وقع اختيار رئيس الوزراء الهندي الجديد ناريندرا مودي على ضابط سابق في المخابرات قام بعدد من المهام الجريئة وله سنوات من الخبرة في التعامل مع باكستان وذلك لشغل منصب مستشار الأمن القومي في خطوة يرى مسؤولون أنها تشير إلى منهج أكثر استعراضا للعضلات في التعامل مع العدو التقليدي لنيودلهي. ويؤكد اختيار أجيت دوفال لهذا المنصب واختيار قائد الجيش السابق ف. ك. سينغ كوزير اتحادي للمنطقة الشمالية الشرقية خططا لإصلاح الأمن القومي الذي يقول مودي إنه أصبح ضعيفا في ظل الحكومة السابقة. ويشير تعيين الاثنين إلى رغبة في معالجة أكبر هاجسين أمنيين تواجههما الهند وهما باكستانوالصين وكلاهما يمتلكان أسلحة نووية مثل الهند. ودوفال ضابط حاصل على العديد من الأوسمة والنياشين لدوره في مهام خطرة لمكافحة أعمال تمرد وهو ينادي منذ فترة طويلة بالقيام بعمل صارم ضد الجماعات المتشددة رغم أن العمليات التي شارك فيها تشير إلى قدر من الاتجاه العملي. ففي الثمانينات تسلل إلى المعبد الذهبي في مدينة أمريتسار التي تم إخراج السيخ منها فيما بعد كما تسلل وسط جماعة قوية من الثوار الذين كانوا يقاتلون من أجل الاستقلال عن الهند في ولاية ميزورام بشمال شرق البلاد. ووقعت الجماعة في النهاية اتفاق سلام. كما كان دوفال في قندهار بأفغانستان عندما اختطف متشددون يعملون انطلاقا من باكستان طائرة هندية من كاتمندو عشية عيد الميلاد عام 1999. وتم حل الأزمة بالافراج عن قادة متشددين مقابل الرهائن. وقال ضابط بمكتب المخابرات عمل لسنوات طويلة في كشمير ومناطق أخرى ساخنة في الهند "دوفال يفكر بطريقة غير تقليدية. توقع أن يغير الوضع." وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه إنه يتوقع أن يسعى الفريق الأمني الجديد للتوسع السريع في البنية التحتية الحدودية وتنظيم أجهزة المخابرات التي مازالت تعمل بمعزل عن بعضها البعض وكثيرا ما تعوق بعضها بعضا. وقد أعلن سينغ أن أهم أولوياته هي تطوير الشمال الشرقي لتقليص الفجوة مع الاستثمار الصيني في الطرق والسكك الحديدية على الجانب الاخر من الحدود. كما تعمل الهند على إنشاء قوة جديدة جبلية وتدعيم الدفاعات الحدودية رغم أن هذه المبادرة تعطلت. * الخوف من انتشار العدوى الأفغانية ومن الأهداف الأساسية لحزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي ينتمي إليه مودي أن تكون الهند آمنة. ويريد رئيس الوزراء الجديد نفسه أن تكون الحدود مؤمنة حتى تتمكن البلاد من التركيز بالكامل على إعطاء دفعة مطلوبة للنمو الاقتصادي. وفاز مودي في الانتخابات في مايو ايار محققا نصرا ساحقا بفضل وعوده الاقتصادية بتوفير وظائف لسكان الهند البالغ عددهم 1.2 مليار شخص ورفع مستوى المعيشة. غير أنه مع انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان بحلول نهاية العام تشعر الهند بالقلق خشية أن يحول المتشددون الاسلاميون أنظارهم إلى إقليم كشمير المتنازع عليه الذي تطالب به باكستان. وقد خاضت الهندوباكستان اثنتان من حروبهما الثلاثة منذ الاستقلال بسبب الاقليم الواقع في جبال الهيمالايا ويفصل قواتهما المسلحة خط الهدنة في مناطق جبلية وعرة يمتلك المتشددون القدرة على اجتيازها. وسيتولى دوفال (69 عاما) وهو الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية بمكتب المخابرات منصب مستشار الأمن القومي ليصبح ثاني ضابط من المخابرات يتولى هذا المنصب. ولم يقل دوفال شيئا عن أولوياته بعد الاعلان يوم الجمعة عن تعيينه غير أنه قال في حوارات سابقة مع رويترز كرئيس لوحدة أبحاث يمينية في نيودلهي إنه يجب أن