أسعار النفط تتراجع عالميًا – الجمعة 20 يونيو 2025 بعد مرور أسبوع على اشتعال الصراع بين إسرائيل وإيران    عرض أوروبي ل«تفاوض شامل» مع إيران بنموذج «العراق 1991»    عاجل| إسرائيل تأمر بتكثيف الهجمات على طهران: استهداف رموز الدولة والنووي الإيراني ضمن أولويات الجيش    آرسنال يضع اللمسات الأخيرة على صفقة نجم سوسيداد    تموين الإسماعيلية يكثف حملات المرور على الصيدليات للتأكد من صلاحية ومطابقة الأدوية    بسمة بوسيل تطرح «ميني ألبوم» بعنوان «حلم» يضم 6 أغنيات (تعرف عليها)    رئيس جامعة الجلالة: نعمل وفق رؤية وطنية طموحة لوزارة التعليم العالي    برشلونة يعلن التعاقد مع أولى الصفقات الصيفية    ديلي ميل: ليفربول يخفض طلباته لرحيل نونيز.. ويختار بديلين    عراقجي يلقي كلمة أمام مجلس حقوق الإنسان وسط المواجهة الإسرائيلية الإيرانية    نار خبيز العيش امتدت لأسطوانة البوتاجاز.. إصابة سيدة في حريق بقنا    بالأسماء.. 8 مصابين في حادث بالبحيرة    إيران تبدأ هجومًا صاروخيًا وصفارات الإنذار تدوي في إسرائيل    شيرين رضا: "مبحبش الدليفري ومش باكل من برة البيت"    يارا السكري بفستان قصير ووردة حمراء.. الجمهور: إيه مواصفات فتى أحلامك    خطيب الجمعة بالأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    الحقيقة حول القهوة، هل هي مفيدة أم ضارة للصحة؟    حالة الطقس غدا السبت 21-6-2025 في محافظة الفيوم    نتيجة الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ في هذا الموعد    إصابة 5 أشخاص إثر تصادم ملاكي مع توكتوك في مسطرد بالقليوبية    تعاون بين «الطيران المدني» وشركات عالمية لتطوير البنية التحتية والخدمات الذكية    «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة إدارة الأزمات والتدخلات العاجلة    وسط هدم مزيد من المباني| جيش الاحتلال يصعد عدوانه على طولكرم ومخيميها بالضفة    أُسرة الشيخ أبو العينين شعيشع تُحيي الذكرى الرابعة عشر لرحيله بمسقط رأسه في كفر الشيخ الإثنين المقبل    مبابي خارج موقعة ريال مدريد ضد باتشوكا في كأس العالم للأندية    إزالة مزارع سمكية مخالفة بجنوب بورسعيد على مساحة 141 فدانا    ضبط 12 طن دقيق مدعم في حملات على المخابز خلال 24 ساعة    مجلس الاتحاد اللوثري: خفض المساعدات يهدد القيم الإنسانية والتنمية العالمية    إصابة 18 شخصا إثر انقلاب سيارة ميكروباص على طريق ديروط الفرافرة بأسيوط    طرح البوستر الرسمي لنجوم فيلم "أحمد وأحمد"    الشيوخ يفتح ملف التنمر داخل المدارس بحضور وزير التربية والتعليم    موقع عبري: مليار شيكل يوميا لتمويل الحرب على إيران    المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: واقع اللاجئين اليوم يتجاوز مجرد التنقل الجغرافي    دون تأثير على حركة الملاحة.. نجاح 3 قاطرات في إصلاح عطل سفينة غطس بقناة السويس    وزارة النقل: وصول أول قطار للخط الرابع للمترو مايو 2026.. ودراسة تنفيذ مراحل جديدة    أحمد سعد بعد تعرضه لحادث وتحطم سيارته: "أولادي وزوجتي بخير"    للأفضل أكاديميا.. إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025 (تفاصيل)    «لا مبالاة؟».. تعليق مثير من علاء ميهوب على لقطة «أفشة»    بسبب دعوى خلع.. الداخلية تكشف تفاصيل فيديو اعتداء سيدة على أخرى بالدقهلية    الصحة: فرق الحوكمة والمراجعة تتابع 392 منشأة صحية وترصد تحسنا بمستوى الخدمة    محافظ الإسكندرية يشهد فاعليات الحفل الختامي للمؤتمر الدولي لأمراض القلب    فيتسل: سعيد باللعب بعد 6 أشهر صعبة    طائرة في مران ريال مدريد استعدادًا لمواجهة باتشوكا    "القابضة لمياه الشرب" تعلن فتح باب القبول بالمدارس الثانوية الفنية    "التنمية المحلية × أسبوع" رصد أنشطة الوزارة خلال 13–19 يونيو 2025    وزير الدفاع الإسرائيلى: نواصل مهاجمة المنشآت والعلماء لإحباط البرنامج النووى لإيران    تشغيل مستشفى القنطرة شرق بعد تطويرها بتكلفة 400 مليون جنيه    