في وقت يعتقد فيه الكثيرون أن النساء اقتحمن بجرأة مهنة الصحافة في الوطن العربي وأنهن يحظين بالمساواة التامة مع زملائهن الرجال، وفي تقرير نشر في عام 2004 اتضح أن عدد الإعلاميات العربيات أقل بكثير من عدد الإعلاميين بحيث لاتتعدي أفضلها الثلث كما في تونس، إذ بلغ عدد الصحفيات التونسيات 37% و30% في لبنان و5% في فلسطين، بينما تقل كثيرا أعداد الصحفيات في بلدان الخليج، ففي الكويت لا تتعدي نسبة الصحفيات 10% وفي قطر 8% .ويرجع ذلك إلي أن هناك تحفظا من ناحية المبدأ علي مشاركة المرأة في العمل الإعلامي؛ وهو ما أدي إلي عزوف النساء عن هذه المهنة. ويشير التقرير إلي أن القرار الإعلامي دائما ما يكون في يد رجل وإن كانت هناك عدة استثناءات مثلما حدث في الأردن عندما تولت امرأة رئاسة تحرير جريدة مقابل ثلاثة عشر رئيس تحرير من الرجال، وبالطبع تجدر الإشارة إلي أن الوضع في مصر يختلف إلي حد كبير، وإن كانت هناك بعض المشكلات المشتركة، لكننا نركز في هذا التقرير علي الصحفيات في بقية الدول العربية. في إبريل الماضي أطلقت الصحفيات في العالم العربي وإيران حملة تهدف إلي تمكينهن من الحصول علي مواقع قيادية داخل نقابات الصحفيين في العالم العربي وإيران. وتم إطلاق هذه الحملة خلال لقاء إقليمي عقد في تونس كشف عن أن نسبة تمثيل النساء في الهيئات النقابية تتراوح حاليا ما بين 0% في الجزائر ولبنان وفلسطين إلي33% في تونس و 26% في المغرب. وقد اختتمت أعمال اللقاء بتبني توصية بإطلاق حملة عبر المنطقة تعتمد علي خطة عمل من ثمان نقاط تشجع النساء الصحفيات علي الانخراط في العمل النقابي وفي العمل للوصول إلي صناعة القرار داخل النقابات من خلال التدريب والحملات الإعلامية ومجموعات الضغط. وهناك مايشبه الإجماع علي تعرض الصحفيات في الدول العربية لضغوط ومشكلات تختلف عما يواجهه زملاؤها من الرجال، بحيث تؤثر ظروف كل دولة ومكانة المرأة فيها وقدر الحرية التي حصلت عليها في تحديد نوعية وكم هذه المشكلات . وربما تكون العراق النموذج الأبرز في التحديات التي تواجهها شرائح المجتمع ككل وليس فقط العاملين في مجال الإعلام، وإن كان الصحفيون بطبيعة الحال هم الأكثر احتكاكا وتعرضا للمخاطر بحكم طبيعة عملهم . وتعاني الصحفيات العراقيات بشكل خاص من مجموعة من المشكلات حيث يؤكدن احتكار الرجال لمهنة الصحافة وتعرضهن للكثير من المخاطر الأمنية إضافة لمعاناتهن من النظرة المتدنية لعمل المرأة في الصحافة مما يضطر بعضهن لإخفاء حقيقة مهنتهن . فتؤكد سها الشيخلي إحدي الصحفيات العراقيات أن الظرف الأمني غير المستقر يلقي بظلاله علي المشهد الحياتي ككل في العراق وخصوصًا علي عمل الإعلامية لما تتطلبه مهنتها من تواجد في أصعب وأحلك الظروف، كما ان النظرة المتدنية لعمل الصحفية من قبل فئات كثيرة في المجتمع، تجعلها تتعمد اخفاء مهنتها عن جيرانها فتقول إنها تعمل في وزارة الثقافة او في سلك التدريس. وتؤكد أن هناك الكثير ممن لا يتفهم طبيعة العمل الصحفي من حيث الاضطرار الي التأخير احيانًا وفق مقتضيات العمل، والواقع الذي افرزته تغيرات