يبدو أن مصر دومًا ما تنال فرحة منقوصة والأمثلة عديدة، فمثلا في حرب أكتوبر 73 والناس في عز نشوتهم بفرح الانتصار وكسر أسطورة العدو الإسرائيلي المتغطرس، تأتي الثغرة لتدحض حلم الانتصار الكامل، وأيضًا عقب كل علاوة اجتماعية تلتهب الأسعار لتحرق المرتب كله وليس فقط قيمة العلاوة الهزيلة والهزلية في نفس الوقت، وأخيرا مع احتفال المصريين بالذكري الثانية لثورتهم المجيدة تتحول البلاد الي قطعة من الجمر تحرق الصالح قبل الطالح الذي غالبًا ما يبقي الي قبل النهاية بقليل . في ظل هذه الأمور المتشابكة والمعقدة، فإنه فيما يبدو فإن سياسة الاندفاع إلي الأمام، سواء بالإعلان الدستوري الكارثي الذي فجر الشكوك، وبعده الدستور غير التوافقي.. هذه السياسة لم تنجح في تهدئة الشارع، أو إخماد صوت المعارضة المدنية، أو تحقيق الاستقرار السياسي المنشود، والأخطر أن حالة الانسداد هذه قد سحبت كثيرًا من شرعية الرئيس، وألقت الكثير من الأسئلة حول أجندته، بل ذهب البعض بعيدا ليطرح أسئلة حول حنكة الرئيس وقدرته علي الحديث إلي شعبه وإقناعه برؤيته، ويصر هؤلاء علي أن الرئيس اكتفي بأهله وعشيرته، ولا يرغب وربما لا يقدر إلا أن يكون رئيسًا لفصيل واحد، وأنه اكتفي بالصمت وبالعناد، وأن حكومة هشام قنديل هي عبء ثقيل علي الرئيس، وتخصم من رصيده يوميًا، وأن رئيس مجلس الوزراء لا يبدو مهتمًا بما يجري في مصر، ويفضل الذهاب إلي منتدي دافوس الاقتصادي العالمي! ويبقي أن مصر في هذه اللحظة تكابد مشكلات هائلة تراكمت عبر عقود طويلة، ويجلس علي عجلة القيادة رئيس يقود الرئاسة لأول مرة، وحوله إخوانه وعشيرته الذين تراكموا خبرات طويلة في المعارضة، والعمل السري، والقدرة علي تلقي ضربات أجهزة الأمن، وأحيانًا عقد الصفقات مع الدولة العميقة، وفي المقابل معارضة مدنية كانت إلي زمن قريب هشة، وغير مترابطة، ولأول مرة تختبر قدرتها علي التوحد، وتقديم بديل إلا أنها باعترافها تساير الشارع ولا تقوده، كما أن الثوار والشباب الغاضبين لازالوا علي حالهم في قمة الغضب، والبعض منهم يريد إزالة ما هو موجود للبناء من جديد، إلا أنه لم يقدم قيادة ولم يلتف حول رمز واحد من رموز العمل السياسي.. ولازلنا إلي الآن نري شواهد الفوضي التي يصنعها الطرف الثالث أو اللهو الخفي، ولكننا لم نمسكه ولم نعرفه، وكأن كل ذلك لا يكفي، فإن مشاهد الفوضي لا تخلو من أصابع أو شواهد الفوضي الخلاقة التي دعت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية “,”كونداليزا رايس“,” وأغلب الظن أنه مادامت الدولة الرخوة قد استمرت علي حالها من الغياب والعجز، كما أنه إذا استمر العناد والاندفاع إلي الأمام عنوان سياسة أهل الحكم، والإصرار علي تجاهل الساسة، فإنه لن يكون هناك مفر إلا من انتقال اللعبة بكاملها إلي الشارع، حيث المطالب يرتفع سقفها كل لحظة وتبقي الفوضي والخراب ععنوانًا لمصر والمصريين و“,”تبقي الثورة يا فرحة ما تمت“,” .