عقدت الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، مائدة مستديرة حول "قانون الأحزاب السياسية" لمناقشة قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته المختلفة. ومن جانبه، تقدم فريد زهران، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بورقة خلفية للتعليق على قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته المختلفة، والتي كان آخرها تعديلات المجلس العسكري الصادرة في مارس 2011، مشيرًا إلى عدة ملاحظات بشأنه تتمثل في الآتي: الملاحظة الأولى: اكتفاء المجلس العسكري بإدخال التعديلات على القانون 40 لسنة 1977، ولم يلغ القانون الذي قيد حق المواطنين في تكوين وإنشاء الأحزاب السياسية في مصر أو بالدقة جعل قرار تأسيس الأحزاب في يد الدولة ومؤسساتها الأمنية، بل جعل نشاط هذه الأحزاب أيضًا تحت هيمنة وسيطرة الدولة إلى حد كبير، وذلك بالمخالفة لدستور 71 نفسه وبالمخالفة أيضًا للمادة 22 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، حيث سمح القانون 40 لسنة 77 للجنة شئون الأحزاب بالتدخل في عملية تأسيس الأحزاب السياسية وأسند إليها سلطات واسعة في إدارتها أيضًا والتدخل في شئونها، إضافة إلى ما وضعه من قيود عديدة ومتنوعة على الحق في إنشاء الأحزاب، ومن ثم كان يتوجب إلغاء القانون ووضع قانون جديد. الملاحظة الثانية: وضع المرسوم شروط غامضة ويمكن تأوليها بصورة مجحفة لتأسيس الأحزاب، وبالذات في المادة الرابعة التي نصت على أن تأسيس أو استمرار أي حزب سياسي يجب أن لا يتعارض مع مقتضيات حماية الأمن القومي المصري أو الحفاظ على الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي، وهى عبارات فضفاضة تحمل أكثر من تأويل مما قد يفتح الباب أمام اللجنة المشكلة بموجب المرسوم ونتيجة أي ضغوط محتملة لرفض مشروعات أحزاب إذا رأت اللجنة أن مبادىء تلك الأحزاب تتعارض مع هذه العبارات، دون وضع أي معايير لتحديد مفهوم تلك العبارات. الملاحظة الثالثة: أن تشكيل اللجنة التي تسمح أو تمنع وبصرف النظر عن أنها لجنة قضائية يتعارض مع الدستور الذي نص في المادة 74 على أن تأسيس الأحزاب بالإخطار، ويتعارض أيضًا مع الأعراف والقوانين المشابهة في الدول الديمقراطية، والتي تؤكد على أن تأسيس الأحزاب بالإخطار وأن الحكومة تلجأ للقضاء إذا خالفت الأحزاب أسس وقواعد النظام الديمقراطي. الملاحظة الرابعة: المادة 6 بند 1، قيدت حق المواطنين المصريين المجنسين في الانضمام إلى أي حزب إلا بعد خمس سنوات على الأقل، كما اشترطت على من يتولى منصبًا قياديًا في أي حزب أن يكون من أب مصري وهو أمر يتعارض مع القوانين في الدول الديمقراطية ويتعارض حتى مع القانون التونسي ويتشابه مع الحالة الأردنية التي زادت على ذلك بأن يكون الشخص مقيم بصفة شبه دائمة في الأردن (!)، ويُعد هذا النص مخالف للمادة الرابعة من الدستور والتي تنص على أن "المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو النوع أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وتكفل الدولة تكافؤ الفرص بين المواطنين"، وهو إهدارًا لحقوق هؤلاء المواطنين المصريين، ومخالف أيضًا للمادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. الملاحظ الخامسة: وضع المرسوم قيدا كبيرا على تأسيس الأحزاب عندما ألزم الراغبينب ألا يقل المؤسسون عن خمسة آلاف