ما بعد عام 2003 ضاعف حجم المشكلة بدلاً من حلحلتها باتجاه تعزيز مكانة الاعلامية وخلاصة القول ان مهنة الصحافة في العراق لا تزال مهنة يحتكرها الرجال . وتضيف : بصراحة يمكن القول إن واقع الصحافة العراقية يتأرجح ما بين الايجابي والسلبي، أي ان هناك عدم استقرار في المشهد الصحفي الحالي، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن هناك فيضًا من الحريات التي تمتع بها الإعلاميون بعد سقوط نظام صدام حسين . لكنها تؤكد أن هناك نساء غير مؤهلات لاستلام أي مسؤولية تناط بهن، لذلك كانت صورة المرأة في البرلمان ضعيفة واثرت في صورة المرأة العراقية في ميادين اخري . وتؤكد أنه لذلك لانملك مع الأسف رئيسة تحرير بسبب النظرة القاصرة للمرأة من قبل الرجال من مدراء التحرير والذين لايمتلكون الشجاعة الكافية من أجل أن يسلموا مهام العمل الي امرأة، ناهيك عن صعوبة الظرف الراهن الذي يصعب فيه علي المرأة احيانا أن تلبي احتياجات العمل وظروفه غير المستقرة، والسبب الأهم من ذلك هو أن النزعة الذكورية لاتزال تحبط تسليم المرأة أي امتيازات أو مناصب ادارية في التحرير. في فلسطين لايختلف كثيرا وضع الصحفيات عن زميلاتهن العراقيات، فكلاهن تعاني من الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تلقي بظلالها بالطبع علي مهنتهن، فالصحفيات الفلسطينيات يواجهن الصعوبات التي يواجهها أي صحفي فلسطيني مثل الرقابة الدينية والاجتماعية والسياسية أو خطر القتل علي يد إحدي الفصائل أو بالنيران الاسرائيلية او القيود علي الحركة والانتقال والأجور المتدنية وغيرها. تقول الفلسطينية فاطمة برقاوي التي عملت من قبل صحفية انها واجهت كثيرا من العقبات في مجال عملها الذي يهيمن عليه الرجال. وتوافقها في الرأي زميلتها آلاء شطارة مضيفة أن الصحفيات عليهن ان يبذلن جهدا كبيرا لإثبات مصداقيتهن. وتؤكد آلاء أن ذلك يشكل عبئا علي كاهلها لتحافظ علي العادات والتقاليد اللغوية المتعارف عليها في المجتمع الفلسطيني . وبينما تناقش معظم منتديات حقوق النساء في فلسطين الضغوط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها الصحفيات فإن الكثيرات يولين اهتماما أكبر بمسألة أكثر إلحاحا هي الفكرة العامة عن الصحفيات باعتبارهن غير صالحات للحياة الزوجية بسبب ساعات العمل الطويلة وضغوط العمل الكثيرة . ولأن معظم النساء ما زلن يتمسكن بفكرة الادوار التقليدية لكل من الرجل والمرأة فإن النظرة غير المحبذة لعمل النساء في الصحافة قد تظل اكبر التحديات التي تواجه الصحفيات الفلسطينيات. وتمثل تجربة الصحفيات السعوديات تجربة فريدة في ظل اختيارهن لمهنة تتطلب قدرا كبيرا من الاختلاط والتنقل وسعة الفكر في مجتمع مازال يفرض الكثير من القيود علي المرأة وهو مايشكل أبرز المشكلات التي تعاني منها الصحفية السعودية بالإضافة لرفض رجال الدين التعامل معهن . والغريب هو انتشار ظاهرة مهاجمة الصحفيات السعوديات من خلال منتديات الإنترنت بسبب آراء بعضهن التي توصف بأنها مخالفة لتقاليد الدين والمجتمع . وتؤكد مجموعة منهن أنه في الوقت الذي تكافح