مما جاء في قصة كسرى مع رسول رسول الله إليه أنه لما سمع رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم و غضب و زمجر و قال: أيكتب لي بهذا و هو عبدي؟؟ ثم قام كسرى منتفخا وأمر كاتبه أن يكتب إلى باذان نائبه على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل، الذي ظهر بالحجاز، رجلين جَلْدين من عندك، ومُرهما أن يأتياني به. و كان من أمر باذان أنه ما إن وصلته رسالة سيده كسرى حتى انتدب رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمَّلهما رسالةً له، يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كِسرى، دون إبطاء، وطلب إلى الرجلين أن يقفا على خبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يستقصيا أمره، وأن يأتياه بما يقفان عليه من معلومات. فلما دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، وأظهر ذلك لهما وقد أشاح بوجهه الى الجانب الآخر حتى لا ينظر إليهما وقال: ( ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا أمرنا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ). لحية الرجل وشاربه ملامح شخصية خالصة، لكنها تحولت، مع مرور الزمن، واختلاف التفسيرات، وتضارب وجهات النظر، إلى قضية دينية وسياسية، مثل مسألة الحجاب تماماً، فكلمة الإرهاب أصبحت، في ظل جرائم المتطرفين، عنواناً للإسلام، من خلال ابتكار مصطلح الإرهاب الإسلامي، وكان هذا المصطلح يحتاج إلى صورة إعلامية نمطية، فصنعت وسائل الإعلام صورة اللحية والعمامة، وروجتها بطريقة سلبية، ومن ثم فإن التهمة أصبحت جاهزة في الدول الغربية ضد كل مسلم يكرّم لحيته ويحف شاربه، وفق حديث شريف منسوب للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. في بداية أحداث ثورة 17 فبراير في ليبيا كانت اللحية مثار جدل في وسائل الإعلام الأميركية، فقد تعود الكثير من الشباب الليبيين على إطلاق لحاهم، بطريقة عفوية، وليس تعبيراً عن انتمائهم لتنظيم سياسي أو ديني معين، لكن القلق الغربي من الإسلام المتطرف أو ما يسمى "الإسلامو فوبيا" جعل بعض الدوائر السياسية الغربية تخشى من سيطرة المتطرفين على مسار الثورة الليبية، ومن ثم بذل الثوار جهداً كبيراً من أجل تبرئة لحاهم من هذه التهمة، وعمد بعض قادة الثوار إلى تطبيق النظام العسكري الذي يفرض حلاقة اللحية يومياً برقم صفر، تحت شعار ثورة بلا قاعدة، وجندي بلا لحية، وهي ليست مثلبة أو مفخرة، لأي رجل، فاللحية، أولاً وأخيراً، مثل الشارب وربطة العنق وغطاء الرأس، تُعدُّ مظهراً فردياً واختياراً شخصياً، وليست رمزاً سياسياً! لكن التاريخ الماضي والواقع المعاصر يشيران إلى علاقة ارتباط واضحة بين اللحية والتدين، ليس في ظل الدين الإسلامي فقط، بل أن أغلب الديانات تعتبر إطالة اللحية مظهراً مقبولاً لطبقة رجال الدين، سواء اليهود أم المسيحيين أم المسلمين أم الهندوس أم السيخ وغيرهم، فاللحية قد تعني الوقار والزهد والحكمة، رغم أن الجاحظ يعد أصحاب اللحى الطويلة من الحمقى والمغفلين، لكن المسألة لم تتحول إلى قضية سياسية إلا ضد المسلمين، دون غيرهم من البشر، وذلك تماماً مثل غطاء رأس المرأة، الذي يباح اختياره وتصميمه وفق الحرية الشخصية، لكنه بالنسبة للمرأة المسلمة، في بعض الدول الغربية، يعتبر جريمة، ويمنع بموجب قوانين خاصة! اللحية ليست ماركة إسلامية خالصة، لكن الكثير من الشباب المسلمين الملتزمين دينياً يحرصون على التمظهر بإطلاق لحاهم إلى أبعد حد، وتقصير جلابيبهم إلى أدنى حد، وربما يصفون من يحلق لحيته ويطلق شاربه كافراً أملطاً، وقد واجهت موقفاً غريباً، ذات مرة في إحدى العواصم العربية، عندما كنت أؤدي فريضة الصلاة في أحد المساجد، فقد اقترب مني رجل كهل، تصل لحيته إلى صرة بطنه، وراح يسألني عن بلدي وهويتي، ثم نصحني بعدم حلاقة لحيتي لكي أكون مسلماً حقيقياً، وعندئذ سألته بسخرية: ولكن يا سيدي ما هو طول اللحية المتفق عليه بينكم، فهناك من يجعلها لا تتجاوز الحنك، وهناك من يطيلها حتى الصدر، وبعضهم يجعلها إلى البطن وما تحتها!؟ فهز الرجل يده وتركني غاضباً مشمئزاً، في حين وجدت إمام المسجد الشاب، الذي تزين وجهه المضيء شعيرات خفيفة، يحاول تطييب خاطري بكلمات جميلة ويعتذر بأدب بالغ، معبراً عن استهجانه لموقف ذلك الشيخ المتعصب!