في فريق كرة وسميرة أحمد تحارب طواحين الهواء سمحت الظروف بمشاهدة عدد ليس قليلا من المسلسلات قبل بداية شهر رمضان، وأفضل هنا أن أتحدث عما أعجبني منها لعلني أفيد القارئ أوألفت نظره للعمل الجيد فيتابعه، وخاصة وأن السيء والمتوسط كثير جدا، ويمثل النسبة الأعظم مما يعرض علي الشاشة، وللعام التالي تقدم ليلي علوي مسلسل "حكايات وبنعيشها"وهو يضم حكايتين تستغرق كل منهما 15 حلقة فقط، الاولي باسم "كابتن عفت" تأليف د.محمد رفعت، وإخراج سميح النقاش، ومن المشاهد الاولي من الحلقة الاولي تستطيع أن تتبين انك أمام حالة فنية مختلفة، سواء في اسلوب تقديم الشخصيات، أو طرح أزمة عفت بطلة الحكاية، وكلما توغلت في الأحداث وتابعت الحلقات سوف تدرك أن الحكاية مش أزمة عفت السيدة الشابة المطلقة التي تسعي للبحث عن فرصة عمل، تساعدها في توفير متطلبات الحياة لأطفالها الثلاثة، ولوالدها المسن، سوف تكتشف أن المسلسل يتحدث عن مجتمع بحاله، بجميع أفراده وطبقاته، المثقف والفهلوي والبلطجي والضائع، الشريف والمرتشي والمدعي، الباحث عن الشهرة، والباحث عن النفوذ والباحث عن المال والباحث عن الأمان، والباحث عن فريسة والباحث عن الأمل، كل أنماط البشر "تقريبا"سوف تجدهم ابطالا في هذا المسلسل الذي تستطيع ببساطة أن تقول عنه "مختلف"! وهو وصف اطلقته البطلة"عفت" علي كابتن عادل رشدي أو "عابد الفهد" الذي التقته ومال قلبها له، دون أن تعرف لذلك سبباً، وكلما سألت نفسها عن سر جاذبيته كانت كلمة مختلف تقفز إلي ذهنها، بداية أن يكون العمل مختلفا عما تقدمه الدراما المصرية، فهي ميزة تحسب له، فلن نتحرك إلي الأمام إلا إذا حرصنا علي الاختلاف والخروج من مأزق طرح أفكار متشابهة ومكررة، بنفس الوسائل والصيغ الفنية المستهلكة، ثم أن التاريخ نفسه لايسجل الا التجارب المختلفة، في الآداب والفنون والعلوم أما الشخصيات المتشابهة التي لا تقدم جديداً، فهي تأتي للحياة وتذهب دون أن تترك أثراً.أما كابتن عفت فيصعب أن تسقط من الذاكرة وإذا تابعت الحلقة الاولي فسوف تسحبك للمتابعة وسوف تشعر بافتقاد شديد لابطالها وشخوصها عند انتهاء الحكاية! تجارب مختلفة في سعيها الدائم للبحث عن عمل مناسب تتعرض "عفت" إلي تجارب مختلفة وتلتقي بأشخاص ماكانت تتوقع أن تلقاهم، وكما وضعتها الظروف في مآزق لم تكن في الحسبان، منحتها فرصة لم تكن أيضا في الحسبان!وذلك عندما تلتقي بوزير الشباب وتشرح له أزمتها في مؤتمر عام، تحضره جميع وسائل الإعلام، ويعدها الوزير بحل مشكلتها وتوفير فرصة عمل لها، بعد أن أخبرته بأنها خريجة تربية رياضية وعاطلة منذ خمسة عشر عاما وتعول أسرة من ثلاثة اطفال وأب كبير السن، ويتم تعيين عفت مدربة لياقة بدنية بنادي الشهداء، وهو ناد يقع في منطقة شعبية، ولاهم لمديره سوي جمع اصوات الناخبين من اهل الحي، أما أعضاء الفريق الرياضي فهم مجموعة من الشباب المحبطين الذين اعتادوا الفشل واعتاد عليهم، ومشاكلهم الإنسانية يصعب حلها أو حصرها !