ما إن وصل مدعوو الهيئات الديبلوماسية وممثلو المنظمات الدولية إلى حفل الاستقبال المقام تحت عنوان (شركاء في الإنسانية) حتى اتصل الحوار بين الحضور، الذين تجمعوا في حلقات لا يفصل بينها سوى أحواض زهور البتونيا في حديقة المكان البديعة التنسيق. كنت أرافق زوجي إبان مهمته الدبلوماسية في سفارتنا في الخارج، وكان الحوار الدائر في الحلقة التي انضممنا إليها حول مشكلات عصر العولمة والأمن الاقتصادي والثقافي بعد أن أصبح العالم قرية واحدة، لكنها قرية قلقة مروعة تعصف بأمانها رياح الجشع الرأسمالي والعنف والتجزئة العرقية والطائفية لعلها عولمة القهر. رغم متابعتي للحوار، لم أستطع تجاهل تلك السيدة الجميلة النبيلة الملامح وما تبثه من دعوة صادقة للتواصل، وقد وقفت وزوجها قرب حلقتنا. حينما أتيح لنا التواصل، بادرتني بود وعيناها على ثوبي التقليدي: "أنت من الأردن أليس كذلك؟ كم أحب الأردن! عشت فيها مع والدي إبان عمله في إحدى المنظمات الدولية، وهو من أصول ألمانية ووالدتي سويسرية وقد استقررنا في سويسرا. أحب الشرق وأتابع القضايا العربية وهمومها، وأتألم لما تتعرض له منطقتكم من كوارث وأزمات وما يعانيه الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال" (لم تكن الكوارث العربية الأخرى قد أضيفت بعد آنذاك). قلت: "وصلني إحساسك الودي قبل أن يتصل الحديث بيننا. اسمحي لي أن أقول لك إن جمالك يضاهي جمال بلادك، فنحن حينما نتغنى بطبيعة أرض في بلادنا نصفها بسويسرا الشرق، آمل أن تنعموا دوما بالأمن والسلام". قالت: "صدقيني، لستم وحدكم، فنحن شركاء في الهموم الإنسانية، ولنا همومنا ونعاني من مشكلات كثيرة أبرزها عصابات اللصوص المسلحة، التي تتسلل إلى حدودنا لسرقة الزهور والورود والمحاصيل الزراعية من المزارع المجاورة للحدود لهدف التجارة بها بعيدا عن رقابة الدولة وقوانين الضرائب". أوشك الحفل على الانتهاء، فافترقنا بعد أن وعدتني بزيارة خلال وقت قريب، فقد كانت وزوجها الدبلوماسي السويسري قادمين جديدين. بعد ثلاثة أسابيع من لقائنا أتت لزيارتي، وهي تحمل باقة ورود حمراء. قالت وهي تضعها بين يدي: "لقد قطفتها للتو من حديقتي لتوثيق عرى صداقتنا، وشراكتنا في الإنسانية". تدفقت بكلمات الشكر وأنا أغالب دمعا خلته أحمر قانيا بلون الورود المذبوحة في بلادي. انتى حرة "بحث في صندوقه، فتش كل جيوبه عله يجد مصروف الشهر، نظر إليها، فإذا هي في الخميلة تتبختر. قال لها: لم كل هذا البذخ والتبذير؟ رفعت كتفيها، ردت بلا وعي: أنا حرة.. لم يتفجر شريانه، لكنه فتح الباب على مصراعيه، وببنانه أشار: أنت حرة.. أنت حرة."
ميراث "هد كاهلها العوز، ذرفت دموعا حارة، ثم قالت: أين ثروة أبينا الطائلة؟ ردت: تقاسمتها زوجات إخوتنا منذ وفاته"
افتقاد رنَ الهاتف. كانت زوجته. لم يجب، حيث كان مع خطيبته الودَّاقة. بعد ساعة، اتصل بزوجته. لم تجب، حيث كانت تمازح جارها الثري
تلكوء خرج عنوان رئيس بخط أحمر أعلى تلك الصحيفة. انزعجت سفيرة أوربية لذلك التحقيق الذي يُحرج بلادها. اتصلت بالصحافي الذي أعدَّه: "لماذا كتبت هذه السخافات والأكاذيب؟" أجاب: "لأنك تلكأتِ في طلبي للهجرة الذي معك."
مجاملة كانت تنظر عبر نافذة قطار مسرع. أشجارٌ كأعواد الثقاب تجري على مرآة عينيها. هي كانت تفكر في تلك اليد التي تحاول أن تتحسن جيبها أو جسدها، ربما. التفتت إليه في حِدَّة. نظرَ إليها وابتسم. رأت أنه قد يكون غير قاصدٍ، أو أنها ظنَّتْ السوء به. ابتسمتْ له. ارتاح لابتسامتها، حيث ظنَّ بأنها لم تعلم قصده الحسي.