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يشارك في احتفالية مؤسسة "دليل الخير"    رئيس وزراء جمهورية صربيا يزور المتحف الكبير والحضارة    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    محافظ أسيوط يوجه بتخصيص أماكن لعرض منتجات طلاب كلية التربية النوعية    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    البوري ب130 جنيه... أسعار الأسماك في أسواق كفر الشيخ    التشكيل المتوقع لمباراة فلامنجو وتشيلسي في كأس العالم للأندية    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صبحي موسى يكتب/ هدنة المحارب
نشر في الجريدة يوم 19 - 06 - 2012

يمكن القول إن المرحلة الانتقالية قد انتهت بنزول المصريين للتصويت في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، وبغض النظر عن فوز من فاز أو خسارة من خسر فيها فإنه قد آن الوقت للشعب المصري ونخبه المجهدة من الصراع على مدار ثمانية عشر شهراً أن تدخل في استراحة المحارب، لكنها استراحة للتأمل وإعادة تقييم الموقف، خاصة وأن الجميع قد أصابته الجروح، وفقد الكثير من أنصاره وإيمان الشارع به، وأن النتائج لم تكن كما كان يحلم بها، فالإخوان وهم الفصيل الأكبر على الساحة منى بضربة قاصمة بحل مجلسي الشعب والشورى، وخروجهم من فكرة التحكم في اللجنة التأسيسية، وهو ما يعني عودتهم إلى ما قبل عام من الآن، أما بقية القوى الثورية فهي لم تحصل على شيء، لا في مجلسي الشعب ولا الشورى ولا حتى في التأسيسية، وربما كان الشيء الوحيد الذي حصلوا عليه هو دخول حمدين صباحي في المشهد كمرشح للثورة، بينما حصل النظام القديم على أعلى أسهم له بعد الثورة بعام ونصف، ويكفيه وصول شفيق إلى المرحلة الأخيرة من التصويت، في حين بدا المجلس العسكري كما لو أنه اللاعب الأمهر بين جميع المتنافسين، لا لشيء سوى أنه كان الأكثر هدوءاً، والأطول نفساً، والمالك لشئون البلاد، لكن الحقيقة تقول إنه أيضاً لم يحصل على ما كان يتمناه، وهو وضع خاص في الدستور حسبما أوضحت وثيقة على السلمي في مادتيها العاشرة والحادية عشرة، التي مازالت محور الصراع بين الجميع حتى الآن.
بداية يمكن وضع عدة ملاحظات على الثورة المصرية، أولها أنها لم تنتهِ ولم تكتمل، حتى بفوز شفيق أو مرسي، وأن كل نتائج المرحلة الانتقالية تتمثل في أن أعلى تجليات الصراع بها دارت بين ممثلي النظام السابق، سواء من خلال رجاله أو من خلال معارضيه، فممثلي النظام السابق الذين درج المصريون على تسميتهم بالفلول كانوا جنباً إلى جنب مع أقوى تمثيل للمعارضة في ظل النظام السابق في جولة الإعادة، وهم الإخوان، ويمكن القول أنهم قادوا بمهارة ما يمكن تسميته بالثورة المضادة، بل إنهم استغلوا وجودهم في مفاصل الدولة المصرية لجعل الأمور محلك سر في أسوأ الأحوال، كما هو الوضع مع محاكمة مبارك والعادلي وعودة الأموال المهربة، وتطهير أجهزة الدولة منهم ومن ممثليهم، في حين نجحوا في الحصول على براءات رجال الشرطة وكأن الثوار ماتوا في الميادين قضاءً وقدرًا، أما الإخوان المتواجدين في الشارع المصري منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وكانوا شركاء في ثورة يوليو، ولعبوا دور الإله الضد على مدار ستين عاماً، جاءت التصفية معهم، لكنهم خسروا الكثير، بداية من فكرة الشهادة التي لعبوا عليها طيلة الوقت، مروراً بفكرة احترام الشارع لهم وتقديسهم لكل من يتحدث باسم الله، مروراً بأنهم كانوا وجهاً مماثلاً لعملة النظام وفلوله، وصولاً بفشل التيارات الدينية في تجربة الحكم في أهم وأكبر المعاقل الدينية في العالم وهي مصر التي تأسست فيها جماعة الإخوان في الأربعينيات، والتي خرجت منها جماعات التكفير والهجرة والجماعة السلفية والجهاد والفنية العسكرية، والدعوة والتبليغ وغيرها من الجماعات التي خرجت من رحم الأخوان وانشقت عليهم، وكأن دخولهم تجربة الحكم في مصر لم يكن لها هدف غير الإعلان العالمي بفشل تنظيم الإخوان المسلمون العالمي في التوافق فكرياً وعملياً مع متطلبات الواقع الراهن.
