- إذا لم يكن هناك الله ، فكل شيء مستباح. - السعادة لا تكمن في السعادة ، ولكن في تحقيق ذلك. - فقط الإنسان هو من يعد أتراحه، ولكنه لا يعد أفراحه. - السعادة القصوى هي بمعرفة مصدر التعاسة. - أن تعيش بدون أمل هو أن تتوقف الحياة. - الواقعيون لا يخافون من نتائج دراستهم. - إذا كنت تريد أن تكون محل احترام الآخرين فالشيء العظيم هو أن تحترم نفسك. - السخرية هي الملاذ الأخير لشعب متواضع وبسيط. - الناس لا يقبلون الأنبياء ويذبحونهم، لكنهم يحبون ويعبدون الشهداء الذين تم تعذيبهم حتى الموت. إنها بعض مقولات الرجل الذي عزف بكلماته مقطوعة موسيقية خلدها التاريخ، فاستطاع أن يسجل بإبداعاته الأدبية سيمفونية خالدة يشدو بها الزمان، كما استطاع أن يضع العديد من روائعه الأدبية في بؤرة الضوء، وأعلى قمم جبال الأدب العالمي الشامخات حيث تعتبر رائعته "الإخوة كارامازوف" تتويجًا لمشواره الإبداعي والأدبي وهي الرواية التي ترجمها للعربية الكاتب المصري محمود دياب ومثلت في فيلم مصري باسم "الأخوة الأعداء" وتعتبر هذه الرّواية من قبل الكثير قمّة عطاءات الكاتب، وهي الرّواية الأخيرة له حيث فارق الحياة بعدها، إنه العبقري الروسي فيودور دوستويفسكي واحد من أكبر الكتاب الروس ومن أفضل الكتاب العالميين، وأعماله كان لها أثر عميق ودائم على أدب القرن العشرين. ولد فيدور دوستويفسكي في مثل هذا اليوم 11 نوفمبر عام 1821بموسكو لوالد يعمل طبيب عسكري ينحدر من فئة رجال الدين منح مقابل استقامته في الخدمة لقب نبيل. وكانت امه تنتمي إلى فئة التجار، وكان أبوه رجلا صعب الطباع وعلاوة على ذلك كان مريضا بالصرع الذي انتقل بالوراثة إلى ابنه دوستويفسكي اما امه فربت فيه المشاعر الدينية العميقة، ومنذ صباه ولع دوستويفسكي بميول التمرد وانبهر بالطموحات المثالية للكاتب الألماني شيلر، واحب روايات ديكنز الذي كان يجيد اثارة العطف على الناس المهانين، وكانت قريبة إلى نفسه تعرية التناقضات الاجتماعية في أعمال بلزاك الذي ترجم له فيودور دوستويفسكي رواية "أوجيني غراندي" قبل عامين من اصداره لأول عمل ادبي هو رواية "المساكين" عام 1846 التي نشرت في مجلة "سوفريمينيك " واقبل عليه القراء بتهافت قوي. من الفلسفة للإعدام تخرج دوستويفسكي في كلية الهندسة، لكنه لم يلتحق بالوظيفة، إذ لمس في نفسه انه أديب بالفطرة، وتعرف فيدور دوستويفسكي عن قرب بالناقد الروسي البارز فيساريون بيلينسكي الذي كان يتزعم كوكبة من الأدباء الشبان من انصار ما يسمى ب "المدرسة الطبيعية" وهي التسمية التي اصطلح آنذاك على إطلاقها على ادباء الاتجاه الواقعي، ثم توالت بعد رواية "المساكين" أعمال الكاتب الأخرى "المثل"(أو الشبه) و"ربة المنزل"، و"الليالي البيضاء" التي كشفت عن جوانب جديدة من موهبته لكنها لم تجلب له اهتمام الناس، ثم تعرف دوستويفسكي بالمثقف الروسي ميخائيل بيتراشيفسكي الذي تجمع حوله أولئك الذين أسرتهم أفكار الفيلسوف الفرنسي شارل فورييه الاشتراكية ودعواته إلى تغيير المجتمع. وانضم فيودور دوستويفسكي إلى حلقة "زملاء بيتراشيفسكي" الذين اسسوا جماعة شبه سرية. وتمكنت الشرطة من تتبع الجماعة حتى القت القبض على اعضائها عام 1849. وحكم على دوستويفسكي بالإعدام، لكنه في آخر لحظة وقبل تنفيذ حكم الإعدام بحقه صدر مرسوم قيصري يقضى باستبدال الإعدام باربعة اعوام من الاعمال الشاقة في مقاطعة اومسك بسيبيريا، إلا أنه عايش دوستويفسكي عمليا وهو واقف على منصة الإعدام ويتدلى فوق رأسه حبل المشنقة، عايش طقوس تنفيذ حكم الإعدام التي ضلت تلازمه طوال حياته، وقد وصف هذا المشهد الرهيب في روايته "الابله". العزلة القيصرية وقد وصف حياته وهو يقضي حكم الاعمال الشاقة في كتابه "ذكريات