بدأ منذ أيام قلائل عرض مسرحية "بعد الليل" بمركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية، ورغم حداثة الممثلون وقلة أعداد أيام عرض المسرحية وعدم حصول المسرحية على الدعاية التي تليق بها، فإنها تحقق نجاحا لافتا للنظر، قد يفوق في يوم من الأيام مسرحية "قهوة سادة" التي حققت نجاحا منقطع النظير وقت عرضها، وتعتبر من علامات المسرح الحديث في مصر. يعود ذلك إلى أن "بعد الليل" نجحت في الإفلات من فخ التقليدية والنصوص النمطية التي يقدمها المسرح التقليدي منذ سنوات، حيث تعتمد في المقام الأول على استخدام وإبراز التناقضات الفجة لدى المجتمع المصري بشكل لافت للنظر، يدعو إلى التأمل وإلى السخرية من هذا الواقع المحبط والذي يدفع أحيانا كثيرة إلى الاكتئاب والملل. وفي مثل هذه الأجواء، وقع اختيار المخرج خالد جلال مدير مركز الإبداع الفني على هؤلاء الشباب ليقدموا تجربتهم الأولى في عالم الفن والمسرح، بدلا من أن ينخرطوا في طريق الإحباط، إذا بهم يقدمون تجربة تؤهلهم لارتقاء أولى سلالم المجد والإبداع. لوحات المسرحية تنوعت وتعددت لتتناول شتى مجالات الحياة، فمن تهويل وتشويه الإعلام للأحداث الجارية إلى إلقاء الضوء على معاناة الموظفين الشهرية مع رواتبهم الهزيلة، مرورا بإبراز الأشكال الغنائية الهابطة التي تطرح نفسها على الساحة بشكل مستفز يوميا، وانتهاء بكيفية إقامة حفلات الزفاف بين الناس اللى فوق والناس اللى تحت يطوف بنا العرض. أزياء العرض كانت متسقة تماما مع مدلول العرض ونجحت في إيصال رسالتها بكل وضوح وبساطة، أما الموسيقى فكانت مؤثرة إلى حد كبير ومعبرة عن المشاهد المتنوعة والمتضادة التي جمعها العرض، بينما كانت بساطة الديكورات هي أروع ما فيه، ما سهل على المخرج تقديم العديد من التشكيلات والتكوينات على خشبة المسرح. بقي أن نطرح السؤال الذي تردد كثيرا طوال مشاهد المسرحية وهو "انت إيه اللى وصلك لكده؟" وهو سؤال استنكاري يطرحه الضمير على بطل المشهد يستنكر خلاله وصول حاله إلى هذا التردي والسوء بينما نطرحه هنا على المخرج خالد جلال محاولين أن نعرف كيف نجح في إخراج عفريت الإبداع من قمقم هؤلاء الطلاب الذين يجيئون يوميا من محافظات مختلفة ليلتقوا على خشبة مركز الإبداع الأصغر في مساحتها على مستوى مسارح الدولة والأكبر في تأثيرها على الساحة الفنية كلها؟! جدير بالذكر، أن العرض يشارك به نحو 24 شاب وفتاة من الموهوبين وهم ''محمد عز، نور قدري، إسلام عبدالله، ميرنا جميل، محمود الليثي، سارة إبراهيم، توني ماهر، جيهان الرازي، بسنت هشام، أحمد سالم، اسراء الصابوني، أحمد هاشم، وفاء الشرقاوي، محمد مجدي، سعاد الهواري، مو مجدي، باهر الشافعي، نهلة كمال، ماجد الشريف، دينا هريدي، عصام زيدان، نهي طاهر، ايليا نادر، رنا هريدي''. وشارك في تجهيز العرض: اضاءة وصوت أحمد عبد التواب، محمد محسن، اسامة فوزي، وليد فوزي، إعداد موسيقي كريم شهدي توني ماهر، تصميم أزياء تغريد عز الدين، تنفيذ ازياء خيرية حسين، ديكور ندي عبد الحميد، عمر رأفت، مخرج منفذ علا فهمي، وإخراج خالد جلال.