"التف زقاق المدق في غلالة سمراء من شفق الغروب، زاد من سمرتها عمقا أنه منحصر بين جدران ثلاثة كالمصيدة له باب على الصنادقية، ثم يصعد صعودا في غير انتظام، تحف بجانب منه دكان وقهوة وفرن، وتحف بالجانب الآخر دكان ووكالة ثم ينتهي سريعا كما انتهى مجده الغابر ببيتين متلاصقين، يتكون كلاهما من طوابق ثلاثة". لم يختلف شكل الزقاق الآن عما وصفه محفوظ في روايته، مازال كما هو بتعاريجه وقهوة كرشة قائمة، ولكن الفرن تحول إلى بيت ضخم، وتحول باقيه إلى مخازن لحي الحسين، ذهبنا إليه بعد العديد من الأسئلة خاصة أننا مررنا عليه مرات كثيرة ولكننا لم نلحظه، مع عدم وجود لافتة تشير إليه. لم يبق منه غير ملمح واحد يعبر عن أصالته "عم عبده" و"مكواته الرجل" الشهيرة المصبوبة من حديد والتي يبلغ وزنها 40 كيلو، والتي لمحناه أثناء مرورنا بالصدفة يجلس في غرفة ضيقة للغاية بسلالم تتسع لشخص واحد فقط. يقول عم عبده "أنا من الوايلي ولكن محلي هنا في الزقاق، وأعمل في تلك المهنة منذ أكثر من 40 سنة، وأشهر ما أسمعه عن الزقاق هو الفيلم الذي كانت بطلته شادية، غير ذلك فالمكان تبدل والناس بالطبع تغيروا". يملك عم عبدو مكوتين من الحديد هما إرثه الوحيد، يحافظ عليهم كأثر ويعتز جدا بهم قائلا "عندي أحسن من البخار ومازالت "المكواة الرجل" على الرغم من مرور أكثر من 500 سنة على صنعها، لها زبونها مهما تبدل الزمان أو تغير الاشخاص". ويوجه خالد حبيب عتاب إلى كاتبنا نجيب محفوظ بخصوص روايته عن الزقاق قائلا: "وصف محفوظ الشارع بشكل يسيء لأهله، فشخصية حميدة وباقي شخصيات الرواية لا يعكسون سماتنا، فأهل الزقاق ناس بسطاء جدا". ويضيف حبيب "ما تبقي من الزقاق هو قهوة كرشة والتي استحوذت على أهم مشاهد الرواية، وما تغير هو الفرن والذي تحول إلى بيت، والباقي مجرد مخازن". ويقول خالد الكيلاني أحد سكان الزقاق "لا يوجد سمة أساسية للزقاق وما شهره هو رواية نجيب محفوظ والذي كان يجلس على ذلك المقعد –في إشارة منه إلى مقعد متهالك من الخشب- ويتحدث إلى الناس. وعند سؤاله عن عدم وجود لافتة للزقاق أوضح أنه تم سرقة اللافتة ووضعها في أحد معارض آوروبا كأثر تاريخي، نتيجة شهرة الزقاق بعد رواية وفيلم محفوظ، وتوافد العديد من القنوات والصحفة الأجنبية لرؤيته بعد أن تم تصويره كأحد أهم ملامح القاهرة القديمة. ومن الأشياء الغريبة أن الغرب أعجب هو الآخر بالرواية وتحولت إلى فيلم آخر في المكسيك عام 1995 باسم El callejón de los milagros أو Midaq Alley ونال العديد من الجوائز بالرغم من تعديل الرواية لتلائم النمط السينمائى المكسيكي !!!!. لينك الفيديو https://www.youtube.com/watch?v=1nbavzOW5SQ