رسائل الدكتور كمال المويل هذه رسالة مختصرة تتضمن خطوطاً عامة لفهم الإسلام فهماً صحيحاً يتفق مع النص والعقل والعلم، وفيها ثلاثة أبحاث: (الأول) أصول فهم الإسلام. (الثاني) الإسلام المستقبلي: كيف يجب أن نفهم الإسلام؟. (الثالث) الإسلام الوسط: بين الصوفية والسلفية. أصول فهم الإسلام. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، إمام المتقين، وقائد الدعاة المهتدين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: (1) إنّ القرآن والسنة هما المرجع الوحيد الذي يجب رد النزاع إليه، فالمؤمن ملزم بذلك بسبب إيمانه، قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر) (النساء:59)، وقال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور: 51). (2) ليس للعقل أن يوجب شريعة لم يأذن بها الله، ولا أن ينفي شريعة أذن بها الله، وإنما دور العقل هو تفهم النصوص ومعرفة مرادها بعد التأكد من ثبوتها، وهذا ما يتسق مع ظاهرة تمجيد العقل في القرآن، وهي وسطية واعتدال ما بين عبادة العقل (وهو إفراط) وإهمال العقل (وهو تفريط). (3) كل صاحب دعوى عليه أن يأتي بالدليل على صحة دعواه، فإن أتى بالدليل قامت الدعوى وصحّت، وإن لم يأت بالدليل فالدعوى ساقطة ولاغية، قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين) (البقرة: 111)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البينة على المدعي)) (البيهقي والطبراني). وليس مطلوباً من الطرف الآخر أن يأتي بدليل على بطلانها، فإن أتى بدليل على بطلانها فذلك نافلة. وفي كل مسألة يوجد أصل ودعوى بخلاف الأصل، وكل دعوى بخلاف الأصل فعلى صاحبها الدليل. (4) إنّ الغاية من معرفة القرآن هي العمل والاتباع، ومنهج تلقي القرآن هو التلقي للتنفيذ، قال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُم) (الأعراف: 3)، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان خلقه القرآن)) (أحمد وابن جرير). والعمل يشكل مصداقية للفكر من جهة، كما إنّ له دوراً في إغناء الفكر وتطويره. (5) إنّ هناك حقاً وإنّ هناك رجالاً، والمنهج السديد في المعرفة هو معرفة الحق من الكتاب والسنة أولاً ثم التعرّف على الرجال من خلال الحق وليس العكس، قال الإمام علي رضي الله عنه: ((لا تعرف الحق بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله)) (القرطبي:1/340)، وقال الإمام مالك رحمه الله: ((كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم)). (6) الخلفيات هي تصورات مسبقة يحملها الإنسان في عقله الظاهر، والرواسب هي تصورات مسبقة يحملها الإنسان في عقله الباطن، والضغوط نوعان: داخلية مصدرها التركيبة البيولوجية للإنسان، وخارجية مصدرها التركيبة الاجتماعية التي يعيشها الإنسان. والموقف الإسلامي من الخلفيات والرواسب والضغوط هو التخلي عنها لأنها تدخل تحت عنوان الأهواء، والله تعالى يقول: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون) (الجاثية: 18). (7) العقائد هي المعارف القطعية الصحة، وتؤخذ من نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة. والأحكام هي المعارف الظنية الصحة، وتؤخذ من نصوص ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة أو ظنية الثبوت والدلالة. والقاعدة في العقائد هي (الحق لا يتعدد)، أما القاعدة في الأحكام فهي (الصواب قد يتعدد). كما إنّ القاعدة في العقائد هي (مذهبنا صحيح ولا يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا خطأ ولا يحتمل الصحة)، أما القاعدة في الأحكام فهي (مذهبنا صحيح ويحتمل الخطأ ومذهب غيرنا خطأ ويحتمل الصحة). (8) في غير العقيدة الخلاف جائز ولكن الفرقة لا