مؤسس، بل اشترط أن يتم التصديق رسميًا على توقيعاتهم (أي أن يقوموا بتحرير توكيلات من الشهر العقارى لوكلاء المؤسسين)، وأن يكونوا من عشر محافظات على الأقل بما لا يقل عن ثلاثة مائة عضو من كل محافظة وهو ما يشكل قيدًا ويحرم المواطنين المصريين الذي يقل عددهم عن هذا العدد من تشكيل أحزاب، كما يضع قيدًا على حق المواطنين في محافظة ما من تشكيل حزب، حيث اشترط ضرورة جمع الأعضاء المؤسسين من عشرة محافظات على الأقل، وهي شروط مبالغ فيها، فضلًا عن أن الحصول على خمسة آلاف مؤسس هو أمر يحتاج إلى حرية حركة للمجموعة التي ستلقى على عاتقها جمع هؤلاء المؤسسين من المحافظات المختلفة، وهو أمر كان ممكنًا، مثلًا، في أعقاب ثورة 25 يناير، ولكنه قد لا يكون متاحا الآن بنفس القدر على الأقل في ظل التضييق على الحركات والحركة السياسية في الشارع، والقانون الأردني مثلًا والذي ينص على عُشر هذا العدد يعطى تصريحا لخمسة فقط من هؤلاء المؤسسين للحركة من أجل جمع التوكيلات المناسبة، وحتى هذا البند لا يتوفر في القانون المصري. الملاحظ السادسة: نص المرسوم في المادة الثامنة على ضرورة نشر أسماء المؤسسين في صحيفتين يوميتين واسعتى الانتشار، وهو ما يعتبر عبئأ ماليًا على المواطنين الراغبين في انشاء الأحزاب، حيث إن تكلفة تصديق توقيعات خمسة آلاف مواطن ونشر أسمائهم في جريدتين يوميتين، لا يقل عمليًا عن نحو نصف مليون جنيه، ويعتبر ذلك عبئا كبيرا على الأحزاب بالذات وهى في مرحلة التأسيس. الملاحظ السابعة: أعطى المرسوم في المادة 17 منه للسيد رئيس لجنة الأحزاب سلطة في حل الحزب وتصفية أمواله بعد تقرير من النائب العام عن تخلف أو زوال أي شرط من الشروط المنصوص عليها بالمادة 4 من القانون، وهو ما يفتح الباب للتدخل الإدارى في عمل الأحزاب السياسية ويعطى للسيد النائب العام وللجنة الأحزاب السياسية سلطات واسعة في التدخل في شئون الأحزاب. الملاحظة الثامنة: ألغى المرسوم الدعم المقدم للأحزاب الذي نص عليه القانون 40 لسنة 1977، وهكذا سارت هذه اللجنة في طريق معاكس للاتجاه العام داخل الديمقراطيات العريقة التي تحاول إحلال المال العام محل المال الخاص في دعم الأحزاب. واتفق المشاركون على ما جاء بالورقة من ملاحظات أساسية بشأن القانون سالف الذكر، مطالبين بعدة توصيات أساسية ولعل أهمها: أولًا: ضرورة سن قوانين ديمقراطية حديثة معنية بالحق في التجمع والتنظيم -المنظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني- (الأحزاب السياسية، الجمعيات الأهلية، النقابات المهنية)، على أن تتوافق هذه القوانين مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتتناسب مع المتغيرات الجديدة بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وذلك بغية بناء مجتمع مدني حر وفاعل قوي قادر على المساهمة في تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. ثانيًا: إلغاء قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته المختلفة، وسن قانون ديمقراطي جديد للأحزاب، وذلك نظرًا لتغير الظروف المحيطة بهذا القانون، فهو بحاجة لإطار فسلفي جديد يوضح طبيعة هذه المتغيرات منذ عام 1977 وحتى الآن، على أن يتألف هذا القانون – على سبيل المثال- من 4 أبواب وهي ( باب خاص بأسس تكوين الأحزاب، باب خاص بحقوق ومسئوليات الأحزاب، باب خاص بتمويل الأحزاب، وباب خاص