سيطالب باتخاذ قرارات حاسمة في القضايا الجوهرية، "وبعد الإعلان الاحتفالي في واشنطن عن تدشين المفاوضات سيكون علي نتنياهو لأول مرة تقديم موقفه في قضايا حدود الدولة الفلسطينية ومكانة القدس ومستقبل المستوطنات". وكان هناك في المعسكر الإسرائيلي من عبر عن تفاؤله الحذر، مثل جلعاد شار، الذي كان من مديري التفاوض في كامب ديفيد، والذي أكد في مقال له بصحيفة هآرتس أن اقامة الدولة الفلسطينية تمثل مصلحة لاسرائيل، وان علي الإسرئيليين أن يعوا ذلك جيدا، بعيدا عن خلافات اليمين واليسار. وطالب الحكومة الإسرائيلية بان تسارع الي اعداد خطة وطنية شاملة، تأخذ في حسابها دروس الانفصال عن قطاع غزة عام 2005، والاحتياجات المطلوبة لمواجهة الوضع الجديد مثل: تعزيز النقب والجليل، والاستيطان الأخضر، والعمل. وطالب باخلاء المستوطنين من الأراضي الفلسطينية علي نحو يحافظ علي كرامة المستوطنين. وأكد أن إجراء كهذا سيتحقق عبر انتخابات عامة أو باستفتاء للشعب يعرض سؤالا واحدًا فقط: هل تؤيد دولة يهودية ديمقراطية؟ أم دولة فلسطينية - إسرائيلية؟. وطالب جلعاد شار حكومة نتنياهو بإدارة المفاوضات مع الفلسطينيين بجدية تامة، حتي تسفر عن نتائج حاسمة تضع حدا للصراع العربي الإسرائيلي.