الملاحظة الثانية أن دخول حمدين وأبو الفتوح ليس سوى تمثيل غير شرعي للثورة المصرية، مثلهم مثل الإخوان، لأن أي منهم ينتمي إلى فكر النظام القديم بشكل أو آخر، ومن ثم فالإجماع عليهما لم يكن مكتملاً، لكنه كان الأقرب إلى الواقع في ظل غياب ممثلي الثورة الحقيقيين، وقد سقط أبو الفتوح بترشيح السلفيين له، وانتهت ورقته بإعلانه بعد هزيمته ترشيحه لمرسي، أما حمدين فقد خسر الكثير من أنصاره برفضه لنتيجة المرحلة الأولى بعد خسارته، خاصة وأنه قبل الدخول على الأسس الانتخابية التي وضعها العسكر، لكنه رفضها بعدما انتهت بخروجه منها، أما عمرو موسى الموشك على الثمانين من عمره والممثل للدولة القديمة في شيخوختها وبيروقراطيتها الفجة فإنه بخسارته أقر بخروجه نهائياً من اللعبة السياسية للأبد، في حين عادت إلى الحياة ورقة محمد البرادعي بعدما ثبت صدق مقولاتها، وثبات صاحبها على موقفه الرافض لشروط اللعبة، ليبقى بمثابة المرشد العام للثورة، أو رمز الحكمة في الثورة المصرية، خاصة وأنه الليبرالي الوحيد الذي لم ينس أن هذه ثورة الشباب، وأنه لا يجب تنميط ثورتهم حسب أي كتالوج سابق، فضلاً عن أنه رفض الدخول في فتنة الديمقراطية المشبوهة تحت غطاء الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، رغم أنها ديمقراطية ظهرت للوجود بفضل ثورة شعبية شبابية كبرى، وأنها تحتكم إلى أهداف الثورة وليس الأجواء المعادية لها.
الملاحظة الثالثة أن الذين ذهبوا للتصويت في جولة الإعادة لم يذهبوا إيماناً بمشروع معين، فقد سقطت مشروعية الفلول والنظام القديم، مثلما سقطت مشروعية الإخوان في اختبارات مجلسي الشعب والتأسيسية وأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، ومن ثم فقد ذهب الجميع بحثاً عن هدنة يمكن فيها تقديم مساعدات لوجستية للفقراء والبرجوازية الصغيرة الباحثة عن الاستقرار وتسيير الأحوال، ومن ثم فالدولة المصرية ككل بلا مشروع حتى الآن، وليس لدى أبنائها هدف غير الوصول إلى ما كانت عليه الأحوال الاقتصادية قبل الثورة، لكن مخيلاتهم أصبحت محملة بالعديد من الآمال والطموحات، سواء التي أفرط الثوار في المطالبة بها، أو التي أطلقها المرشحون عبر مغازلة الناخبين، وليس أمام الجميع الآن سوى أن يحلم بالأمن وعودة مصادر الرزق في انتظار رفاهية الثراء السريع.