تجوز، والقاعدة في التعامل مع الخلافات هي: ننفذ ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه، وحمل الأمة على رأي واحد في الخلافات فتنة لا تجوز. (9) من واجب المسلم أن يكون عادلاً في قوله وفي عمله، مع نفسه ومع عدوه ومع صديقه وفي كلّ حال. والعدالة الفكرية هي إنصاف الآخرين حين إبداء الرأي بهم، ومقتضاها ألا نصفهم بما ليس فيهم مدحاً أو ذماً، وأن لا نذكر سلبياتهم فقط كما لا نذكر إيجابياتهم فقط، بل نذكر السلبيات والإيجابيات معاً ونعطي كلاً منهما حجمه ومقداره، قال تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ( (النحل: 90)، وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام: 152)، وقال تعالى: (وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم) (الإسراء: 35). (10) من قواعد فهمنا للدين قاعدة العلمية الإسلامية. أ – والعلمية الإسلامية تعني التغذي والاستفادة من كل التجارب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها)) (الترمذي). ب – والعلمية الإسلامية تعني الانفتاح على الناس، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)) (أحمد وابن ماجة). ج – والعلمية الإسلامية تعني رفض النتائج المسبقة، فلا نضع النتيجة ثم نبحث عن الدليل وإنما نسير مع الدليل وننتهي حيث انتهى. د – والعلمية الإسلامية تعني أن نلتزم بأركان المنهج العلمي وهي ثلاثة أركان: الوضوح والتحديد والإثبات. (11) إنّ العلاقة بين العلم والقرآن لها أربع حالات: أ – الحقيقة العلمية والحقيقة القرآنية لا تتعارضان، لأنّ الكون كتاب الله المنظور والقرآن كتاب الله المسطور، ولا تعارض بينهما لأنّ مصدر الكتابين واحد وهو الله سبحانه. ب – قد تتعارض حقيقة علمية مع ظن قرآني، وهنا نأخذ بالحقيقة العلمية ونعيد قراءة النص القرآني بحيث يتفق مع الحقيقة العلمية. ج – وقد يتعارض ظن علمي مع حقيقة قرآنية، وهنا نأخذ بالحقيقة القرآنية ونترك لأهل العلم أن يعيدوا النظر في الظن العلمي حتى يصلوا إلى الحقيقة العلمية. د – وقد يتعارض ظن علمي مع ظن قرآني، وهنا نأخذ بالظن القرآني. ويقال في العلاقة بين العلم والسنة النبوية (الأحاديث) تماماً كما قيل في العلاقة بين العلم والقرآن. (12) ومن قواعد فهمنا للإسلام قاعدة (لا تعزل النصوص)، ومعناها: إذا كان في قضية ما أكثر من نص فلا يجوز أن نحدد مفهومنا عن هذه القضية بناءً على بعض النصوص دون بعضها الآخر، فعزل النصوص خطأ منهجي واضح وصريح. «الأدلة والأمثلة موجودة في كتابنا أصول فهم الإسلام». الإسلام المستقبلي: كيف يجب أن نفهم الإسلام؟. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: (1) يجب التفريق بين الإسلام كدين وبين الإسلام كتاريخ وحضارة وثقافة وتراث ومواطنة، فالإسلام كدين هو للمسلمين تحديداً، أما الإسلام كتاريخ وحضارة وثقافة وتراث ومواطنة فهو لكل من عاش ويعيش هذه الحالة وإن لم يكن مسلماً. (2) المبدأ الأساسي في فهمنا للإسلام هو نبذ العنف ونبذ الإجبار والإكراه، سواء في أصول الدين أم في فروعه، وسواء في دخول الدين أم في تطبيق شريعته وإقامة أحكامه، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) (البقرة: 256)، وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) (النحل: 125)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله رفيق يحب الرفق، ويجزي على الرفق ما لا يجزي على سواه)) (مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما دخل الرفق شيئاً إلا زانه، وما دخل العنف شيئاً إلا شانه)) (مسلم). (3) من أصول فهمنا للإسلام التركيز على الروح والجوهر والمضامين، والابتعاد عن التفسير الحرفي للنصوص حين يتعارض