من منزل الأموات"، وعلاوة على ذلك التحق بالخدمة العسكرية جنديا في سيبيريا، ولم يتمكن الكاتب من العودة إلى الحياة الطبيعية وممارسة نشاطه الادبي بحرية الا بعد وفاة القيصر نيكولاي الأول، احيل دوستويفسكي عام 1859 إلى معاش التقاعد لسوء صحته بعد أن ترقى إلى رتبة ملازم أول في الجيش القيصري، ونال ترخيصا بان يعيش في مدينة تفير في شمال غرب روسيا، وظل تحت رقابة الشرطة حتى عام 1870. وساعد دوستويفسكي شقيقه ميخائيل في اصدار مجلة اطلق عليها "الزمان"، وبعد اغلاق تلك المجلة اعيد اصدارها تحت عنوان " العصر" ونشر دوستويفسكي بهاتين المجلتين مؤلفاته ""ذكريات من منزل الأموات" و" مذلون ومهانون" و"رسائل من القبو السري". المقامر قام دوستويفسكي في مطلع ستينات القرن التاسع عشر بزيارة البلدان الغربية ، حيث اولع هناك بلعب القمار ،الامر الذي جعله يواجه دوماً حاجة ماسة إلى الأموال واضطره إلى عقد صفقات غير عادلة مع اصحاب النشر والطباعة لإصدار رواياته، وكاد يفقد حقوق المؤلف، وانقطع صدور مجلة "العصر" بعد وفاة اخيه ميخائيل عام 1865، ومن أجل الإسراع في كتابة روايته الشهيرة "الجريمة والعقاب" عقد دوستويفسكي اتفاقاً مع كاتبة اختزال شابة اسمها آنا سنيتكينا التي تزوجها فيما بعد، وقامت سنيتكينا بتسيير الامور المالية لزوجها ودافعت عن حقوقه لدى نشر روايته الجديدة مما ساعده في الحصول على مبلغ لا بأس به مقابل عمله الادبي، وتعهد دوستويفسكي مقابل ذلك لزوجته بان يتخلى عن القمار نهائيا. لكن هذا الموضوع ظهر مجددا على صفحات روايته الجديدة "المقامر" التي صدرت عام 1866. أوج المجد عاش دوستويفسكي الأعوام الثمانية الأخيرة من حياته في مدينة ستارايا روزا بمحافظة نوفغورود بشمال غرب روسيا. وتعد هذه المرحلة مثمرة في نتاجه الادبي حين أبدع روايات "الشياطين" عام 1872 و"المراهق" عام 1875 و"الاخوة كارامازوف" عام 1880. وذاع صيته في روسيا كلها وخاصة بعد القائه كلمة مشهورة في مراسم افتتاح تمثال الشاعر الروسي العظيم الكسندر بوشكين في موسكو. لكن المجد الحقيقي واكليل الغار نزلا على دوستويفسكي بعد وفاته، واعترف الفيلسوف الألماني المعروف فريدريك نتشه أن دوستويفسكي كان بالنسبة له سيكولوجيا وحيدا جديرا بالتعلم منه. نهاية السيمفونية يتصارع في عالم دوستويفسكي الفني الرحمن مع الشيطان والخير مع الشر والحقيقة مع الزيف. ومضمار هذا الصراع هو قلب الإنسان على حد تعبير احدى شخصيات روايته "الاخوة كارامازوف". توفي الكاتب الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي في 11 فبراير عام 1881 ودفن في كاتدرائية ألكسندر نيفسكي في مدينة بطرسبورغ التي كانت آنذاك عاصمة للإمبراطورية الروسية. ورغم كل هذا يظل دوستويفسكي الرائد الأكبر للرواية الإنسانية، فرواياته العديدة هي بحق، معين لا ينضب للعبقرية والإلهام، بما خلّد الشعب الروسي، ومن خلالها أبحر في أعماق النفس الإنسانية قاطبة. لقد اجتمعت في كلماته وقصصه ورواياته قيم جمالية وأدبية قلما أن اجتمعت عند غيره من الكتاب: الرهافة المطلقة، والشاعرية العالية، والتجريد والتحليل العميقان، والتفاصيل الدقيقة جداً، والواقعية الفذة. إنه ساحر كبير في مجال السرد الحكائي لا يضاهى. وهو الخبير الأول روائياً، بالنفس الإنسانية وترددها المزمن بين السمو والسقوط والفضيلة والرذيلة والإيمان والإلحاد. لقد حدّق ملياً في شرط الوجود البشري وصاغ آياتٍ رائعة عن الإنسان في كل زمان ومكان. إنه الروائي الذي سار على طريق الأنبياء، محتاراً ومهموماً، يرافقه الشياطين والمجرمون، ودوّن لنا تفاصيل المسيرة، حتى تبقى منارة عالية ومشعة للتائهين والحيارى في ذلك الزمان وفي هذا الزمان وفي كل زمان ومكان.