كتبت امل علام ... ظلم العبد نفسه موضوع عظيم وقاعدة هامة من قواعد تعامل القلوب مع رب القلوب، وتتعلق هذه القاعدة بالكبائر والصغائر، ومفادها أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغائر من قلة الحياء وعدم المبالاة والخوف ما يلحقها بالكبائر، فرُب معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خيرٌ من طاعة أورثت عزاً واستكباراً. أهمية أعمال القلوب قال ابن أبي العز رحمه الله في شرح الطحاوية: "وقد اختلفت عبارات العلماء في الفرق بين الكبائر والصغائر -وستأتي الإشارة إلى ذلك عند قول الشيخ رحمه الله:- (وأهل الكبائر من أمة محمد في النار لا يخلدون) ولكن ثَمَّ أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه وغيره، وأيضاً: فإنه قد يعفى لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره، فإن فاعل السيئات تسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب، عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة" أ.ه هذا الموضوع موضوع عظيم، فإن خير الموضوعات وأنفع العلوم ما كان عِلاجاً للقلوب وأدوائها وأسقامها، وأعظم البلايا والأسقام هو الشرك، كما تحدثنا عنه سابقاً. ثم هنا نأتي إلى قاعدة عظيمة فيما دون الشرك، وهي الذنوب التي لا بد أن يصيبها العبد وأن يَلِم بها. ...... أنواع الذنوب ... هو ظلم العبد لنفسه مع ربه تعالى فيما دون الشرك، الذي ينقسم إلى كبائر وصغائر، وأحال موضوع الفرق بين الصغيرة والكبيرة إلى ما بعد، وهناك سيأتي التفصيل بإذن الله تعالى ونذكر الأقوال في ذلك....... قاعدة في الكبائر والصغائر
وبعد أن أشار إلى ذلك، ذكر هذا الاستدراك العظيم، الذي هو قاعدة من قواعد تعامل القلوب مع رب القلوب تبارك وتعالى، قال: "ولكن ثم أمر ينبغي التفطن له". ولا يجوز أن يُغفل عنها، وهي قاعدة عظيمة من القواعد التي استخرجها أمثال هذا العالم الفاضل، ومن نقل عنهم -رحمهم الله أجمعين- استخرجوها من كتاب الله، ومن سنة رسول الله، ومن سير العباد من السلف الصالح، الذين قاموا لله تبارك وتعالى بواجب العبودية على نحوٍ يقتدي بهم من بعدهم. قال: وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء، وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، وإلى أي شيء يرجع الأمر في ذلك؟ قال: وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه وغيره. ثم شرع في موضوع التوبة، وأسباب سقوط العقوبة التي أولها التوبة. فالقاعدة هي أن الذنوب: إما كبائر وإما صغائر، لكن الكبيرة التي فعلها صاحبها -وصورة العمل الظاهر الخارجي أن هذا مرتكب للكبيرة- استدرك عليه بقوله: فعل الكبيرة قد يقترن به من الحياء، والخوف، والاستعظام ما يلحقها بالصغائر -وبالعكس- الصغيرة قد يقترن بها من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر. وهذا مفتاح لباب عظيم من أبواب التربية الإيمانية القلبية....... أهمية القلب في أعمال العبد
فالقضية قضية القلب، وإنما الجوارح تتحرك وتعمل وتتأثر لما يحصل في القلب، كما بيَّن ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك فمن الواجب إصلاح القلوب؛ لأنها محط ومحل نظر الرب من العبد. يقول بعض العلماء -وهي حكمة عظيمة مأثورة- ": رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً" . فبعض الناس قد يعصي الله، وتكون هذه المعصية سبب الخير وبداية التوبة والهداية في حياته، والبعض ربما كانت الطاعة بداية انحرافه وزيغه، ودخوله في باب الرياء والعجب، ثم خروجه نهائياً من طريق أهل الاستقامة وأهل السنة....... وقائع تبين أهمية القلب في أعمال العبد
يجب على المؤمن الذي يريد تنقية قلبه، ويحرص على تقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينتبه إلى هذه الحقيقة، والأدلة عليها كثيرة جداً، مما ثبت وصح في الوحي، وكثيرة من واقع الناس، وهو المشاهد من أحوال الناس الذين كانوا على ذنوب وفجور ثم تابوا واستقاموا، والذين كانوا على طاعة وخير وعلى طلب علم ودعوة ثم انحرفوا وحاروا، نسأل الله العفو والعافية. ...... كمثل حديث الرجل الذي أوصى بنيه عند موته، وقد رأى نفسه مسرفاً في المعاصي، فخاف من الله تعالى أن يلقاه بهذه الحال، فأوصى أن يحرقوه ويسحقوه، ويذروه في الريح، مع أن هذا الرجل ارتكب ذنباً أكبر ووقع في إثم عظيم، ولكن بسبب هذا الاستعظام والخوف والحياء غفر الله ذنوبه المتأخرة والمتقدمة، وهذا الذنب العظيم والخطأ الجليل هو ظنه أن الله لا يقدر عليه إذا هو مات. يقول: {إذا أنا مت فاجمعوا الحطب واحرقوني، ثم ذروني في الهواء، وضعوا نصفي في البحر، والنصف الآخر في البر، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، ثم جاءه السؤال من رب العالمين: لم فعلت ذلك؟ -ولم يكن السؤال عن الموبقات ولا عن الذنوب الأولى، إنما كان عن هذا الخطأ الكبير- فقال: خوفك يا رب، أو خشيتك يا رب، فغفر الله تبارك وتعالى له}. إذاً، إذا اقترن بالذنوب والمعاصي خوف وتعظيم، وهيبة لله تبارك وتعالى، فإن هذه الذنوب: إما أن تمحى أو تكفر، أو تكون -كما قال الشيخ وهي كبائر- صغائر، أو كالصغائر، فتأخذ حكمها، كما قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] تكفر لما اقترن بها من خوف وخشية وذلة، وهذا الدليل الأول.