كتب أسامة أحمد لست فى مقام التعليق على كلمة الرئيس المخلوع فقد نالت ما تستحق، بل أدعى أنها نالت أكثر بكثير مما تستحق. ولكن ما لفت انتباهى ودهشتى وودت فعلا لو أتيحت لى الفرصة لدراسته والتعليق عليه، هو أنه ما زال هناك بيننا مؤيدين ومريدين للرجل يهزهم كلامه ويثير شجونهم ويحرك عاطفتهم وإحساسهم بالذنب. وغنى عن القول أنى لا أقصد بكلامى المنتفعين والمتكسبين من وراء النظام السابق، فهؤلاء لا دهشة ولا عجب فى انتمائهم له وتعاطفهم معه، فهم إما قد زال سلطانهم بزواله أو أنه على شفا أن يزول وأضعف الأقوال أنهم ستتناقص مكاسبهم وفرص النجاح فى حياتهم وأعمالهم. ولا أقصد كذلك رجل الشارع البسيط المطحون الذى من العبث تصور وصول الأفكار إليه عن طريق الإنترنت والجرائد وعندنا نسبة أمية 40% وأمية "مقنعة" بين المتعلمين تقرب من 70%. والفئة التى أعنيها هى الوسطى بين الاثنتين السابقتين أو ما يطلق عليه اجتماعيا "الطبقة المتوسطة"، وأصحابها لهم قسط وافر من التعليم، ودخل يسمح بمستوى معيشى أعلى من المتوسط، ودرجة من الوعى تمكنهم من الاطلاع ومتابعة وسائل الإعلام محليا وعالميا والدخول على الانترنت (وبالمناسبة هى الطبقة التى تحرك السواد الأعظم منها مطالبا بالتغيير وإسقاط النظام ثم الإصرار على محاسبته). ووجه العجب والدهشة من استمرار هؤلاء على موقفهم "المتعاطف" بعد كل هذا الوقت، أنهم رأوا وسمعوا ولمسوا كل أنواع الفساد التى تكشفت خلال شهر ونصف فقط من التحقيقات، والبقية تأتى. ورغم أن نغمة التعاطف هذه موجودة منذ البيان الرئاسى الأول منتصف ليلة الثامن والعشرين من يناير، وبلغت ذروتها بعد الخطاب الثانى ليلة الثانى من فبراير، ورغم أنى لم أستطع أبدا فهم وجهة النظر أو الاقتناع بها، فقد كنت أقبلها فى ذلك الوقت – دون الاتفاق معها – باعتبارها رأيا مخالفا لقناعاتى وأيضا بدون تسفيه أو تخوين لأصحابه، بل كنت ألتمس لهم بعض العذر، فالبلاء كان عظيما وإزاحته كانت تتطلب عزما وجلدا أكبر مما قد يتوفر للجميع. أما الآن فلا أستطيع تفسير ما رأيته من تعليقات تعبر عن التعاطف والمساندة والندم والاعتذار،على مختلف المواقع التى نشرت الكلمة مسموعة أو مقروءة، والأعداد التى خرجت إلى ميدان مصطفى محمود أو أمام مبنى التليفزيون للتعبير عن تأييدها. وهى على قلتها وضعفها فى مواجهة الطوفان الهادر من الاستهجان والاستياء، فإنها لا زالت تثير الدهشة والاستغراب!!! فهل بعد كل ما نراه ونسمعه فى التحقيقات الدائرة فى مختلف المجالات، بقى هناك من الخطايا ما لم يرتكب؟ قتل ...تعذيب ...نهب مال عام ...استغلال نفوذ ... تهريب أموال ... تزوير. هل هناك ما يزال مستعصيا على الفهم فى تحديد المسؤولية عن كل تلك الخطايا؟ فماذا تفيد كلمة تتلى مهما كانت بلاغتها وصياغتها وطريقة إلقائها؟ (أما المضمون فقد خلت منه على أى حال، فالنائب العام لم يكن فى حاجة إلى هذا التفويض المزعوم وعنده حكم قضائى بتتبع تلك الأموال والأرصدة) وبماذا تفيدنا نظافة اليد والتاريخ العسكرى المشرف لرئيس تحته كل هذا الفساد المتغلغل رأسيا والمنتشر أفقيا فى كل جوانب الدولة ماليا وإداريا كما أنه امتد أيضا فى البعد الثالث لعقود وليس لأيام أو سنوات؟ أما أقوى حجج هذه الفئة على مخالفيهم أن الرجل لم يكن على علم بما يحدث، وأن من حوله كانوا يخدعونه ويستفيدون من مواقعهم دون أن يكون له يد فى ذلك من قريب أو بعيد، وبالطبع سأترك للقارئ تسمية الوصف اللائق برئيس هذه حاله. ولو سلمنا بهذه الحال فكم من الوقت كان يريدوننا أن نتركه وشأنه فى إصلاحها؟ فقد رأينا وزراء يتربحون ويسرقون لأكثر من عشرين عاما فى سدة الحكم ثم يتركون مواقعهم ليتم تكريمهم وليس عقابهم، ووزراء آخرون يقتلون ويعذبون الأبرياء ويلفقون لهم التهم، لأكثر من اثنى عشر عاما كانت مرشحة للزيادة. فكم من السنين كان يحتاج ليدرك ما يحاك حوله؟ ولو افترضنا أن الشعب دعاه للإصلاح فاستجاب واستطاع تغيير كل هذه البطانة الفاسدة حوله – وهو المستحيل بعينه – وأتى بغيرها، فكيف يضمن لنا أن تتغير حاله هو فيفيق ويراقب ويحاسب فلا يستغفله اللاحقون كما فعل به السابقون، وهو ما لم يفعله وهو أصغر عمرا وأمضى عزما. يذكرنى موقف هذه الفئة بالنكتة التى أطلقت منذ عدة سنوات، والتى بقدر ما اضحكتنى ابكتنى لما صورته من ماضينا المهين مع النظام السابق، ويتندر فيها المصريون على مدى قدرتهم على تحمل المشقة والعنت وحتى الظلم والإهانة والتى تقول: مرة واحد زعيم عايز يزود شعبيته فقال لرئيس الوزراء يغلى الأسعار فالناس تتضايق يقوم هو ينزلها، فعلا رئيس الوزراء زود الأسعار، بس الناس ما اتكلمتش، عادى خالص الزعيم استغرب قوى، وقاله: طب خلي الضرايب على المرتبات 50%. زود رئيس الوزراء الضرايب، الناس هزت دماغها وسكتت. الزعيم اتجنن وقال لرئيس الوزرا بص، طلع أي قرار غشيم من عندك يخلى البلد تولع، رئيس الوزرا عمل ضريبة اللي يعدى كوبري يدفع عشرة جنيه، الناس نفخت وضربت كف بكف ودفعوا، فقام رئيس الوزرا خلى اللى يعدى يدفع عشرة جنيه وهو طالع، وعشرة جنيه وهو نازل من الناحية التانية، الناس قالت اللهم طولك يا روح ... أمرنا لله ...ودفعوا. رئيس الوزرا كبرت فى دماغه، وأمر إن اللى يعدى بعد ما يدفع عشرة جنيه، وهو خارج من الكوبرى ياخد على قفاه، برضو مافيش فايدة الناس مستحملة. ونزل الزعيم بنفسه متنكر يتابع الموقف، الناس تدفع عشرة جنيه وهم طالعين الكوبرى، وعشرة جنيه وهم نازلين وتاخد على قفاها وتمشي..... !! شوية ولقى واحد بيزعق و متضايق، وطى على ودنه قال له "مالك؟" قال له "حاجة تقرف! ... أنا متعطل هنا بقالى خمس ساعات ... ما ينفعش كده ... لازم يزودوا الناس اللى بتدينا على قفانا خلينا نخلص ونروح بيوتنا"!!!!!..... آن الأوان أن نذهب لبيوتنا بكرامتنا غير منقوصة....