فيه الصحفيات السعوديات من أجل حقوق الغير عبر كتاباتهن الصحفية، تتعرض حقوقهن الخاصة للانتهاك منذ سنوات . ويمثل انخفاض الرواتب وانعدام أجور النقل والضمان الصحي والتدريب أكبر الانتهاكات التي تعاني منها الصحافيات والعاملات في المجال الإعلامي بالسعودية، ففي الوقت الذي تكسب فيه الصحافية ما بين ثلاثة إلي خمسة آلاف ريال سعودي في الشهر تقريبا، يكسب نظراؤهن في المهنة من الرجال ضعف هذا المبلغ أو أكثر. الصحفية السعودية ناهد باشطح تري أن من أهم الصعوبات التي تواجه الإعلامية السعودية هي عدم تقدير الصحفية لذاتها وعدم وجود المبادرة لديها, وعدم وجود الدعم الاجتماعي من الأسرة والزوج، وضعف المهارات المهنية لديها، وقلة الدورات التدريبية. مشيرة إلي تقبل المجتمع للإعلامية السعودية رغم اتهام البعض منهن بالسطحية، مرجعة ذلك إلي وجود مجموعة من الصحفيات غير المؤهلات للعمل الصحفي. كما تنتقد عددا من المؤسسات الإعلامية غير المهتمة بتدريب الصحفية السعودية، وتقول إن بعض المؤسسات الصحفية لا تلتزم بقانون المؤسسات الصحفية مثل تشغيل صحفيات أعمارهن تقل عن 20عاما، بالإضافة إلي أن هناك بعض المؤسسات توظف إعلاميات غير حاصلات علي الشهادة الثانوية، أو يكون لديهن خبرة لا تقل عن خمس سنوات . وفي اليمن لايشكل الوسط الصحفي عامل جذب بالنسبة للمرأة اليمنية بسبب العادات والتقاليد، حيث يبلغ عدد الصحفيات المسجلات كعضوات في الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين اليمنيين (104) صحفيات من اصل (882 ) صحفيا . وتعتبر الصحفية اليمنية وداد البدوي أن أهم ما يعيق عمل الإعلاميات هو وجود سلطة ذكورية علي قمة هرم صناعة القرار الإعلامي. وتؤكد ذلك بما حدث معها مؤخراً في صحيفة محلية، حيث تعاملت من قبل مع صحفيين لا يؤمنون بقضايا المرأة. ووجدتهم دائماً يتعاملون معها بانتقاص حتي علي المستوي المادي كما تقول. مشيرة إلي أنها قد تجد زميلاً أقل كفاءة وإنتاج غير أن رصيده المادي أعلي. أما الصحفية الأردنية سهير جرادات الحاصلة علي جائزة الحسين للإبداع فتعتبر أن من أبرز المشكلات التي تواجه الصحفية الأردنية قد لا يكون التمييز في الأجور، لكن ما تتعرض له الصحفية الأم من تمييز يتمثل بعدم تسهيل حصولها علي إجازة أمومة طويلة مدفوعة، أو منحها دواماً جزئياً مرناً وتوفير دور حضانة في المؤسسات الإعلامية ليسهل مهمتها كأم . ولا تنكر أن من أهم الصعاب التي تواجه المرأة الصحفية في الأردن هو عدم إدراجها وطرحها ومحاربتها في الوصول إلي مواقع صنع القرار الاعلامي ، ومزاحمة الزميل الرجل لها بذلك، بل وقد يصل الأمر لإعلان الحرب عليها، وتنظيم حملة ضدها تمثل الصراع الذكوري وهيمنته علي المواقع العليا الإعلامية ، علما بأن بالأردن وصلت امرأة صحفية الي مقعد برلماني عن طريق التنافس وليس عن طريق الكوتة النسائية . أما رئيسة مركز الإعلاميات العربيات الأردنية محاسن الإمام فكانت أول امرأة أردنية تتولي منصب رئيس التحرير في جريدة أسبوعية عام 1996 . إضافة الي كونها أول امرأة تنتخب لمجلس نقابة الصحفيين الأردنيين عام 1997 . تقول محاسن: قمنا بتأسيس المركز بهدف إيجاد مظلة للإعلاميات العربيات ومن أجل المدافعة عن حقوقهن، وفي البداية دربنا إعلاميات أردنيات ثم توسعنا ليشمل دولا عربية في سوريا وفلسطين والعراق، وكان الهدف من ذلك معرفة المعوقات التي تعترض الإعلامية العربية، وتمكنا من التعرف علي مشاكل الإعلاميات العربيات في كل الدول واستطعنا أن نتوصل إلي بعض الحلول.