وفوق كل هذا تلتقي عفت في هذا المكان الشعبي المفرط في الفقر والعشوائية والهمجية بالرجل الوحيد الذي مال قلبها له"عادل شاهين"وهو لاعب كرة سابق كانت له آمال عريضة ولكن إصابته أقعدته وسرقت أحلامه وهدت حيلة وحولته إلي أشلاء انسان ولولا تعلقه بابنته الوحيدة "إيمي سمير غانم" لكان فكر في الانتحار! تتحول عفت إلي طوق نجاة لأعضاء الفريق، وتسعي للخروج بهم من الازمة والحقيقة انها كانت تسعي لإنقاذ نفسها ولتثبت للجميع انها قادرة علي النجاح حتي لو في مهمة أبعد مايكون عن عالم النساء !وهي مهمة تدريب فريق كرة قدم رجالي ! هذا الكم من الأزمات والقضايا التي يطرحها المسلسل كان يمكن أن تغري الكاتب بتقديم وليمة ميلودرامية، إلا أنه سلك طريقا آخر وغلف الأحداث بغلالة رقيقة من الكوميديا الراقية الممزوجة ببعض الشجن! واستطاع المخرج سميح النقاش أن يخلق عالما بصريا مميزا، لكل حالة إنسانية علي حدة، كما يحسب له دقة اختيار فريق العمل وخاصة الاطفال وأعضاء الفريق الكروي "المتدين، المتسيب، المعوق المريض والمغرور" بالإضافة إلي القدير "أسامة عباس" في دور والد كابتن عفت، بكل مايحمله من عاطفة جياشة لابنته وأطفالها الثلاثة، أماعابد الفهد فهو مفاجأة المسلسل ورغم "معافرته" لإتقان اللهجة المصرية علي طريقة سكان البيئات الشعبية، إلا أن قدراته لم تخذله إلا في حالات نادرة، ولكنه يقدم أداء يمكن وصفه بالعبقرية في لحظات الصمت أو الألم المكتوم، عندما تعجز الكلمات عن ترجمة مايجيش به الصدر، الترجمة الصادقة لفن التمثيل الذي لا يحتاج إلي تشويح بالأيدي أو بانفعالات زائدة أو حركات عصبية للوجه أو الجسم، فن اختزال عشرات المعاني في نظرة عين أو ابتسامة تخشي أن تكتمل!الحرفة في أفضل معانيها، وتصل ليلي علوي في هذا المسلسل إلي درجة عالية جدا من الصدق الفني وتقدم حالة يصعب أن تنافسها فيها ممثلة أخري، وهي تثبت للعام الثاني علي التوالي أنها تسعي دائما للبحث عن الجيد والمتميز، حيث تأخذ الخطوة الأولي ثم يتبعها الآخرون! مشاهدة عالية يحظي مسلسل ماما في القسم بنسبة مشاهدة عالية ملحوظة، فمعظم العائلات التي أعرفها والأصدقاء والمعارف يحرصون علي متابعات حكايات الست فوزية مع أولادها وجيرانها وكل من يوقعه حظه العثر في طريقها، يقدم يوسف معاطي معالجة جديدة وعصرية عن عقوق الأبناء وجحودهم، والأزمات المتراكمة بين الآباء والأبناء التي تحدث جفوة وفجوة يصعب تجاوزها، حتي تصل إلي حالة من العداء المقيت، ولاتسأل من الذي بدأ الخصومة الأم التي كانت تقسو علي أطفالها وتخشي عليهم من الضياع في الغربة أم الأبناء الذين لم يتذكروا لها أي فعل طيب أو لحظة حب! صدام الست فوزية الدائم ورغبتها المستمرة في القضاء علي كل عيوب المجتمع والبشر يجعلها مثل دون كيشوت الشاهر سيفه لمحاربة عدو وهمي! لا تعرف ان كان عدوها هو التسيب أم الإهمال أم الفساد أم قلة الضمير وفساد الذوق؟ وفوق هذا كله ترمي الظروف في طريقها رجلا جاء من زمن آخر هو الأستاذ جميل مدرس اللغة العربية "محمود يس" الذي كان يوما صديقا ومعلما لأطفالها، ويصيبه الدهشة من كم القسوة التي اصبحت عليها"فوزية" فيسعي لإصلاح ما أفسده الدهر وإعادة شمل الأسرة التي كانت يوما ما سعيدة! اختلاف طبقي حكاية أسرية، وأحداث يمكن ان نجدها في بيوت كثيرة علي اختلاف الطبقة التي تنتمي اليها، القسوة والعنف وافتقاد التفاهم بين أبناء الأسرة الواحدة، غلبة المصالح علي العواطف، أزمة يعيشها الكثيرون، ومع ذلك فالمسلسل اختار كوميديا الموقف والمفارقات التي تنشأ من اختلاف أسلوب كل شخصية في معالجة أزماتها، ويشهد العمل مشاركة مجموعة من النجوم الكبار سميرة أحمد، محمود يس، عمر الحريري وأسامة عباس ومجموعة أخري من نجوم مرحلة الوسط ياسر جلال وأيمن عزب ورانيا فريد شوقي، بالإضافة إلي نجوم جدد "لانج" مثل المطرب أحمد فهمي الذي يبدو ان موهبته في التمثيل سوف تتخطي موهبته في الغناء، وميرهان حسين في دور ابنة الأستاذ جميل بالإضافه إلي عبد الباسط حمودة في دور المطرب الشعبي متواضع الثقافة الذي يحقق نجاحا ساحقا يجعله في وضع مادي مميز في وقت قياسي فيطمح في القفز من طبقته الشعبية إلي طبقة اجتماعية غير مهيأ للتعامل معها دور خلق لعبد الباسط حموده بعد نجاح اغنيته "أنا مش أنا"! أفضل أدواره وكنت قد قرأت حوارا صحفيا لمحمود يس يذكر فيه أنه سعيد بدوره في مسلسل ماما في القسم وبشخصيته كما كتبها السيناريست يوسف معاطي وهي المرة الأولي "علي حد قوله" التي لم يضطر للتدخل فيها في النص!ولا أعرف كيف فات هذا التصريح علي المحرر الذي كان يجري الحوار؟ وكيف أنه لم يدرك ان مايقوله الفنان الكبير يعد خروجا علي كل الأعراف الفنية ! فليس من حق أي فنان مهما كانت قيمته وتاريخه الفني أن يتدخل في نص فني كتبه شخص آخر؟ وإذا قلنا إن الفنان وجد ثغرات في النص"من وجهة نظره" فلماذا لا يعتذر بلباقة ولياقة ويبحث عن نص آخر يناسبه! ثم أن المسلسلات التي تدخل فيها الأستاذ محمود يس بالحذف أو الإضافة كان مصيرها الفشل، ولم تحقق له ولا لغيره أي قدر من النجاح وفي السنوات الأخيرة لم أتابع عملا جيدا للفنان محمود يس سوي مسلسل "سوق العصر" من ستة أعوام تقريبا، وأعتقد أنه لايمكن أن يكون قد تدخل في نص كتبه محمد جلال عبد القوي، ثم "ماما في القسم" الذي اعترف بنفسه أنه لم يخط أو يغير فيه كلمة واحدة! ولذلك جاء من أفضل أدواره وأكثرها رقيا، وأعتقد أن أكبر مصائب الدراما المصرية هي هذا التدخل المقيت من النجوم في أعمال الغير "السيناريو الإخراج، المونتاج" بحجة الحرص علي العمل! وهي حجة أهدرت وأفسدت عشرات الأعمال التي كان من الممكن أن تكون جميلة! وهو ماوصل بالدراما المصرية إلي هذه الحالة المذرية التي نحاول جميعا أن نخرج منها والحمد لله أن الحال هذا العام أفضل من سابقه حيث نتابع بعض الأعمال الجيدة، هي قليلة ونادرة ولكن أفضل من سنوات مضت كنا فيها في حالة أكثر سواء وارتباكاً وانهياراً! مسلسلات رمضان حالها عجب.. كابتن عفت تختصر الوطن في فريق كرة وسميرة أحمد تحارب طواحين الهواء