هل من المقرر أن تفضي بنا الثورة إلى جنة على الأرض؟! والثورة، ثورة 25 يناير مازالت في عنفوانها، ونحن في الأسبوع الثاني أو الثالث من فبراير 2011، بدا واضحًا أن أغلب المشاركين، داخل ميدان التحرير، لم يكن لديهم أهداف محددة أو خطة واضحة، ولم يكن لديهم أيضًا أهداف موحدة أو خطة موحدة، والأهم مما تقدم، أن أغلبهم كانوا يحاولون تحقيق كل أحلامهم، ولا نقول أهدافهم فحسب، وكأن الثورة يفترض بها أن تحقق الجنة على الأرض، وهذه الجنة كانت عند كل اتجاه من الاتجاهات المشاركة، أو حتى ربما عند كل شخص مشارك، مختلفة عن جنة الاتجاهات الأخرى، أو الأشخاص الآخرين، ولأن الثورة لم يكن لها قيادة واحدة لها خبرات سياسية، ولأن أغلب المشاركين كانوا من الشباب المتحمسين، والمتطلعين، وذوي الأحلام العريضة، والآمال الكبيرة، فإن هذه الرغبة العارمة في استحضار الجنة على الأرض استحوذت على مشاعر الميدان ومن ثم ارتفع سقف المطالب إلى عنان السماء، مما أثار قلقي البالغ في هذا التوقيت المبكر، ولذلك طرحت في الورقة التي كتبتها في ذلك الوقت وحملت عنوان "اللحظة السياسية الراهنة والمهمات العاجلة" مجموعة من الأسئلة، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يكون أول هذه الأسئلة: "هل من المقرر أن تفضى بنا الثورة إلى جنة على الأرض؟!" وجاءت إجاباتنا عن هذا السؤال على النحو التالي: "إن الثورات المصرية والعالمية قد أدت – فى النهاية – إلى المزيد من العدالة والحرية، ولكنها أبدًا لم تؤدى إلى تحقيق جنة على الأرض، ومن ثم فإن الذين ينخرطون فى الثورات بهدف تحقيق جنة موعودة هم الأشخاص الذين يصيبهم اليأس والإحباط، ولذلك على كل الذين شاركوا فى ثورة 2011، من الشباب والشيوخ والأطفال، ومن كافة القوى السياسية، أن يدركوا بعمق أننا لسنا فى طريقنا إلى الجنة، وإنما فى طريقنا إلى تحقيق مكاسب وأهداف محددة علينا أن نتفق عليها ونحققها على الأرض، ونعتز بتحقيق هذه المكاسب كخطوة على طريق لا نهاية له يهدف إلى تحقيق المزيد والمزيد من الحرية والعدالة، ودعونا هنا نؤكد أن الأصوات التى تعالت بعد أيام من اندلاع الثورة تؤكد أننا لم نحقق أيًا من أهدافنا رغم كل ما كان يتحقق على الأرض بالفعل يوميًا من إنجازات لم تكن تُشيع بكل أسف سوى الإحباط واليأس، وكان علينا، على الدوام، ومنذ الأيام الأولى للثورة، وحتى الآن، أن نؤكد لكل المشاركين فى الثورة أننا نحقق كل يوم على الأرض، إنجازات كبرى، ونحقق وحتى الآن انتصارات مدوية ونتطلع إلى المزيد، وهذا الخطاب الذى يعطى لكل ذى حق حقه ويعطى للثورة حقها، معناه ببساطة أن ما كان يمكن أن يحدث من توقف للعملية الثورية المندفعة سواء بالأمس أو اليوم أو غدًا، وقبل أن نحقق كل ما نصبو إليه، أو بالدقة ما يصبو إليه بعضنا، ليس معناه أننا فشلنا أو أن الثورة لم تحقق أهدافها، وإنما معناه ببساطة أننا حققنا بعض الأهداف وسنناضل – عبر آليات العمل السياسى المنظم طويل النفس – من أجل تحقيق المزيد من الأهداف". قدمت هذه الإجابة منذ قرابة أربع سنوات، وبكل أسف أستطيع القول إن الأمور سارت في عكس الاتجاه الذي كنا نأمل فيه، حيث اندفع الكثير من المشاركين في الثورة، بالذات من الليبراليين واليساريين والشباب، في رفع سقف المطالب بلا توقف، واخترع البعض كلامًا مبتذلًا من نوع "مفروض نشتغل ثورة مش نشتغل سياسة"، وكأن هناك تعارضًا بين السياسي والثوري، وشن هذا البعض هجومًا متواصلًا على كل من سولت له نفسه أن يبني حزبًا، أو يخوض انتخابات، تحت عنوان أنهم باعوا الثورة، ودفع هذا البعض الناس دفعًا، وبالذات الشباب الحالم، إلى الإحباط المرة تلو الأخرى لأن الثورة لم تحقق أي إنجاز، وسيكشف لنا المستقبل أن بعضًا، من هذا البعض، كان مدفوعًا بحسن النية، أما البعض الآخر فكان يعمل لحساب قوى الثورة المضادة سواء الإخوان أو الفلول، وكان يهدف إلى دفع قوى الثورة إلى الانقسام والتفتت والصدام فيما بينها، وقد ارتفع سقف مطالب كل فريق منهم إلى الحد الأقصى فتباعدت المسافات فيما بينهم، وكان هذا البعض يهدف أيضًا إلى دفع قوى الثورة أيضًا إلى الإحباط المرة تلو الأخرى نتيجة رفع مطالب مستحيلة التحقيق أو نتيجة التهوين الدائم من أي إنجاز يتحقق. لا أريد أن أدين قوى الثورة، أو بصياغة أخرى لا أريد أن نظلم أنفسنا، ولكن على الرغم من ذلك، لابد أن أقر وأعترف أن قوى الثورة لم تتمكن من صياغة أهداف محددة لكي تحقق هذه الأهداف، ثم تحدد أهدافًا أخرى وتحققها.. وهكذا دواليك، وبدلًا من ذلك ساد المزاج العام داخل القوى الثورية اضطراب وارتباك بعد أن احتل الحالمون والراغبون في تجسيد الجنة على الأرض موقعًا بارزًا في صدارة المشهد، وتقاعس ذوو الخبرة عن رد الأمور إلى نصابها، إلى الأهداف الواقعية الممكنة تحت وطأة المزايدات والابتزاز، ويمكننا القول إن القوى الثورية كلها الآن تدفع ثمنًا فادحًا نتيجة عدد من الأخطاء لعل واحد من أبرزها هو ترك الأمور للحالمين سواء كانوا حسني النية أم مشبوهين. أخيرًا.. ينبغي أن نؤكد هنا على ما أكدنا عليه منذ قرابة أربع سنوات "أن الذين ينخرطون في الثورات بهدف تحقيق جنة موعودة هم الأشخاص الذين يصيبهم اليأس والإحباط"، ولعل ذلك يفسر الكثير مما نراه الآن.