وتضيف إن التحديات تختلف من دولة لأخري إلي حد ما بحكم طبيعة العادات والتقاليد في كل بلد، لكن التحدي الأكبر هو التحدي الاجتماعي الذي يختلف أيضا من بلد لآخر، مثلا هناك بعض العادات التي تتحكم بطبيعة عمل المرأة لا تجعلها رائدة في هذا المجال، فهناك رفض لعمل المرأة في أوقات متأخرة من الليل، كما لا تستلم مناصب متقدمة للصحيفة إضافة إلي أن تغطية الأحداث الساخنة تكون من نصيب الرجل. وتري الصحفية البحرينية لولوه بودلامة أن الصحفيات في بلدها لا يأخذن فرصهن في الدورات التدريبية بشكل كاف مثل زملائهم الرجال، إضافة إلي أن بعض القوانين والتشريعات تهملها، وإن أقرت بأنهن يتساوين مع الرجال في الراتب والمنصب. وتشير إلي ان كثرة مسؤوليات المرأة كونها أما ووقتها يتوزع بين بيتها وعملها، لا تعطيها الفرصة الكافية لإثبات وجودها كالرجل، لذلك قد تشعر بالظلم في الحصول علي المناصب العليا. وفي الكويت تري فاطمة العيسي عضوة مجلس إدارة نقابة الصحفيين الكويتيين أن مشكلة الصحفية تبدأ من المنزل والتفرقة في التربية بين الذكر والأنثي ولم يعالج التعليم هذه الفجوة، بالإضافة إلي الثقافة العامة في المجتمع، مما جعلها تتردد في العمل في الصحافة، فلا تقبل عليها بالشجاعة التي تقبل بها علي العمل كمعلمة. وتتفق المكلفة بالحريات في نقابة الصحفيين التونسيين نجيبة الحمروني مع فاطمة العيسي ، معتبرة ان المرأة في تونس، لا تعطي فرصة العمل في ميدان الصحافة السياسية أو المحلية أو أن تكتب افتتاحية، وعملها في أحيان كثيرة في الموضوعات الاجتماعية، وعليها أن تبذل جهدا كبيرا لإقناع رئيس التحرير بدورها. وتضيف الحمروني ان المرأة في تونس تصل إلي مراتب عالية كتولي رئاسة التحرير لكنها لا تمارس مهامها فعليا فالرجل هو الذي يأمر وينهي بالإضافة إلي غياب حرية التعبير التي يعاني منها الصحفيون والصحفيات. وتطالب العيسي والحمروني وبودلامة بمنح المرأة المزيد من الحريات والدعم لتكون صاحبة قرار وليتقبل المجتمع هذا الدور،لأهمية وجود الصحفيات بالإضافة إلي دعمهن في التدريب ومساواتهن مع الرجل في الراتب. وقد وصلت نسبة الصحفيات الكويتيات في النقابة إلي 25% من أعضائها، وحصلت المرأة التونسية في الدورة الأخيرة علي ثلاثة مقاعد من تسعة في مجلس النقابة، ووصلت في البحرين إلي مقعدين بانتخاب «دون كوتة». وتبقي الحاجة لمناقشات جادة واسعة لبحث واقع الصحفيات العربيات وتحديد أبرز التحديات التي تواجههن والبحث عن أفضل الطرق لمعالجتها ومحاولة الاستفادة بالطاقات الكامنة لديهن والتي قد لاتجد طريقها للخروج وسط هذا الكم من العراقيل والقيود التي يفرضها عليهن المجتمع العربي.