أما رابع الملاحظات فهي أن المربع صفر لم ينته بعد، فثمة معركة تكسير عظام أخيرة بين العسكر والإخوان، معركة يحشد لها الجميع أعوانه وأنصاره، وهي معركة الوجود، فالعسكر يبحثون عمن يمكنهم من وضع خاص في الدستور، ويدرسون كيفية اختيار اللجنة التأسيسية بما يضمن البندين العاشر والحادي عشر في وثيقة السلمي، في حين يتخوف الإخوان من النظر في قضية مدى قانونية حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، وهي الضربة التي تنهي على وجودهم بشكل قانوني في الشارع المصري، أو تبقي على آمالهم في اللعب كقوة منظمة، وبتعادل احتياج كلا الطرفين سواء العسكر أو الإخوان فإن المربع صفر مازالت به نقاط قابلة للتقاطع بين كلا الفريقين، الإخوان والعسكر.
قد يحدث بين العسكر والإخوان اتفاق يحفظ للأول وضعاً دستورياً لائقاً، وللجماعة حضوراً شرعياً بشكل قانوني لائق، وهو اتفاق ما نسميه لعبة المساكة أو (سيب وأنا أسيب)، وفي هذا الحال يصبح سيناريو الوضع الباكستاني هو المرشح للتطبيق في مصر، وهو ما نعتقد أن العالم أجمع لن يسمح به، وهو ما يتناقض مع تصريحات العسكر الدائمة ( الدولة المدنية خط أحمر).
أو أن يحدث اتفاق بين العسكر والقوى المدنية للإطاحة بالإخوان نهائياً من اللعبة عبر آليات القانون التي اعتدنا استعمالها في مصر، وذلك عبر صدور قرار المحكمة الإدارية العليا بعدم قانونية حزب الحرية والعدالة لأنه قائم على مرجعية دينية، وهو الاتفاق الذي يضمن إقامة دولة مدنية على نحو تركي، يحتفظ فيه العسكر لأنفسهم بوضع فوق دستوري، لكن هذا الاتفاق تواجهه العديد من المخاوف، إذ أن الإخوان بعد فقدانهم للبرلمان والتأسيسية لم يبق لهم غير الحزب، بما يعني أنهم سيتحولون إلى مليشيات غاضبة في الشارع، فضلاً عن العسكر يؤمنون بالحكمة العسكرية القائلة " لا تضيقوا على الجبناء".
أما الاتفاق الثالث فقد يحدث بين الإخوان وبقية القوى الوطنية، وهو ما يعيد الجميع إلى المربع صفر، فالعسكر والفلول في خندق وباقي القوى في خندق آخر، وهو اتفاق يعني العودة إلى الثورة من جديد، لكن هذا الاتفاق أصبح مهدداً بدخول شفيق إلى السلطة، لأنه ظاهرياً سيكون مسئولاً عن السلطة، ولدى الإخوان الأمل في تنظيم صفوفهم والفوز بباقي الكعكة المصرية كما يحلمون من ستين عاماً، ومن ثم فلن تسمح لهم أنفسهم بأن يكونوا كباراً ويحققوا تآلفاً لم يستطيعوا تحقيقه على مدار أيام وشهور الثورة مع إخوانهم الأقل عدة وعتاداً، وفي ظل استمرارهم على هذا الانفراد بالوجاهة والحكم فإنهم سيتم حرقهم ثقافياً، إذ أنه لا القوى المدنية ولا العسكرية ولا بقايا النظام القديم ولا حتى المجتمع الدولى ستسمح لهم بالنجاح، مما سيخلق أزمات إثر أزمات في الشارع المصري، ويضعهم في صعاب من فوق صعاب، وهو المصير الأسوأ سواءً لهم أو لمن حلموا بالاستقرار وعودة الأمور إلى مجاريها والثراء السريع في ظل الدولة الجديدة.
المحصلة أن الجميع يحتاج إلى هدنة لمراجعة النفس وحساب الخسائر والمكاسب، وهو ما يرجح سماح العسكر بنجاح مرسي، وربما تأجيل النظر في قانونية الجماعة وحزب الحرية والعدالة، لكن هذه الهدنة مرهونة بمدى التوافق الممكن بين العسكر القابضين على مقاليد اللعبة السياسية والقانونية والتشريعية في البلاد مع القوى المدنية، أو التيارات الدينية، أو مدى ما يمكن أن تكون عليه حكمة الأطراف المهزومة في ظل إعلان دستوري ينزع من الرئاسة المصرية لذة الوصول إليها، ويجهز البلاد للانقلاب عسكري على كل شيء، فلا يكون اتفاقاً بين أي من القوى السياسية ولا حتى وجود لأحد سواهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.