أنجز باحثون أمريكيون أول نموذج ثلاثي الأبعاد قادر على تقليد وظائف أنسجة المخ الحية، ما يمنح فرصًا جديدة لدرس كيفية عمل الدماغ وأمراضه والآثار التي تحدثها الصدمات، بحسب نتائج دراسة علمية حديثة. يمنح هذا النموذج الثلاثي الأبعاد إمكانية فريدة لإعادة إنتاج تفاعلات عصبية فيزيولوجية ووظائف دماغية لاختبارات من غير الممكن إجراؤها مع بشر أو حيوانات. وهذا النموذج الذي يعيد إنتاج بنية معقدة للقشرة المخية، يظهر تفاعلات حيوية كيميائية وكهربائية فيزيولوجية، وبإمكانه العمل في داخل المختبر على مدى أشهر، بحسب هؤلاء الأخصائيين في الهندسة الحيوية الذين نشرت نتائج دراستهم في تقارير الأكاديمية الأمريكية للعلوم في عددها للفترة بين 11 و15 أغسطس. ولا يزال دماغ الإنسان أحد أكثر الأعضاء التي يكتنفها الغموض بسبب التعقيد الكبير في طريقة عمله والصعوبات في تحليل وظائفه لدى الأشخاص الأحياء، على ما أكد هؤلاء العلماء في جامعة تافتس بولاية ماساتشوستس شمال شرق الولاياتالمتحدة. نموذج قياسي وأشار ديفيد كابلان رئيس قسم الهندسة الحيوية الطبية في جامعة تافتس والمشرف الرئيسي على هذه الدراسة الممولة من المعاهد الأمريكية للصحة إلى أن "ثمة فرصًا ضئيلة لدرس وظائف دماغ حي، وبالتالي هذا حقل أبحاث يجب إيجاد خيارات جديدة فيه لفهم ومعالجة مروحة واسعة من الاضطرابات العصبية". وعوضًا عن محاولة إعادة إنتاج كامل المسارات في الدماغ، أنجز هؤلاء الباحثون نموذجًا قياسيًا يعيد إنتاج الخاصيات الأكثر ضرورية للوظائف الفيزيولوجية لأنسجة المخ. وكل واحدة من هذه الوحدات يمزج بين مادتين تحملان خاصيات مختلفة. والأمر يتعلق ببنية مسامية أكثر صلابة مكونة من بروتينات الحرير يمكن أن تتركز عليها الخلايا العصبية العائدة للقشرة المخية المتأتية من أدمغة الجرذان، إضافة إلى نسيج غشائي من الكولاجين يمكن أن تدخل إليها إمدادات للخلايا العصبية للاتصال بين بعضها على هيئة ثلاثية الأبعاد. وتم تجميع هذه الوحدات كل في دوائر متحدة المركز بطريقة تتيح لها محاكاة طبقات القشرة المخية الحديثة. قدرات فائقة ولفتت الباحثة في جامعة تافتس، مين تانغ شومر إلى أن "هذا النسيج حافظ على قدراته في المختبر لتسعة أسابيع على الأقل أي لوقت أطول بكثير بالمقارنة مع زراعة الخلايا الدماغية في الكولاجين وحده". وأشارت إلى أن النسيج الغشائي الأكثر سماكة يسمح بإيجاد شبكة من الاتصالات العصبية الضرورية لعمل الدماغ. ومع هذا النموذج، تمكن الباحثون من تحليل الآثار المتعددة للاضطرابات الدماغية وبينها الأضرار على المستوى الخلوي والنشاط على مستوى الفيزيولوجيا الكهربية إضافة إلى التغييرات العصبية الكيميائية الناجمة عن الإصابات. وعلى سبيل المثال، عندما قام الباحثون بمحاكاة اضطراب خطير في أنسجة المخ، أنتجت هذه الأنسجة كميات كافية من الغلوتامات، وهو ناقل عصبي تفرزه الخلايا الدماغية لدى حصول إصابة في المخ. وبالنسبة لهؤلاء الباحثين، يمنح هذا النموذج الثلاثي الأبعاد إمكانية فريدة لإعادة إنتاج تفاعلات عصبية فيزيولوجية ووظائف دماغية لاختبارات من غير الممكن إجراؤها مع بشر أو حيوانات.