هذا ليس بمقال.. بل رسالة إنسانية نيابة عن أحد الفقراء الذي يعاني من برد شتائه القاسي قررت كتابتها في شكل قصصي لسرد واقع قد يظنه البعض خياليًا، لكن الواقع أقبح من أي خيال وأشد قسوة من برد هذا الشتاء الذي نهرب منه في شوارعنا بحثًا عن الدفء في المنازل! الشتاء ملاذ الكتاب والعابثين ليلاً وسط الهواء البارد قبل العودة للمنازل والتلحف بالأغطية القطنية. وهذا الشتاء أيضًا هو العدو اللدود لسكان الأرصفة الذين ينزوون في ركن إحدى البنايات التي يقطنها كبار القوم والأغنياء، حيث باتت هذه الأرصفة والطرقات خالية من الأقدام التي كانت تملأها منذ قليل، وتفكرت في مشهد لم أتخيله لرجل فقير يسكن الشارع وقطته النحيفة التي تستدفئ بجسده من برد الليل. جلس ساكن الرصيف على ورقته الكرتونية التي تقيه وقطته برودة الأرض وقساوتها. فقد اغتنم اليوم رغيفًا كاملاً من الخبز الصابح الذي أهداه له أحد المارة طيبي القلب. وتفكر الرجل قليلاً قبل أن يقرر مقاسمة قطته البائسة بجواره التي تعثرت ربما في وحل الأمطار مما أكسب شعرها الرمادي شكلاً مزغبًا مليئًا بلون الطين، لا تفرق عن جليسها الذي ارتدى ثيابه الوحيدة الرثة التي بالكاد تحجب عنه بعض النسمات الباردة. أخذ يقلب في رغيفه ويتشممه غير عابئ بنظرة القطة المسكينة التي وقعت عيناها هي الأخري على الخبز. حتى أنه نظر لها نظرة طويلة وقال: “,”سأتقاسم معكِ كل قطعة من الرغيف أقتطعها وبذلك نكون أكلنا معًا!“,”. وأضاف: “,”لكن تذكري أننا سنكمل أسبوعنا هذا بما سنأكله الآن“,”. وسكت قليلاً حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة لفكرة في مخيلته التي تتضور جوعًا، ثم قال لقطته التي لا تزال تنظر: “,”أتعلمين أن الخبز يشبهنا كثيرًا، فهذه القطعة الآن وحيدة مثلنا تمامًا بعد أن تركت أصدقاءها في الصينية المعدنية التي بالمخبز، وربما مشتاقة إليهم الآن!. وكلانا سيأكلها بعد قليل لتصبح قطعًا صغيرة ستشتاق هي الأخرى لبعضها البعض، ولن تجد لها من يدفئ جلستها مثلي أنا وأنت، ما رأيك أن نبحث معًا عن المخبز الذي جاءت منه هذه القطعة من الخبز؟!.. هو بالتأكيد قريب من هنا لأنني عندما لمست القطعة لأول مرة كانت ساخنة بعض الشيء، ربما سيفرح أصدقاؤها بعودتها مرة أخرى، وستقام الاحتفال بين عمال المخبز بهذه العودة. وربما أعطونا بعضًا من الخبز الذي سيملأ بطوننا. لكن أتعلمين عندما أجد منزل هذه القطعة البائسة، سأطلب منها أن تسأل لنا عمن يعطينا شيئًا يقينا من هذا البرد القارس. ربما ملاءة قطنية أو قطعة قماش من الصوف“,”. حاولت القطة أن تقترب من قطعة الخبز لتأخذ منها قطعة، لكن الرجل الفقير أبعدها عنها وقال: “,”هل تريدين أن تقتليها أيتها الشريرة؟!.. هي الآن تبكي. انظري ماذا فعلتِ“,”.. جثت القطة على قوائمها الأربعة مجددًا ولا يزال نظرها معلقًا بالقطعة. وقال الرجل: “,”ماذا لو أنها لا تريد العودة مجددًا لأصدقائها. ستصبح بالتأكيد حزينة. وأنا لا أريد ذلك. وأنت أيضًا يا قطتي. أليس كذلك؟! “,”. وسكت متفكرًا للحظات.. “,”ممم!. لن نأكلها. فماذا نفعل حتى لا تصبح القطعة حزينة“,”. نظر الرجل وقطته معًا إلى قطعة الخبز وقال: “,”انظري ستنامين معنا هذه الليلة ولا تخافي من قطتي فهي محبوبة. وحتى لا تشعري بالبرد مثلنا سأضعك في كيس يسكنه من يشبهك“,”.. أخرج الفقير كيسًا شفافًا من البلاستيك يحتوي قطعًا من الخبز الذي أصابه اليبس جراء تركه لفترة طويلة بلا أفواه تأكله أو تقترب منه وقال لها: “,”حتى لا تصبحي وحيدة ستبيتين اليوم مع صديقات هؤلاء وتتدفئين معهم من البرد القارس وأنا وقطتي سنحرسكم طوال الليل حتى تصبحي سعيدة أيتها القطعة“,”.. ووضعها في الكيس.. قال الرجل الفقير لقطته: “,”الآن أصبحت قطعة الخبز سعيدة، وربما نامت في حضن صديقاتها الجدد ليتدفئوا معًا. ماذا سنفعل الآن؟!“,”.. نظرت القطة طويلاً إلى الرجل الذي مد جسده النحيف الذي تكوّر على بعضه فوق ورقته الكرتونية، وبعدها قفزت خلفه مسندة رأسها إلى ظهره وأغمضت عينيها. وقال: “,”سننام ونبحث عن المخبز في الصباح“,”. تمت