بالشروط والأحكام الختامية)، على أن ينص في القانون المقترح صراحة على إنشاء الأحزاب السياسية بالإخطار وذلك تماشيًا مع نص الدستور الحالي. ثالثًا: تحديد طبيعة الأدوار المناطة والصلاحيات المحددة للجنة شئون الأحزاب السياسية – في القانون المقترح - على أن تضم في عضويتها ممثلين لأحزاب سياسية. رابعًا: إلغاء العقوبات الواردة بالقانون والاكتفاء بنظيرتها الموجودة في القوانين المصرية الأخرى (قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية كمثال لذلك). خامسًا: النص صراحة في القانون المقترح على حظر إنشاء الأحزاب السياسية على أساس "ديني" أو "مرجعية دينية"، مع إلغاء النص الخاص بحظر إنشاء الأحزاب على أساس " فئوي" أو "طبقي". سادسًا: إلغاء المادة ( 4) من القانون نظرًا لما تتضمنه من عبارات فضفاضة وواسعة مثل "أن تأسيس أو استمرار أي حزب سياسي يجب ألا يتعارض مع مقتضيات حماية الأمن القومى المصري أو الحفاظ على الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي، وهى عبارات فضفاضة تحمل أكثر من تأويل، مما قد يفتح الباب أمام اللجنة المشكلة بموجب المرسوم، ونتيجة أي ضغوط محتملة لرفض مشروعات أحزاب إذا رأت اللجنة أن مبادئ تلك الأحزاب تتعارض مع هذه العبارات، دون وضع أي معايير لتحديد مفهوم تلك العبارات. سابعًا: إعادة النظر في العدد المحدد لإنشاء أحزاب سياسية، فاشتراط القانون الحالي ألا يقل المؤسسين عن خمسة آلاف مؤسس، وأن يتم التصديق رسميًا على توقيعاتهم، وأن يكونوا من عشر محافظات على الأقل بما لا يقل عن ثلاثة مائة عضو من كل محافظة، تعتبر بمثابة شروط مبالغ فيها، فالأصل أنه يحق لأي عدد من المواطنين يزيد عن خمسة اشخاص تكوين جمعياتهم السلمية، وجدير بالذكر أن القانون الأصلي للأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، كان ينص على أن يكون المؤسسين ألف فقط، فإذا بالمجلس العسكري يضاعف عدد المؤسسين المطلوب إلى خمسة أضعاف !!. ثامنًا: إلغاء المادة الثامنة من القانون التي تنص على ضرورة نشر أسماء المؤسسين في صحيفتين يوميتين واسعتي الإنتشار، نظرًا لاستحالة ذلك من الناحية العملية في ضوء التكلفة المالية الباهظة لذلك والتي لا تستطيع أن تتحملها أحزاب مازالت في مرحلة التأسيس. تاسعًا: ضرورة تقديم الدولة الدعم المالي للأحزاب السياسية نظرًا لضعف إمكانياتها المالية، وتشجيعًا للعمل السياسي المنظم من قبل الدولة وذلك بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ومثلما هو الحال في بعض الدول الديمقراطية، مع ضرورة النص في القانون المقترح على أهمية إلتزام الأحزاب السياسية بمعايير الشفافية والمحاسبة في تعاملاتها المالية. عاشرًا: النص صراحة في القانون المقترح على أحقية وحرية الأحزاب في إنشاء أي عدد من الصحف الحزبية، ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية بمجرد الإخطار للجهة المختصة. حادي عشر: ضرورة نشر قيم ومبادئ الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية وفي مقدمتها دورية الانتخابات الداخلية، واختيار قادة الحزب وهيئاته وممثليه وفق النظام الداخلي لكل حزب، والالتزام بتثقيف أعضاء الحزب ومؤيديه بثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز قدراتهم على العمل السياسي وتأهيلهم لتولي المسئوليات داخل الحزب وفي مؤسسات الدولة أيضًا. .