فكَّر الفرنسيون المقيمون بالإسكندرية والقاهرة سنة 1909، في إنشاء مدرسة ليسيه مماثلة في نظمها ومنهجها لمثيلاتها بفرنسا، لتقوم بإعداد أبنائهم للحصول على شهادة البكالوريا الفرنسية، وأرادوا أن يكون نظام الدراسة ومنهجها “,”فرنسيا علمانيا“,”، ووقتها تحمست البعثة العلمانية الفرنسية للفكرة، وأمدتهم بالمدرسين والأدوات اللازمة. وبالفعل تم إنشاء مدرسة ليسيه الحرية بباب اللوق سنة 1909 بشارع مظلوم قبل نقلها إلى مقرها الحالي بشارع يوسف الجندي بباب اللوق سنة 1931، وهو المقر الذي افتتح بناؤه اسماعيل صدقي باشا في 17 نوفمبر 1931، قبل أن يفتتح الملك فؤاد المدرسة نفسها في 4 أبريل 1932. وقد تم البناء على الطراز الإسلامي، بالحوائط الحاملة وأسقف وكمرات خراسانية، وقد استخدمت فيها الزخارف الإسلامية التي تبدو واضحة على واجهات المبنى، من أعمدة وزخارف هندسية والمقرنصات الإسلامية المجلاة على باب المدرسة الرئيسي، وكذلك المسرح الخاص بالمدرسة المطل على شارع الشيخ ريحان، وهو المسرح الذي عرضت عليه جميع العروض الفنية والمسرحية الخاصة بالمدرسة والمناسبات الدينية والقومية. وبعد ثورة 1952 وإقرار مجانية التعليم، ظلت الليسيه ومجموعة أخرى من المدارس الأجنبية بمصروفات، ولذا اتخذ قرار بإنشاء هيئة “,”المعاهد القومية“,”، وكان الغرض منها هو تعزيز الانتماء القومي لدى طلاب هذه المدارس، وكذلك ضمان حصول طلاب هذه المدارس على مستوى تعليمي متميز مقابل المصروفات الباهظة التي يدفعونها في ذلك الوقت. ولكن مع مرور الزمن وتبخر حلم القومية العربية بالإضافة إلى قطع العلاقة بين فرنسا وبين مدارس الليسيه بعد العدوان الثلاثي عام 1956، كل هذا أدى ذلك إلى تدهور حال التعليم داخل هذه المدارس. وفي ثورة 25 يناير عام 2011، ورغم وقوع مدرسة الليسيه قريبًا من وزارة الداخلية إلا أنها ظلت بعيدة عن أحداث العنف التي صاحبت الثورة، ولكن في الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود اقتحمت قوات الأمن المدرسة، واستخدمت مبانيها وأسوارها للاعتداء على المتظاهرين، مما تسبب في احتراق أغلب مباني المدرسة بشكل جزئي، وقسم رياضة الأطفال بالكامل، بالإضافة لنهبها واتلاف محتوياتها. على أثر ذلك خرجت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “,”فيس بوك“,”، باسم “,”مدرسة ليسيه الحرية مش ثكنة عسكرية“,”، وخرجت مسيرات من التحرير ضمت خريجي المدرسة عبر سنواتها الطويلة، وتحركت هذه المسيرات لحماية المدرسة ورفض ممارسات الشرطة، وبعد انتهاء الأحداث الدامية، بدأ ترميم المدرسة في 28 نوفمبر وقدرت الخسائر المادية وقتها بأكثر من نصف مليون جنيه. وبالأمس وعلى وقع الاشتباكات الدائرة في العديد من وسط البلد، احترقت مدرسة الليسيه للمرة الثانية في أقل من شهرين. والمفارقة هنا أن ليسيه “,”الحرية“,” الذي لم يحترق في عهد مبارك، احترق مرتين في عهد الفاشية الدينية تحت حكم “,”الرئيس محمد مرسي“,”.