مرت بنا منذ أسابيع الذكرى الثانية لاستفتاء التعديلات الدستورية الأول يوم 19 مارس 2011، وجال بخاطرى أن هذا التاريخ حمل الشرخ الأول فى جسد الجماعة الوطنية المصرية التى توحدت يوم 28 يناير. أى أننا لم نستطع الإبقاء على هذا التوحد إلا أقل من خمسين يوما، حتى غلبت علينا شقوتنا وعدنا سيرتنا الأولى: "شعبٌ من المتعصبين". وهذه الشعور "المتعصب" يظهر فى أجلى صوره فى مجال الرياضة، وليزداد الأمر وضوحا، فمثلا: المشجع الأهلاوى فى الغالب يسعده جدا هزيمة الزمالك ولو أمام فريق من بلاد "الواق الواق"، وكذلك المشجع الزملكاوى ينام سعيدا قرير العين عندما يهزم الأهلى ولو أمام فريق من بلاد "نام نام"، والمشجع الاسماعيلاوى لا تسوؤه أبدا الهزيمة من أى فريق على وجه الكوكب، إلا إذا كانت أمام الأهلى فقد تجعله يموت هما وحزنا، وهكذا….. وهذا الشعور المَرَضى ليس مقصورا فقط على الرياضة كما يظن البعض، ولكنه فقط أكثر وضوحا. ولكنه موجود ومنتشر على نطاق واسع وبين شريحة كبيرة، لا ترتبط بمستوى علمى أو مادى. ومع ذلك لا ننتقده، بل نشجعه ونقويه ونربى أبناءنا عليه. فمثلا كلٌ منا مطالب بتأييد أخيه أو ابن عمه أو صديقه إذا كان مرشحا فى انتخابات، أو لشغل منصب كبير، أو بعثة علمية، إلخ. وهذا التأييد يجب أن يكون غير مشروط بمعنى أنه لا يجب أن تتدخل فيه معايير الكفاءة والأحقية والعدالة. ومن منا يستطيع أن يقولها لأخيه أو ابن عمه: "لن أستطيع مساندتك لإنى أرى منافسك أكفأ منك لهذا الترشيح"؟ أو أن يقول لصديقه الحميم: "إنك لا تستحق هذه المنصب"؟ وأين نذهب من تأنيب ومعايرة العائلات، وخذلان وانفضاض الأصدقاء؟ وعلى المستوى الأعلى يستمر أيضا هذا الشعور المَرَضى فمن نكرههم لا يستحقون أن يكونوا على القمة ولو كانوا الأكثر تنظيما واستعدادا. وكثيرون يتمنون العمى ولا يرون "فلانا" مقدما عليهم لا لشئ إلا كراهيتهم لشخصه أو لشكله أو لإسمه، ولا يهم كونه أصلح أو أولى، ولو جاءهم من يحبونه لكانوا أسعد حالا بصرف النظر عن كفاءته وقدرته. مع أن كلٌ منا يعترف أنه قد يحب أو يكره بدون أسباب، أو لأسباب غير موضوعية مثل الاستلطاف أو القبول أو الطيبة والاستكانة أو خفة الدم، ومع ذلك فكثيرون منا يأخذون بالحب والكره فى تحديد مواقفهم من النصرة والمساندة أو الخذلان والتثبيط. ولا أدرى ما الذى جعلنى أربط هذه الذكرى بمواقف مجموعات مشجعى الكرة المسماة بالألتراس، ولكن ما أدركته يقينا أن النقد والتأنيب الذى نواجه به تصرفات الألتراس "المتعصبة" لا يعدو كونه نوع من النفاق الرخيص، لأن هؤلاء الشباب ببساطة هم نتاج تلك التربية المتعصبة والممارسات البغيضة فى حياتنا اليومية. كيف نلومهم وهم يرون آباءهم وأجدادهم لا يستطيعون الاعتراف بهزيمة ولا يشدون على يد المنتصر متمنين له التوفيق؟ ولماذا نعاقبهم إذا اقتحموا ملعبا أو كسروا بعض المدرجات إذا كان الكبار العقلاء يدفعون بالحشود إلى الشوارع مع كل قرار خاطئ كبر أو صغر؟ هل نحن فعلا جادون فيما نطلبه منهم من الحفاظ على المرافق والممتلكات ونحن لا نكترث لأى من ذلك فى تجمعاتنا المشروعة للتعبير عن غضبنا المقدس الذى لا يجب أن يمنعنا عن حرية التعبير عنه أى شئ؟ هذه هى الرسائل والإشارات التى أخذها الشباب عن الآباء والأجداد، لا أجد فرقا أن يقول هؤلاء: هُزِمنا بسبب الحكام والأرض والجمهور والجو، أو أن يقول أولئك: هُزِمنا بسبب التزوير والإشاعات وسذاجة وجهل الناس، فى الحالتين هى أى أسباب أخرى غير الاعتراف بالتقصير والخيبة والفشل فى إيجاد البدائل. والمتعصبون لا يتمنون فقط الفوز على المنافس ولكنهم يتمنون زوال هذا المنافس من الوجود لأن رؤيته أو سماع اسمه هو مبعث الكدر والغيظ فى حياتهم. هذه الكراهية هى الابنة الشرعية للتعصب، ولا يجب أن يدعى أحد أنها نتيجة طبيعية للمنافسة، حتى لا يعطى عذرا مبطنا لنفسه ولغيره. وخطورة التعصب أنه يتناسب عكسيا مع التطور، فالمتعصب يركن دائما إلى غلبة الظروف وتخلى الآخرين عنه ودهاء الخصم وخداعه، فالأسباب كلها خارجة عنه وبالتالى فهو لا يبحث عن استكمال ما ينقصه من مقومات النجاح فهى كاملة دائما وهو مظلوم دائما. أما المتطور فهو دائم البحث عن الأفضل – فائزا أو مهزوما – حتى لو عند منافسيه لا يهم، يحاول أن يضع يده على ما ينقصه حتى لو أخفى ذلك عن الآخرين. فالمنافسة السوية لا بد أن ينتج عنها فوز وهزيمة، ولأنها منافسة سوية فيجب أن تعنى تطورا للفائز وللمهزوم معا، فإذا لم يتطور الفائز فلن يفوز مجددا وإذا لم يتطور المهزوم فسيبقى يتلقى الهزيمة تلو الأخرى، وإذا لم يتطور الاثنان بالقدر الكافى فقد يأتى فريق ثالث ليفوز عليهما معا، وهكذا ….. تكونت روابط الألتراس الرياضية قبل "ألتراس سياساوى" بأعوام لأن الحياة السياسية كانت فى موات قبل 2011، ومع ذلك أصبحت الأخيرة هى الأخطر والأعمق أثرا لأن تكوينها من الكبار المثقفين الواعين وما يفعلون ويقولون هو ما يعطى شباب الألتراس الدوافع والمبررات لاستمراء العنف والإساءة للآخرين، فدعونا لا نلوموهم ولنَلُم أنفسنا. عزيزى القارئ: اختبار بسيط: إذا اتفقت أو اختلفت مع فكرة المقال فأنت وذاك. أما إذا لم يشغلك من المقال إلا تحديد انتماء كاتبه فأنت واحد من هؤلاء المتعصبين، فرجاءً حاول أن تقرأ لتجد الفكرة فتقرها أو ترفضها بصرف النظر عن هوى الكاتب وميله.