ليس كمثله عيد.. حيث حل عيد الأضحى المبارك هذا العام على الدول العربية وحالها ليس كأي عام مضى حيث تعاني أكثر من 5 دول من نير الانقسام والاقتتال الداخلي وشبح الحروب الأهلية التي باتت أقرب إليهم من حبل الوريد. لكن ومع كل هذا تبقى فلسطين هي الرقم الأصعب في معادلة أزمات الشرق الأوسط حيث لا تزال ترزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي الذي أهلك الحرث والنسل ودمر منذ شهرين أكثر من 40% من البنية الأساسية الفلسطينية وهدم آلاف البيوت وقتل وجرح أكثر من 11 ألف شهيد ومصاب. وفي هذه الظروف الحالكة جاء عيد الأضحى وجرح الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة لم يندمل بعد بل ما زالت دماؤهم تنزف. حيث اختفت مظاهر الفرحة في غزة خلال أيام عيد الأضحى المبارك، ونكأت المناسبة جراح عائلات فقدت أبنائها ومنازلها خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، ومنذ صبيحة اليوم كانت المقابر هي الوجهة الأبرز للأهالي، بينما لم يُبرح آخرون منازلهم المدمرة. عيد الأضحى هذه المرة يأتي وقد عانى أهالي قطاع غزة الأمرين خلال الحرب الأخيرة، التي لا تزال تداعياتها تسيطر على تفاصيل حياتهم، والشيء الوحيد الذي يختلف عن عيد الفطر الماضي هو أنه جاء دون سماع دوي القصف والتفجيرات. عبثاً يحاول بعض "المقتدرين" رسم البسمة على شفاه أطفالهم عبر ذبح الأضاحي، وشراء ملابس جديدة لهم، في حين يعجز السواد الأعظم من الغزيين عن ذلك، ويكتفون بالجلوس داخل منازلهم التي لم يطالها القصف بحسب ما نشره موقع 24 إمارات. فوق الركام في حي الشجاعية الذي لا تزال أكوام ركام المنازل مكدسة داخله، يجلس أبو محمد سكر أمام ما تبقى من بيته. بالنسبة له لا يختلف هذا اليوم عن الأيام التي سبقته، بل على العكس، فإنه مناسبة يزيد فيها الحزن، بسبب ما آل إليه حاله وحال جيرانه وأقاربه في الحي. يقول أبو محمد ل24: "كنت أتمنى أن يأتي العيد ونحن في ظروف أفضل. على الأقل يكون لنا بيت نجتمع فيه. لكن مع الأسف حالنا يرثى له، مر أكثر من شهر على انتهاء الحرب ولم يتغير أي شيء. بل زادت أحوالنا سوءاً". يشكو الرجل من ضيق الحال، وغياب الاهتمام من قبل المسؤولين، فهم منشغلون في ذبح الأضاحي والتمتع بأجواء العيد. وتكرار الحديث عن الانتصارات، كما يقول، "فيما نحن ننام في العراء، وندفع غالياً أثمان تلك الانتصارات المزعومة". على مقربة منه يجلس أبناء عائلة محمود مشتهى على بعض الكراسي البلاستيكية المتهالكة أمام حطام منزلهم. فيما يدور حولهم بعض أطفالهم بملابس رثة ووجوه عابسة. رغم أن تلك العائلة تسكن في "حاصل" مستأجر وسط مدينة غزة، إلا أنها أثرت العودة إلى الحي، رغم أن منزلها لم يعد صالحاً للسكن. زيارة المقابر لا يخفي معتصم، الشاب العشريني الذي عاد مع أشقائه شعوره بالحزن أكثر من أي وقت مضى مع حلول العيد، ويقول ل24: "لم نفقد منزلنا فقط خلال الحرب الأخيرة. استشهد 6 من أقاربي، والعشرات من الجيران. خلال العام الماضي احتفلنا جميعاً بالعيد وذبحنا الأضحية في نفس هذا المكان، لكننا الآن نجلس وقد تغيرت ملامح الحي". أما عائلة أبو عادل محيسن، فقد عادت لتوها من زيارة المقبرة حيث يرقد أحمد، ابن العائلة الذي استشهد في الحرب الأخيرة. فضّل والداه وأشقائه زيارة قبره وقراءة الفاتحة عليه، قبل أن تعود للمنزل الذي تضرر جزئياً، وبمجرد العودة توافد الأقارب والجيران لتهنئة العائلة بالعيد. بل وربما لتقديم واجب العزاء في أحمد، الذي لم يتسنى للعائلة إقامة بيت عزاء له خلال الحرب. بعيون دامعة، تحدث "أبو عادل" قائلاً: "مكتوب علينا نحن أهالي غزة أن نحزن حتى في مناسبة يفترض أنها سعيدة. كيف أن أفرح وأحتفل ودماء ابني لم تجف بعد. لا طعم للعيد بدون أحمد، ولا طعم له كذلك له ومعظم جيراني فقدوا منازلهم".