ترسم الحكومة الجديدة سياسات أمنية أساسية منها سياسة عدم التهاون على الاطلاق مع أعمال العنف. وكان يشير بذلك إلى العمليات التي ينفذها متشددون تقول الهند إنهم يعبرون من باكستان مثل المسلحين الذين قتلوا 166 شخصا في مومباي عام 2008 في هجوم جريء أدى إلى توقف مباحثات السلام بين الدولتين. * أسلوب العصا والجزرة ودعا مودي رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى حفل تنصيبه في بادرة محسوبة على المصالحة. لكنه استخدم العصا مع الجزرة. وخلال محادثات استغرقت ما يقرب من ساعة أبلغ مودي شريف إن على باكستان أن تمنع المتشددين الموجودين على أراضيها من مهاجمة الهند وأن تتحرك بسرعة ضد من تحملهم الهند مسؤولية مذبحة مومباي. وجاء هذا الموقف متمشيا مع جدول أعمال مودي الذي يقوم على أسس قومية هندوسية وهو ما يؤدي إلى توتر الكثير من مسلمي الهند البالغ عددهم 175 مليونا. لكن البلدين اتفقا على إعادة اطلاق محادثات السلام. وقال أ. س. دولات الرئيس السابق لجناح الأبحاث والتحليل المكلف بجمع المعلومات الاستخباراتية من الخارج "الارهاب مازال يمثل مصدر قلقنا الرئيسي وعلينا أن نعالجه بأسلوب شامل... فالحرب ليست خيارا مطروحا." ورغم أن الهند ستمارس ضغوطا دبلوماسية على باكستان فهي تتقبل فكرة أن الحكومة المدنية في اسلام أباد ليست في وضع يتيح لها السيطرة على كل الجماعات المتشددة وأن نيودلهي تحتاج لمعالجة جوانب ضعف في أمنها الداخلي. وقال مسؤول بوزارة الداخلية "الشيء الذي ستركز عليه الحكومة هو الأمن الداخلي فهذا ما يقلقهم أشد القلق. فأنت لا تريد أن يتكرر ما حدث في مومباي وإذا حدث ذلك فليس لديك خيارات كثيرة." وقالت باكستان إنها مازالت ملتزمة بتحسين العلاقات مع الهند وإنها حققت بداية طيبة في هذا الصدد. وقال طارق عظيم أحد كبار المسؤولين العاملين مع شريف لرويترز "أيا كان من يعينه مودي في فريقه للامن القومي فهذا أمر يرجع له وبكل تأكيد لن نتدخل في ذلك." وأضاف "باكستان ستواصل بالعزم الذي أبداه نواز شريف العمل على بناء علاقات طيبة مع الهند. فالاجتماع في دلهي كان وديا." * الجبهة الصينية أما الشخصية الأخرى التي اختارها مودي لفريقه الأمني الجنرال المتقاعد سينغ فقد يعيد الاهتمام بخطة الهند لإنشاء قوة مؤلفة من 80 ألف جندي على امتداد الحدود مع الصين في الشمال الشرقي. وكان حزب المؤتمر الذي خرج من السلطة في الانتخابات الاخيرة أقر برنامجا ضخما لشق طرق وتطوير مطارات في المنطقة النائية لكن التنفيذ تأخر. ومن المتوقع أن يسعى سينغ الذي فاز بمقعد لحزب بهاراتيا جاناتا في البرلمان في الانتخابات للتعجيل بهذه العملية بفضل اتصاله المباشر برئيس الوزراء. وقال للصحفيين بعد تولي منصبه الجديد يوم الخميس الماضي "تنمية الشمال الشرقي ستكون أولويتي القصوى." وتطالب الصين بأكثر من 90 ألف كيلومتر مربع من الاراضي تطالب بها الهند أيضا في القطاع الشرقي من جبال الهيمالايا بما في ذلك معظم ولاية أروناشال براديش التي تسميها الصينجنوب التبت. وكتب المعلق سانديبان ديب يقول في صحيفة مينت "في الوقت الذي تواصل فيه الصين رفض الاعتراف بولاية أروناشال براديش كجزء لا يتجزأ من الهند وتبني الطرق السريعة ذات المواصفات العسكرية التي يمكنها أن تنقل دبابات ومدفعية ثقيلة بسرعة إلى حدود الهند فإن تعيين قائد سابق للجيش مسؤولا عن المنطقة يعد الاستراتيجية المثلى." لكن في بادرة على أن مودي يحرص على نزع فتيل التوترات الاقليمية تحدث رئيس الوزراء الهندي مع رئيس وزراء الصين يوم الخميس وقدم الدعوة للرئيس شي جين بينغ لزيارة الهند.