إنه القدر الذي تدخل في آخر لحظة لإنقاذه من حبل المشنقة، ليكون فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي، "نبي الرواية"، الذي تحل اليوم ذكري ميلاده حيث عاش في الفترة من 11 نوفمبر 1821 – 9 فبراير 1881 واحدا من أكبر الكتاب الروس، ومن أفضل الأدباء العالميين، فبعد أن صدر ضده حكما بالإعدام بعد القبض عليه في جماعة شبه سريه أسرتهم أفكار الفيلسوف الفرنسي شارل فورييه حول الإشتراكية ودعواته لتغيير المجتمع صدر مرسوم قيصري يقضي باستبدال الإعدام بأربعة أعوام من الأعمال الشاقة ، هذه المدة التي قضاها في السجن حولها الي قطعه أدبية نادرة في كتابه " ذكريات في منزل الأموات " وفيه وصف بمراره معاناته وحياته الشاقه التي قضاها في السجن، ورغم أن الحكم بالإعدام لم ينفذ عليه إلا أن طقوسه ظلت تلازمه طوال حياته وقد وصف هذا المشهد الرهيب في روايته " الأبله"، كما كان لهذا المشهد أيضا تأثيرا كبيرا علي إختياره لأبطال رواياته في أقصي حالات اليأس وعلي حافة الهاوية. كما كان لحياته المضطربة والصعبة أثرا كبيرا علي إبداعه الذي يحتوي علي فهما عميقا للنفس البشرية ويقدم تحليلا لها حتي أصبح دوستوفسكي نفسه جزءا من تراث البشرية الروحي فإصابته بمرض الصرع وراثة عن والده الطبيب العسكري القاسي ، كان لها أثرا كبيرا علي شخصيته وإبداعه أيضا ، حيث جعلت منه شخصا عنيدا غاضبا وساخطا علي أوضاع المجتمع، نجح في أن يحول هذا الغضب الي أعمال روائية حملت تحليلا سياسيا واجتماعيا وروحيا لروسيا في ذلك الوقت ومنها رائعته " الجريمة والعقاب". كما كان أيضا لمكان إقامته تأثيرا عميقا عليه منذ طفولته حيث كان يسكن بجانب المستشفي التي كان يعمل بها والده التي كانت في أسوأ أحياء موسكو حيث كان هذا الحي يحوي مقبرة المجرمين ومحمية للمجانين ، ودار أيتام للأطفال المتخلي عنهم من قبل أهاليهم وقد كان لهذه المنطقة التأثير القوي علي دوستوفسكي الصغير الذي أثار شفقته وانتباهه اضطهاد وقلق الفقراء. وبعد وفاة والدته بمرض السل التحق دوستوفسكي بكلية الهندسة إلا أنه تركها من أجل الكتابة لأنه كان يدرك أنه موهوبا بالفطرة فكتب روايته الأولي " المساكين" التي تقبلها الناس بتهافت قوي وبسببها أصبح من الأدباء المشاهير في الرابعة والعشرون من عمره وبعد الفقراء بدأت شهرته تهدأ وتبرد حيث قوبلت أعماله التالية بآراء مختلفه لم يرض عنها دوستوفسكي مما أصابه بالإحباط. وفي مطلع ستينيات القرن التاسع عشر قام دوستوفسكي بزيارة البلدان الغربية وولع هناك بلعب القمار ، الأمر الذي جعله يواجه دوما حاجه ماسه الي الأموال واضطر الي عقد صفقات غير عادلة مع أصحاب النشر والطباعة لإصدار رواياته وكاد يفقد حقوق المؤلف وساعده شقيقه ميخائيل في إصدار مجلة أطلق عليها الزمان نشر بها مؤلفاته " ذكريات في منزل الأموات – ومذلون ومهانون- ورسائل من القبو السري مقابل ترك القمار ولكنه لم يستطع واستمر مقامرا حتي تراكمت عليه الديون مما جعله يتعاقد علي كتابة رواية خلال ثلاثين يوما لسداد ديونه فجلس يكتب روايته " المقامر" وسلمها في قسم الشرطة قبل إنتهاء الموعد الرسمي بدقيقتين. عاش دوستوفسكي الأعوام الثمانية الأخيرة من حياته في مدينة ستاراياروزا بشمال غرب روسيا وتعد هذه المرحلة مثمره في إنتاجه الأدبي حيث أبدع روايات الشياطين ، المراهق، والأخوة كارامازوف وتعد هذه الرواية في قمة عطاءات الكاتب وهي الرواية الأخيرة له حيث فارق الحياة بعدها. لكن المجد الحقيقي واكليل الغار نزلا علي دوستوفسكي بعد وفاته حيث اعترف الفيلسوف الألماني المعروف فريدريك نيتشه أن دوستوفسكي " كان بالنسبه له شخصية سيكولوجية متفردة جديرة بالتعلم منها". Comment *