مع جوهر الدين ومقاصد الشريعة. (4) العلم والعقل أساس في فهم نصوص الإسلام، ويجب إعادة قراءة الإسلام في ضوء الحقائق العلمية والبديهيات العقلية، فلا يمكن تجاوز الثورة العلمية التي حصلت في القرون المتأخرة وهذا الكم الهائل من المعلومات الذي حصل نتيجة لتلك الثورة. (5) يجب فهم الإسلام من خلال إدراك سديد للواقع، والتفريق بين الإسلام وهو مجموعة النصوص الثابتة تاريخياً، والمسلمون وهم مجموعة من الناس آمنوا بصحة هذه النصوص وصوابها، والفقه الإسلامي وهو نتاج محاولة المسلمين إنشاء الواقع في ضوء النصوص الثابتة، فالإسلام ثابت لا يتغير، والمسلمون كما الفقه الإسلامي يتغيرون بتغير الزمان أو المكان أو كليهما. والفقه لا ينشئ الواقع وإنما الواقع هو الذي ينشئ الفقه (مثال: المذاهب الإسلامية الأربعة). (6) قاعدة مهمة يجب الوقوف عندها وهي: الدين لخدمة الإنسان وليس الإنسان لخدمة الدين، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا) (البقرة: 29)، «قاعدة التسخير في القرآن». والهدف من النصوص هو إصلاح الإنسان وليس قتله، فالتقرب إلى الله يكون بإصلاح الناس وليس بعدد الرؤوس المقطوعة والظهور المجلودة. (7) لا تعارض بين القومية والإسلام، ولا تعارض بين الانتماء القومي والانتماء الديني، فالإسلام لم يطلب من العرب التخلي عن عروبتهم لدخول الإسلام وإنما ثبّت الأساس في العروبة وهو اللغة العربية فجعلها أداة لرسالته إلى الناس، وفي الحديث: ((أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي)) (الحاكم والطبراني)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي رضي الله عنه: ((يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك)) قال: يا رسول الله، كيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال: ((تبغض العرب فتبغضني)) (الترمذي). (8) لا تعارض بين الإسلام ونظام الحريات (الديمقراطية)، لأنّ الإسلام يقوم على حرية الاختيار (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) (البقرة: 256)، (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) (الكهف: 29)، ولأنّ الديمقراطية ليست نظاماً شاملاً للحياة كما الدين، وإنما هي آلية في العلاقات بين الناس. (9) الطائفية ليست من الدين لأنها نزعة تجزيئية، والدين يقوم على الوحدة والأممية والإنسانية، ومثل ذلك يقال في المذهبية المتعصبة والعائلية وكل الروابط التي تدعو إلى الفرقة والتجزيئية. (10) يجب التركيز على البعد الإنساني في الإسلام، وعلى احترام الدين لهذه القيمة في نصوصه كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء) (النساء: 1)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13)، وإنما يتفاضل الناس بفعل الخير وتحقيق المنفعة للجنس البشري (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم) (الحجرات: 13)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) (مسلم). (11) في المجتمع المسلم يجب التفريق بين العقيدة والشريعة، فلكل مواطن عقيدته ولكن الشريعة واحدة، أي: النظام الاجتماعي الاقتصادي السياسي واحد، وهو ما يتم اختياره من أغلبية الأمة كي يكون أساساً للقوانين والتشريعات، والقاعدة الشرعية في ذلك هي ((لهم ما لنا وعليهم ما علينا)). الإسلام الوسط: بين الصوفية والسلفية. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإنّ الوسطية والاعتدال سمة أساسية من سمات المنهج الإسلامي، والأساس في ضلال الفرق هو البعد عن الاعتدال إما بالإفراط وإما بالتفريط، والعلاقة بينهما كالعلاقة بين الفعل ورد الفعل. ومن أمثلة ذلك: القول بالقدر وهو إفراط لأنّ القائلين أثبتوا للإنسان المشيئة ولم يثبتوا ذلك لله، والقول بالجبر وهو تفريط لأنّ القائلين أثبتوا لله المشيئة ولم يثبتوا ذلك للإنسان. والمثال الثاني: القول بنفي الصفات عن الله وهو إفراط، أو القول بتشبيه صفات الله بصفات خلقه وهو تفريط، ومن هنا هلك المعطلة والمجسمة لصفات الله. والإمام علي رضي الله عنه يقول: ((هلك فيّ اثنان: محب غالٍ، ومبغض قالٍ))، فأفرط البعض في محبة علي فنسبوا إليه شيئاً من صفات الإلهية، وفرّط آخرون في محبته حتى تجاوزوا الحد ورموه بالكفر، وهذا مثال ثالث على الإفراط والتفريط. ونذكر هنا بأنّ الوسطية الإسلامية مأخوذة من قول الله تعالى في كتابه مخاطباً الأمة المسلمة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا) (البقرة: 143)، ومأخوذة كذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الأمور أوساطها)) (جامع الأصول ج1/ ص 233). وقد ضيّع المسلمون في هذا الزمان إسلامهم بين الإفراط كما في السلفية، والتفريط كما في الصوفية، ونحن نذكر هنا ملاحظات على الصوفية ثم ملاحظات على السلفية، كي نصل إلى الإسلام الوسط بين الصوفية والسلفية، بين الإفراط والتفريط، بين الفعل ورد الفعل. ملاحظات حول الصوفية: (1) من خلال دراسة الصوفية نجد أنها نمط من الجهاد السلبي القائم على الانسحاب من المجتمع والعيش في أجواء خاصة. والصحيح في هذه المسألة هو الجهاد الإيجابي القائم على الاختلاط بالناس ودعوتهم إلى الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)) (أحمد وابن ماجة). (2) والتصوف مبتلى بتعشيش الخرافات والأوهام في عقول أتباعه وخاصة فيما ينسبون إلى مشايخهم من المعجزات والخوارق. والصحيح في ذلك هو تحرير الناس من الخرافات والأوهام من خلال بناء الشخصية العقلانية والعلمية والمستفيدة من التجربة والواقع. (3) وباعتبار التصوف نوعان: تصوف ديني وتصوف فلسفي، فإنّ التصوف الفلسفي نمط من الأديان الوضعية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة لأنها تقوم على وحدة الوجود والاتحاد والحلول وما يتفرع عن ذلك من القول بوحدة الأديان. (4) يعتقد بعض المتصوفة بالرابطة الشريفة، وهي تخيل الشيخ وتخيل عمود من نور يخرج من قلب الشيخ فيصب في قلب المريد قبل الذكر وأحياناً قبل الصلاة كشرط لصحة الذكر أو صحة الصلاة. وهذا الاعتقاد مشابه لاعتقاد الوثنيين حيث قالوا عن الأصنام: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر: 3). وفي الإسلام ما من وسيط بين المسلم وبين الله فالعبادة مباشرة وكذلك التقرب إليه والتوبة إليه تعالى، وهذا معنى قوله تعالى: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم) (يوسف: 40) أي: الدين المستقيم. (5) من سمات المتصوفة الكذب في الدين وخاصة في مجال الأحلام والخوارق والأحاديث مستندين في ذلك إلى أنّ الغاية تبرر الوسيلة، حتى قال بعض من كذبوا في وضع الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن نكذب له ولا نكذب عليه)) هروباً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) (البخاري ومسلم)، وهذا مناف لجوهر الإسلام حيث الوسائل لها حكم المقاصد ((ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب)) (قاعدة شرعية)). (6) يتصف التيار الصوفي بثلاث سمات باطلة وهي: أ- الابتداع والاختراع في دين الله، وهذا مناف لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم) (المائدة: 3). ب- التعصب المذهبي بإيجاب اتباع مذهب بعينه أو إيجاب التخيير بين عدة مذاهب، وهذا الوجوب لا أساس له من القرآن والسنة. ج- الأخذ بالآثار الضعيفة والموضوعة. وكل ذلك مخالف للمنهج العلمي في الإسلام القائم على قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم) (الإسراء: 