لم ينس المصريون إلي الآن أجواء ثورة25 يناير, ولا مطالبها, والأخطر أن فائض الغضب الذي أطاح بالرئيس السابق حسني مبارك لازال علي حاله, الأمر الذي يدفع المرء للتساؤل: تري كم عمر هذا الغضب؟ وأغلب الظن أن عمره طويل جدا, أما أسبابه فهي معروفة وقديمة تتعلق بالعيش, والحرية, والعدالة الاجتماعية, والكرامة الإنسانية, وقد أضيفت إليها الآن أسباب أخري تتعلق بعجز حكومات ما بعد الثورة في تحقيق أهدافها, فضلا عن عدم تحقيق شيء يذكر فيما يتعلق بالعدالة, وتقديم قتلة الثوار لكي يلقوا الجزاء العادل, فضلا عن إحساس بسرقة الثورة من أصحابها الأصليين( وهم الشباب), وأخونة الدولة, ويبدو المشهد مضطربا وبائسا: فلأول مرة يشعر كثير من المصريين بأن الدولة الرخوة الغائبة عن الفعل, والعاجزة حتي عن رد الفعل, وتلبية احتياجات الناس, أو حتي تقديم وعود لهم, والتي فيما يبدو لم تعد تستطيع الحديث إلي مواطنيها الغاضبين والمحبطين. هذه الدولة الرخوة تبدو وكأنها عاجزة عن الحدود الدنيا لقبضة الدولة وشرعيتها, وهو الأمر الذي ينذر بدخول البلاد في حالة من الفوضي. والآن بات واضحا أن ثورة25 يناير لم تنته بسقوط مبارك, ولا بانتخاب الرئيس محمد مرسي, كما أن حالة صدام الشرعيات شرعية الصناديق الانتخابية مقابل شرعية الميادين لم تنته, وفيما يبدو فإن البعض وهم كثير يفضلون العمل من خلال الميادين, وفي هذه اللحظة فإن النخبة السياسية عاجزة عن الحوار, بل عاجزة عن الفعل في الشارع السياسي, وفي جولات الحوار, بل إن بعضا من الأحزاب التي شاركت في حوار الرئاسة خرجت لتقول إنه بلا جدوي مثل حزب مصر القوية برئاسة عبدالمنعم أبو الفتوح, كما أن أحزابا أخري كانت متحالفة أو قريبة من حزب الحرية والعدالة والرئيس, خرجت لتنتقد الحزب والحكومة مثل حزب النور, والوسط, وغد الثورة.. وآخرين. وفي ظل هذه الأمور المتشابكة والمعقدة, فإنه فيما يبدو فإن سياسة الاندفاع إلي الأمام, سواء بالإعلان الدستوري الكارثي الذي فجر الشكوك, وبعده الدستور غير التوافقي. هذه السياسة لم تنجح في تهدئة الشارع, أو إخماد صوت المعارضة المدنية, أو تحقيق الاستقرار السياسي المنشود, والأخطر أن حالة الانسداد هذه قد سحبت كثيرا من شرعية الرئيس, وألقت الكثير من الأسئلة حول أجندته, بل ذهب البعض بعيدا ليطرح أسئلة حول حنكة الرئيس وقدرته علي الحديث إلي شعبه وإقناعه برؤيته, ويصر هؤلاء علي أن الرئيس اكتفي بأهله وعشيرته, ولا يرغب وربما لا يقدر إلا أن يكون رئيسا لفصيل واحد, وأنه اكتفي بالصمت و بالعناد, وأن حكومة هشام قنديل هي عبئ ثقيل علي الرئيس, وتخصم من رصيده يوميا, وأن رئيس مجلس الوزراء لا يبدو مهتما بما يجري في مصر, ويفضل الذهاب إلي منتدي دافوس الاقتصادي العالمي! ويبقي أن مصر في هذه اللحظة تكابد مشكلات هائلة تراكمت عبر عقود طويلة, ويجلس علي عجلة القيادة رئيس يقود الرئاسة لأول مرة, وحوله إخوانه وعشيرته الذين تراكموا خبرات طويلة في المعارضة, والعمل السري, والقدرة علي تلقي ضربات أجهزة الأمن, وأحيانا عقد الصفقات مع الدولة العميقة, وفي المقابل معارضة مدنية كانت إلي زمن قريب هشة, وغير مترابطة, ولأول مرة تختبر قدرتها علي التوحد, وتقديم بديل, إلا أنها باعترافها تساير الشارع ولا تقوده, كما أن الثوار والشباب الغاضبين لازالوا علي حالهم في قمة الغضب, والبعض منهم يريد إزالة ما هو موجود للبناء من جديد, إلا أنه لم يقدم قيادة, ولم يلتف حول رمز واحد من رموز العمل السياسي, ولازلنا إلي الآن نري شواهد الفوضي التي يصنعها الطرف الثالث أو اللهو الخفي, ولكننا لم نمسكه, ولم نعرفه, وكأن كل ذلك لا يكفي, فإن مشاهد الفوضي لا تخلو من أصابع أو شواهد الفوضي الخلاقة التي دعت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس, وأغلب الظن أنه مادامت الدولة الرخوة قد استمرت علي حالها من الغياب والعجز, كما أنه إذا استمر العناد و الاندفاع إلي الأمام عنوان سياسة أهل الحكم, والإصرار علي تجاهل الساسة, فإنه لن يكون هناك مفر إلا من انتقال اللعبة بكاملها إلي الشارع, حيث المطالب يرتفع سقفها كل لحظة, وحيث يمكن لكل الأصابع أن تتدخل, وحيث الفوضي..طريق ذو اتجاه واحد!.. طريق بلا عودة! المزيد من مقالات محمد صابرين