طالب د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بضرورة أن يسود معيار الكفاءة ويتصدَّر في مصر، ليتماشى مع مبدأ المساواة، والتواضع للناس. وقال في بيان له: "لا ينبغي أن يقيم الناس في مسألة الوظائف على أساس من الفوارق الاجتماعية أو الفوارق الأُسرية، أو الإمكانات المادية، فما ذنب شاب والده يعمل في مهنة متواضعة جدًا ثم يُحال بينه وبين وظائف معينة؟ هذا نوع من الظلم الاجتماعي، وأرجو وأتمنى وأحلُم وأتطلع إلى أن نصبح في يومٍ ما من الأيام، ووُضعت القوانين والأسس التي تسوي بين أولاد الناس جميعًا عند التقدم لوظيفة ما. وتابع، "لو قسمنا الناس إلى طبقات، طبقة مُحتقرة وطبقة محترمة، سوف يسود الحقد، والحسد، والرياء، وغيرها من الرذائل التي ستتزايد مع تهاوي هذه الفضيلة". وأكد أن الفقراء دائمًا ما كانوا سواعد الأنبياء القوية في الدعوة إلى الله تعالى، وفي هداية الناس إلى الله سبحانه، فهم أصحاب فضل في المجتمعات كلها، حتى على المستوى الدنيوي، فالبناء والتعمير على أي أساسٍ يقوم؟ وكذلك الزراعة والصناعة، وكل الأعمال التي تُشَكِّل "العصب الأساس" في كل المجتمعات، مَن يقوم بها؟ أيقوم بها المترفون أم العُمَّال الذين يكدون ويتعبون؟ وشدد على ضرورة النظر إلى هؤلاء الناس نظرة احترام ونظرة تقدير، وقال: "هِرقل عظيم الروم أَرْسَلَ إلى أبي سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ؛ وهو في تجارة بالشَّام مع رَكْبٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فحضرَوا إلى مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ َدَعَا هِرَقل بِتَرْجُمَانِهِ وقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، فَوَاللَّهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ، أَنْ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ، قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ: لا، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ..."؛أي: أن تابعيه هم من بسطاء الناس وطبقة الضعفاء "طبقة الفقراء والمساكين" فقال له هرقل: وهكذا أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، مما يدلنا على أن أتباع الرسل في المقام الأول هم من هذه الطبقة، ثم قال بعد ذلك لأبي سفيان: " فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ" وبالفعل لم تمضِ سنوات قلائل حتى كان الإسلام في الشام، وصدقت فراسة هذا الرجل. وأضاف شيخ الأزهر، أن التأفف من الفقراء، ضَرَبَ مبدأ إسلاميًّا مُهِمّاً في مقتل؛ وهو مبدأ تكافؤ الفرص في الوظائف، فلو أن أيًا من الناس - في الغرب – تقدم لأي وظيفة من الوظائف، تجدهم ينظرون إلى هؤلاء المتقدمين نظرة متساوية تمامًا، فالفيصل هو الكفاءة لديهم، ولذلك بلادهم تقدمت ووصلت إلى مركز مرموق في العلوم والحضارة، لكن لا تزال بعض الوظائف في بلادنا تُحجَز لأصحاب مواصفات اجتماعية معينة، وليست مواصفات كفاءة، فلو تقدم من هو أكفأ ولكن يفقد البريق الاجتماعي مع مَن يلمع اجتماعيًا، وكفاءته تكاد تكون منعدمة، يُقدَّم هذا الذي يلمع اجتماعيًا، وهذا تأسيس للطبقية التي جاء الإسلام ليهدمها من الأصل، لأن تصنيف المجتمع لا يقوم على أساس الكفاءة، ولا على أساس العمل، ولا على أساس القدرة، ولا على أساس الذكاء، وإنما على أساس طبقات اجتماعية، وهذه هي الكارثة، فنحن نرى أن هناك وظائف مغلقة على ناس معينة، وهذا ليس من الإسلام، ولا من العدل، ولا من الإنصاف، وإنما هو نوعٌ من الكبر، ومن العيب أن يسبقنا غير المسلمين في هذا المضمار.