محمود الوردانى علي عكس الكثيرين ممن فاجأتهم نتيجة الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية، لم أشعر بالاكتئاب أو الصدمة أو الحزن، وأؤكد لك ان هذه النتيجة تعد أكبر انتصار تاريخي للثورة المصرية بعد خلع مبارك، وهي الدلالة الأعظم والتجسيد الحي علي أن الثورة مستمرة، رغم هذا الحشد الضخم من اعدائها، ورغم الملايين التي انفقت لاستمالة ورشوة المصريين، استمرارا لمسلسل افساد الحياة السياسية الذي بدأ منذ عام 2591. الآن فقط بلغت ثقتي بالمصريين الذري، الآن فقط تأكد لدي ان المصريين لم يخدعوا، ولم تنطل عليهم حيل الفلول والعسكر والاخوان، لم يأكلوا من الانفلات الأمني المتعمد، وأكروبات البوتاجاز والبنزين والسولار، وسلسلة الأزمات المتعمدة، ورفع الأسعار، والتخويف، واشتغال ماكينات الاعلام المدفوعة الاجر ضد الثورة والثوار، هذا بالطبع فضلا عن عشرات المذابح التي دبرها العسكر منذ مارس 1102 وحتي مذبحة العباسية. أؤكد لك ان نتيجة الانتخابات حتي الآن، أي قبل الاعادة، واظن بعدها ايضا، تعني وجود الكتلة الأكبر في الشارع، خارج الاحزاب الرسمية وخارج الوصاية، الكتلة الأكبر من كل الفزاعات التي شهروها في وجوهنا في الماضي: فزاعات الفلول والثورة المضادة، أو فزاعات الاخوان والسلفيين »ملحوظة صغيرة جدا: حمدين صباحي حصل علي أعلي وأضخم أصوات، بل كان الأول في الاسكندرية قلعة الاخوان والسلفيين، إلي جانب عدة ملايين من القاهرة، حيث المال السياسي والرشاوي العينية كانت علي عينك يا تاجر«. وإذا كان الكثيرون أفاضوا وعادوا وزادوا في حساب أعداد ونسب الكتل التصويتية، إلا أن المؤكد ان من صوتوا لحمدين صباحي وأغلب من صوتوا لأبوالفتوح، وكذلك خالد علي وأبوالعز الحريري وهشام بسطاويسي، هؤلاء واولئك يشكلون صوت الثورة الحقيقي، ويطالبون بالدولة المدنية الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وفشلت الرشاوي التي تدفقت سواء من جانب الفلول أو الاخوان المسلمين في تغيير مواقفهم، ويمكن تقدير اعدادهم بما يقرب من عشرة ملايين، وهذا العدد هو الاضخم حتي الآن.. هؤلاء واؤلئك هم الجواد الرابح الآن وفي المستقبل، وهم سبب البهجة التي يشعر بها المصريون، علي الرغم من اننا الآن أمام ما يبدو انه كارثة. أقول لك: إذا كنت تستبعد ان تمنح صوتك للنظام القديم، أي أحمد شفيق بطل موقعة الجمل وأحد سدنة حكم حسني مبارك شبه البائد وباني المطارات الفاخرة، فأنا مثلك، وإن كنت اتفهم بالطبع موقف من سيصوتون له، وهم ليسوا خونة بل خائفون وتأثروا بقوة ماكينة الانفلات الأمني المتعمد والخوف من الفوضي القادمة، خصوصا بعد ان عمل »الطرف الثالث« بقوة، فاخفي البنزين ورفع الأسعار واطلق البلطجية للترويع والتخويف. اقول لك أيضا: إذا كنت ستمنح صوتك للاخوان المسلمين، فأنت حر، لكن المهم أن ادحض أمامك هذه الشائعة البلهاء والضارة، وهي أن الاخوان من قوي الثورة.. طيب بامارة ايه؟! اليسوا هم أول من جلس مع عمر سليمان للتفاوض قبل خلع مبارك؟ وهم من عقدوا الصفقات مع المجلس العسكري، ومن هربوا من المليونيات التي دعا إليها الثوار، في الوقت نفسه الذي كانوا يملأون الدنيا في جمع قندهار، هم من تركوا الثوار، وأهالي الشهداء، وهم من صرحت واحدة فاضلة من نائباتهم في البرلمان تعليقا علي سحل وتعرية بناتنا: وهما ايه اللي وداهم هناك؟! وهم أيضا من اتهموا الثوار بالعمالة والاجندات، وهم الذين اشهروا في وجوهنا فزاعة الدين منذ غزوة الصناديق، ثم انتخابات البرلمان التي استخدموا فيها الدين أسوأ استخدام، ثم الاداء البرلماني الاستحواذي والاقصائي والتكويشي المستمر حتي الآن، فهم ما ان وصلوا إلي الأغلبية البرلمانية حتي أصابهم السعار والعياذ بالله، ورفضوا حتي كتابة هذه السطور ان يتوافقوا مع بقية الناس، بل رفضوا تنفيذ حكم المحكمة القاضي بأن اللجنة التأسيسية يجب أن تكون من خارج البرلمان.. انت حر اذن لو منحت صوتك للسيد مرسي، لكن المزعج والسخيف أن يقال انهم من قوي الثورة، أو ان التصويت لمرسي في مواجهة شفيق هو انتصار للثورة.. لا.. غلط.. صحيح انهم وقفوا مع الثوار في اعتصام التحرير، إلا انهم ما ان حصلوا علي الأكثرية البرلمانية حتي انطلقوا كالجراد يريدون الشرطة والنيابة والوزارة وكل لجان البرلمان والصحافة ومجلس الشوري، ويقصون كل مخالفيهم بجلافة وفطاظة تذكر بمبارك في زمانه.. إذا كنت تريد أن تعرف موقفي، فحتي الآن أنا مضطر للمقاطعة، لن انتخب ممثل النظام القديم والدولة البوليسية القمعية، ولن أصوت لدولة دينية، وأمامنا تجارب كايران، وباكستان والسودان.. لكن الأيام القليلة القادمة قد تشهد تغييرا اذا قدم الاخوان أو حتي شفيق اتفاقات محددة مكتوبة، وموقعة حول الفترة القادمة.. اتفاقات وليست وعودا. وأخيرا.. بقي امران.. الأول ان احيي صديقي حمدين صباحي وحملته ومؤيديه ومناصريه علي فوزهم نعم فوزهم في انتخابات الرئاسة، والأمر الثاني ان علينا جميعا ان ننتبه إلي اقصي حد، فالطرف الثالث يعمل بجد واجتهاد، والبداية بحرق مقر حملة شفيق أو ترويع الموجودين في التحرير، والنهاية اشعال البلاد والعباد وتقفيل الليلة كلها وهو ما نرفضه ونقاومه لنفوت الفرصة عليهم ولنحمي انتصارنا. من يحرق ويخرب ليس ثائرا، وثورتنا المستمرة سلمية حتي النهاية.