الأسباب أو البواعث التي توقع في فوضى الوقت كثيرة، نذكر منها ******* 1- الأسرة التي لا ترعى حرمة الوقت قد ينشأ الإنسان في أسرة لا ترعى حرمة الوقت، ولا تعطي له أدنى رعاية أو أهمية، وتكون النتيجة التأثر، والتأثر الشديد بهذا الجو، أو بهذا المحيط من الفوضى، وتصبح لازمة من لوازم حياته، تسير معه إلى القبر إلا أن يتداركه الله برحمة منه وفضل، ويهيئ له صحبة صادقة طيبة، تأخذ بيده إلى احترام الوقت وتنظيمه، وتظل تتعهده، وترعاه حتى يقلع عن هذا الداء ******* 2- الصحبة السيئة قد تلقي المقادير بالإنسان في وسط من الصحبة السيئة، دأبها وديدنها ضياع الوقت، أو ملؤه بالتافه الضار، ويكون هو غير مكتمل الحصانة وحينئذ يتأثر بهم، ويظهر ذلك أول ما يظهر في وقته، فإذا به يهدره ويضيعه فيما لا طائل تحته، ولا فائدة ترجى من ورائه ******* 3- عدم احترام ذوي الأسوة والقدوة لأوقاتهم قد يكرم الله المسلم بصحبة طيبة، إلا أن ذوي التأثير والأسوة والقدوة في هذه الصحبة مصابون بفوضى الوقت، فيتأثر بهم، وخصوصا إن لم يعمل عقله، ويرى نفسه مسئولا وحده بين يدي ربه، وبمرور الزمن تصبح فوضى الوقت خلقا لازما له في حياته ******* 4- عدم تقدير قيمة الوقت قد لا يعرف الإنسان قيمة الوقت، وأنه رأس ماله على ظهر هذه الأرض، وأنه إن ضاع ضاعت نفسه، وإن بقي بقيت نفسه. قد لا يعرف ذلك كله، فينشأ في نفسه، وفي سلوكه ما يسمى بفوضى الوقت ******* 5- الركون إلى النعمة مع أمن مكر الله قد يمن الله على الإنسان من فراغ، أو صحبة، أو شباب، أو غير ذلك فيطمس بهذه النعمة، ويركن إليها، وينسى أنه يمكن أن تصير إلى زوال في لحظة، ويأمن مكر الله، وتكون العاقبة إهدار الوقت، وتضييعه فيما لا يجدي، ولا يفيد، وتلك هي فوضى الوقت ******* 6- الانفراد بالرأي وعدم المشورة قد ينطلق الإنسان يعمل حسبما تسةنح له الفرصة، معتمدا على رأيه دون الرجوع إلى أحد من ذوي الخبرة، والتجربة، والسداد، والرأي ومشاورته فيما يريد، وتكون العاقبة فوضى الوقت، حيث يشتغل بثانويات الأمور، ويضيع الأصول، أو الأساس، أو تتراكم عليه الأعمال فيقعد ولا يعمل شيئا بالمر نحسب أن المجتمع يستطيع الخلاص من مفاسد كثيرة لو أنه تحكم في أوقات فراغه ، لا بالإفادة منها بعد أن توجد ، بل بخلق الجهد الذي يستنفد كل طاقة ، ويوجه هذا وذاك إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده ، فلا يبقى مجال يشعر امرؤ بعده أنه لا عمل له . الفراغ إن الفراغ يدمر ألوف الكفايات والمواهب ، ويخفيها وراء ركام هائل من الاستهانة والاستكانة ، كما تختفي معادن الذهب والحديد في المناجم المجهولة ! يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : « إني لأرى الرجل فيعجبني ، فإذا سألت عنه فقيل لا حرفة له ، سقط من عيني » وقال أيضاً :« إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً (أي فارغاً) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة » .. وقال حكيم : من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه ، وظلم نفسه ! والفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية ، إذ النفس لابد لها من حركة وعمل ، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر وثخن العقل وضعفت حركة النفس واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب ، وربما حدث له إرادات سيئة ينفس بها عن هذا الكبت الذي أصابه من الفراغ. وقد نبه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى غفلة الألوف من الناس عما وهبوا من نعمة العافية والوقت فقال : « نعمتان من نعم الله مغبون فيها كثير من الناس : الصحة والفراغ » [رواه البخاري ] . ويقصد بالفراغ : الخلو من المشاغل والمعوقات الدنيوية المانعة للمرء من حيث الاشتغال بالأمور الأخروية . وفى الحديث الآخر :« اغتنم خمساً قبل خمس » -وعد منها - « وفراغك قبل شغلك » [رواه الحاكم في المستدرك ] . والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال بالقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال ، فلا تصلح للنهوض بعبء ولاالاضطلاع بواجب ، ولا القيام بتكليف وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة, فهذه هي حالة النفوس الفارغة .فلا قول ولا عمل ولا إيمان ولا دين همها اللعب واللهو في الدنيا ويتبعه حسرة وندامة يوم القيامة . إن إدراك الإنسان قيمة الزمن ، وإيجاد الحل للفراغ ليس إلا إدراكاً لوجوده وإنسانيته ووظيفته في ركام هذه الحياة . فأين الذين قاموا بما تقتضيه هذه الخصال فإن الحساب عسير . يقول الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم ! . ويقول ابن مسعود رضي الله عنه :« ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي ».