يفتتح المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور جابر عصفور وزير الثقافة، في تمام السابعة من مساء اليوم السبت، المسرح القومي بالعتبة، درة مسارح مصر، بحضور لفيف من الوزراء والسياسيين والفنانين والشخصيات العامة والسفراء ورؤساء قطاعات وزارة الثقافة والاعلاميين والصحفيين. يقع المسرح القومي (مسرح وتياترو الأزبكية) بحديقة الازبكية ولهذا الموقع تاريخ طويل مرتبط بفن المسرح ورواده، حيث كان مكان حديقة الازبكية بركة منسوبة للامير أزبك اليوسفي المملوكي، الذي أنشأ قصره على ضفافها وتبعه العديد من الأمراء في بناء قصورهم الفاخرة والزاهرة مستمتعين بالمنظر الجذاب للبحيرة وما يحيط بها من خضرة. وفي عصر الدولة العثمانية كثرت أماكن عرض خيال الظل على ضفاف البحيرة وكانت من الأماكن المميزة التي ينشدها المصريون ليلا. بعدها أنشأ الفرنسيون عام 1799 إدارتهم خارج القاهرة على ضفاف البركة بعد ثوره القاهرة وتبع ذلك إنشاء العديد من المسارح منها مسرح لنابليون أنشأه للترفيه عن الجنود ولكن تم حرقه وتدميره إبان ثورة القاهرة، وأعاد بناء المسرح الجنرال (مينو) وأطلق عليه مسرح (الجمهورية والفن) وكان موقعه بغيط النوبي قرب مركز البركة وتم إزالته وهدمه بعد جلاء الفرنسيين. وفي العام 1870 أمر الخديو إسماعيل حاكم مصر بتحويل بركة الازبكية إلى حديقة على غرار حديقة لوكسمبورج بباريس حتى إنه استورد نفس أنواع وأعداد الاشجار الموجودة بالحديقة الباريسية وأسند المهمة إلى مسيو لشفياري مفتش المزارع الخديوية والاميرية، وتم افتتاحها رسميا في العام 1872 وكانت على مساحة 18 فدانا. وعلى مقربة من حديقة الازبكية أنشأ إسماعيل المسرح الكوميدي (مبنى المطافي حاليًا) ودار الأوبرا الملكية عام 1869 وأعدها لاستقبال ضيوف قناة السويس، كما أنشأ في الحديقة مسرحا صغيرًا (1870- 1919) والذي شغله مسرح يعقوب صنوع رائد المسرح المصري وكان بمثابة أول مسرح وطني ليقابل ويواجه مسرح الطبقة الاستقراطية، كما كان هذا المسرح مقصد الفرق الاوروبية التي تفد على مصر لتقدم عروضها للأجانب المقيمين في مصر، كما تم به عرض للفانوس السحري عام 1881 والعديد من العروض المسرحية والسحرية. ومر على المسرح المصري فترة من المسرح الهزلي وانتشرت في مسارح عماد الدين والتي أدت إلى أن يسود هذا التيار واحتلاله رقعة واسعة من مجال المسرح بمصر حتى طغى على المسرح الجاد والغنائي. وفي العام 1917 أسست شركة ترقية التمثيل العربي (جوق عبد الله عكاشة وأخوته وشركاهم) وذلك باتفاق كل من عبد الخالق باشا مدكور وطلعت حرب وزكي وعبد الله عكاشة وأسسوا الشركة المساهمة لتقوم بالانفاق على فرقة عكاشة وتمويلها وتحميها من التيار الهزلي فقامت الشركة بتأجير مسرح الازبكية لمدة 50 عامًا بايجار سنوي وقدره 12 جنيها بموجب عقد يسمح للفرقة بتجديد بناء المسرح وتم طرح اسهم الشركة للاكتتاب حتى وصل رأس المال إلى 8000 جنيه لتغطي تكلفة البناء الجديد. شيد تياترو حديقة الأزبكية عام 1920 في نفس موقع تياترو الأزبكية القديم من حديقة الأزبكية جنوب شرق الحديقة وهو الجزء الذي يطل على ميدان العتبة وشارع البوسطة ومنصته ناحية الميدان ومدخله من مركز الحديقة ناحية الشمال الغربى وقد تم افتتاحه رسميا للجمهور الأول من يناير لعام 1920 قام بتصميم المسرح وتنفيذه المهندس فيروتشي الإيطالي الجنسية والذي كان يشغل منصب مدير عام المباني السلطانية في ذلك الوقت وقد صمم المسرح من الداخل على التصميم المعماري الذي كان سائدا في ذلك العصر من ناحية الصالة البيضاوية على هيئة حدوة فرس وكان تصغيرًا لتصميم مسرح الأوبرا الملكية المصرية وقد تم تصميم العديد من المسارح على غرار هذا المسرح مثل مسرح وسينما محمد على بالإسكندرية عام 1922 ( مسرح سيد درويش) ومسرح طنطا ومسرح ريتس عام 1923 ومسرح دمنهور 1925 ومسرح الريحاني عام 1926 ومسرح معهد الموسيقى العربية عام 1928 ويرجع فضل اختيار الطراز العربي للتصميم المعماري للمبنى إلى طلعت حرب والذي أنشأ في نفس العام بنك مصر على نفس الطراز والزخرفة المعمارية العربية. لم ترق فرقة عكاشة للمستوى المرجو منها في دعم المسرح الجاد فمنيت بخسائر مادية عالية فلم يقدم زكي عكاشة المهارة الفنية المرجوة وذلك أدى لتراجع الاقبال على عروض المسرح والذي تم تاجيره في معظم الاوقات للفرق الاجنبية لتقديم عروضها. في عام 1934 وعلى أثر تدهور حالة المسرح وقلة الحضور استأجرت شركة مصر للتمثيل والسينما المسرح لتقدم عروضها السينمائية به وسعت لتصفية شركة التمثيل العربي ونقلت حقوق الامتياز لها في مقابل 35000 جنيه وتم اعداد الحديقة الامامية لتكون سينما صيفية وتم تجهيزها بالمعدات الحديثة لذلك. وفي عام 1935 أسست وزارة المعارف الفرقة القومية برئاسة الشاعر خليل مطران وقد سمي المسرح على اسم الفرقة سنة 1958. وفي بداية تأسيسها اتخذت الفرقة من مسرح دار الأوبرا مكانا لعروضها وذلك حتى 1941 والتي تم الاتفاق فيه مع شركة مصر للتمثيل والسينما على أن تقدم الفرقة عروضها على مسرح حديقة الازبكية وذلك بعد ضمها لوزارة المعارف والتي كانت تتبعها شركة مصر للتمثيل والسينما في نفس الوقت. ومنذ بداية عهدها وضعت الفرقة القومية اسس المسرح الجاد الهادف والذي تعاقب على قيادتها العديد من عمالقة فن المسرح في مصر والذين قدموا لنا ليس فقط مسرحيات عالمية بل ملاحم مصرية لا تقل عن مثيلتها الاوروبية حبكة أو مضمونًا هادفًا بناء. مر على مبنى المسرح القومي عدد من مراحل التطوير بدأت في عام 1940 عندما قررت الفرقة القومية أن تشغله وفيها تم تعديل خشبة المسرح وتغيير الاثاث بالصالة بالكامل وفرش الارضية بالسجاد وإصلاح المداخل وبعدها هناك نقطتان هامتان في مسار حياته المعمارية، الأولى هي التجديدات التي تمت عليه في سنة 1960 والتي تمت بعد انشاء مسرح القاهرة للعرائس 1959 وشملتها تعديلات جوهرية في مبنى المسرح، والثانية في عام 1983 تمت تجديدات للمسرح والتي وصلتنا صورتها المعمارية حاليا وتلك المرة شملت تجديدات في شكل المسرح خارجيا وتعديلات داخلية في المسقط الافقي. وفى مساء يوم 27 سبتمبر عام 2008 تعرضت خشبة المسرح وصالة العرض لحريق هائل ما ألحق أضرارا بالغة بجميع عناصر المبنى، وبعد رفع مخلفات الحريق قررت وزارة الثقافة إجراء مشروع ترميم وتطوير متكامل للمسرح القومى ليعود وبقوة لأداء دوره في الحياة الفنية وبتجهيزات وامكانات القرن الحادى والعشرين. وكان أكبر ضرر للحريق على المسرح تأثيره البالغ على جميع العناصر الإنشائية بالمبنى وتم اسناد أعمال الدراسات والتصميم لمجموعة من الخبراء في هذا المجال وأجريت الدراسات الفنية والتحاليل لتحديد مدى سلامة العناصر الإنشائية لمبنى المسرح وتقدير حجم الأضرار الناجمة على العناصر الحاملة للتوصية بالإجراءات الواجب اتباعها لإمكان استخدام المبنى من عدمه. وقد جاءت الدراسات بناء على التحليل الإنشائى للمبنى ورصد العيوب والمشاكل وقد تبين ثبوت تحرك جميع العناصر من ركائزها أو تصدعها أو فقد اتزانها أو تجاوز تشكيلاتها الدور المسموح به. وبناء على جميع أنواع الدراسات الهندسية والاختبارات المعملية التي أجريت على الخرسانات القديمة فقد أجمع الاستشاريون على عدم صلاحية كل من قبة المسرح وسقف خشبة المسرح الذي انهار جراء الحريق من الناحية الإنشائية لتفتت وشروخ الخرسانة وعدم صلاحية حديد التسليح جراء التأثير الشديد للنيران على هذه الخرسانات القديمة ولعدم مطابقتها للكود المصرى الحالى لأعمال الخرسانات. سبق البدء في أعمال ترميم وتطوير المسرح القومى مجموعة من الدراسات والتصورات لأسلوب وفلسفة مشروع التطوير طبقا لاحتياجات تشغيل المسرح وبما لا يتعارض مع كون المبنى القديم مسجلا في عداد الآثار وتم التوافق عليها من جميع الهيئات ذات الصلة بالمسرح، وراعى التصميم المقترح العلاقات مع المبنى الأثري القديم. ومن أهداف المشروع إعادة إحياء مبنى المسرح القومي بعد تعرضه للدمار بعد الحريق، إزالة التعديات التي طالت مبنى المسرح على مدى عقود طويلة وإعادة المبنى لأصله الأثري، توفير كل الخدمات للجمهور طبقًا لللمعايير الدولية، توفير التقنيات اللازمة للحفاظ على قيمة المبنى وسلامة الجمهور، تجهيز المسرح بأحدث تقنيات العرض المسرحي العالمية ليواكب تطور العصر، وإعادة إحياء عناصر المبنى من زخارف جصية وملونة بعد الحريق. وشمل مشروع ترميم وتطوير المسرح القومى محاور عدة هي: أعمال الترميم الإنشائى، أعمال الترميم المعمارى، أعمال التجهيزات الفنية للمسرح، توفير الخدمات الأساسية لمبنى المسرح، وإعداد متحف لتاريخ ورواد المسرح القومى، انقسم العمل في بداية أعمال الترميم الدقيق للمسرح إلى قسمين رئيسيين أولهما أعمال ترميم الزخارف الجصية التي لم تصلها النيران أو اثرت عليها تأثيرا بسيطا يمكن علاجه وترميمه وتقويته وتمثل هذا النوع في زخارف قاعة عبد الرحيم الزرقانى بالمدخل وكذلك اسقف القاعات الملحقة بها حيث تمت مراعاة الحفظ الكامل لتلك الزخارف وعدم استبدال أو استكمال أي جزء منها وتلخصت الأعمال في ازالة بقايا السناج ( تأثيرات دخان الحريق ) وأعمال التنظيف اليدوى والكيمائى لتلك الزخارف ثم أعمال تقوية وعزل نهائى لها مع إجراء بعض الرتوش اللونية لها لإظهار وحداتها الزخرفية وتمثل أيضا في سقف قاعات الدور العلوى للمسرح. وكانت أعمال الترميم والحفاظ على الواجهة الأثرية القديمة والوحيدة الباقية من عصر إنشاء المسرح بمثابة عودة الروح لهذه الواجهة التي عانت كثيرًا من الإهمال وعدم إجراء أي نوع من أنواع الحفظ والصيانة لها، وذلك لموقعها المعزول بعد بناء مسرحى الطليعة والعرائس في نهاية الخمسينات من القرن الماضى.