36). ملاحظات حول السلفية (الوهابية): (1) من السمات الظاهرة في التيار السلفي هو تحوله من المنهج إلى المذهب، فمع أنّ المنهج السلفي يقوم على الاتباع أي طلب الدليل ونبذ البدع ونبذ الآثار الضعيفة والموضوعة، وهذا منهج سليم، فإنّ كثيراً من السلفيين قد تحولوا إلى تقليد أشياخ بعينهم وتبني آرائهم وإيجاب اتباعها على الناس، أي: تحولوا إلى مذهب كسائر المذاهب. (2) لنا مع الوهابيين (السلفيين) إشكال في فهم البدعة. فقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)) يجب فهمه في ضوء ما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجماعة الواحدة في صلاة التراويح: ((نعمت البدعة هذه))، وما رُوي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في مسألة الأذان الثالث. والخلاصة: إنّ البدعة في اللغة هي كل محدث، والبدعة في الاصطلاح الشرعي هي كل محدث لا أصل له في الشرع، وهذا بخلاف قولهم في تعريف البدعة شرعاً: إنها كل محدث على غير مثال سابق. (3) من الملاحظ على التيار السلفي هو اختلاله في وزن الأمور، فهو يتمسك بالاجتهادات كأنها عقائد، ويتعامل بالعقائد كأنها خلافات، وما ذلك إلا لشدة التعصب إلى الذات المذهبية والبعد عن قوله تعالى: (وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم) (الإسراء: 35). (4) يتمسك السلفيون بهدي ظاهر محدد ويوجبونه على الناس كالجلابية بطول محدد وغطاء الرأس واللحية بصفات معينة كحرمة تقصيرها. وأقول هنا باختصار: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الألبسة التي كانت موجودة في زمانه ولكن بصفات محددة، ولم يوجب على المسلمين لباساً بعينه، ولم يحرم عليهم لباساً بعينه سوى لباس رجال الدين ولباس الحرير ولباس الشهرة ولباس الجنس الآخر. وغطاء الرأس وجوده وعدمه سواء، في الصلاة وفي غير الصلاة، فهو من العادات وليس من السنن، وهذا مأخوذ من هديه صلى الله عليه وسلم حيث لبس القلنسوة، ولبس العمامة، ولبس كليهما، ولم يلبس أياً منهما. والأصل في اللحية هو الوجود فهي شعيرة من شعائر الإسلام، ولكن الإسلام لم يوجب لها طولاً أو عرضاً أو صفة أو حجماً. (5) الغالب على السلفيين هو العنف في الدعوة إلى الإسلام، والقسوة في التعامل مع المخالفين، والفظاظة في محاولة تغيير الخطأ، وهذا مخالف لما أمر الله به رسوله حيث قال له: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) (النحل: 125)، وقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر) (آل عمران: 159). (6) خطأ آخر يقع فيه السلفيون حيث يدعون المسلمين إلى فروع الدين ويتركون دعوتهم إلى أصول الدين (عدم التركيز على العقيدة). فالدعوة يجب أن تكون إلى العقيدة أولاً وحينما يسلم الآخر بالعقيدة (العبودية لله وحده) يُدعى إلى الفروع. وفي مجال تغيير المنكر يجب البدء بأكبر المنكرات، وفي مجال الأمر بالمعروف يجب البدء بالمعروف الأكبر. (7) هناك كثير من السلفيين يتبنون آراء دينية شاذة (نادرة) ويخالفون جمهور الفقهاء بحجة تبني الصحيح. وما ذاك إلا تبني لرأي شهرة أي تبني الرأي الذي يجعل صاحبه مشهوراً بين الناس وإن كان رأياً شاذاً أو منسوخاً أو ضعيفاً. ملاحظة: لا فرق بين السلفية والوهابية ولكن بعض المسلمين إن قلت له أنت وهابي قال لك: لا أنا سلفي، والبعض الآخر منهم يقول: نعم أنا وهابي، فالمسمى واحد والخلاف في التسمية. قاعدة مهمة في الانتساب: لا يحل لمسلم أن يقول أنا صوفي أو أنا سلفي أو أنا وهابي أو أنا تكفيري أو غير ذلك، لأنه يساهم في تكريس الفرقة بين المسلمين، ويخالف صريح قول الله سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين) (فصلت: 33).