أثار اللقاء الذي جمع بين السفيرة الأمريكية وبين نائب المرشد، لدى عموم المصريين، العديد من علامات الاستفتهام والدهشة والاستغراب، من حيث التوقيت وفحوى الحوار، وبغض النظر عن التفاصيل التي دارت في هذا اللقاء، إلا إنه يؤكد على عدة حقائق.. أولها: أن أمريكا مصممة على المساندة المطلقة لجماعة الإخوان المسلمين على غرار ما فعلته باترسون نفسها في باكستان، فمن الواضح أن النموذج الباكستاني في “,”التبعية“,”، له رونقه ومؤيدوه داخل الإدارة الأمريكية. الحقيقة الثانية: أن جماعة الإخوان قدمت بالفعل براءات الطاعة والولاء للإدارة الأمريكية، مثلها مثل النظام السابق تمامًا، فمن ينظر إلى سياسة مصر الخارجية يجد أنها منفذة أو لاحقة للسياسات الأمريكية، والدليل على ذلك دعوة الدكتور مرسي لفتح باب الجهاد في سوريا بعد إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية قرارها بتسليح المعارضة السورية. ثالثًا: تراجع مكتب الإرشاد والرئيس مرسي عن إقامة علاقات طبيعية مع إيران، على الرغم من انتخابات رئيس إيراني جديد محسوب على الإصلاحيين إرضاءً للإدارة الأمريكية وليس لشركاء الوطن من السلفيين كما تدَّعي جماعة الإخوان. رابعًا: يؤكد اللقاء للسلفيين وللجماعات الجهادية التي تساند الرئيس، أن الجماعة تستخدمهم كتكتيك مرحلي وأنها ليس لديها النية أو الجدية في تطبيق الشعارات التي ترفع في مظاهرات تطبيق “,”الشريعة“,” وغيرها، وأنه لا يوجد أدنى شك في أن الجماعة تستخدم كل التيارات الإسلامية الأخرى للتنكيل وتخويف وترهيب المعارضين فقط، وهي الحقيقة المستقرة في ذهن ووجدان الكثير من هذه التيارات ولكنها مستمرة في تصديق الخطاب الظاهري، وهو ما ينطبق عليه المثل المصري الشهير “,”لا قادر على حبك ولا قادر على بعدك“,”، وهو مما لا شك فيه سوف يضر هذه الجماعات، خاصة بعد التراجع الواضح في شعبية الإخوان والجماعات الإسلامية المساندة لها، والتي تستخدم مصطلحات “,”عسكرتارية“,” في تهديد المصريين مثل العبارة الشهيرة التي قالها المدعو عاصم عبدالماجد “,”لا تسرفوا في القتل“,”، وكأننا في احتراب داخلي وليس صراعًا سياسيًا تسبب فيه الرئيس بوعود انتخابية لم ينفذ منها شيئًا. وبناء على ما سبق، يمكن القول إن حالة الترهيب والتخوين والتخويف من 30 يونيو، تلعب فيها الولاياتالمتحدة دورًا كبيرًا لاستمرار حكم الإخوان، وهنا يثور تساؤل: لماذا الشاطر بالتحديد؟ ولماذا لم يكن الرئيس؟ ولماذا هذا الإصرار الأمريكي على السير عكس رغبات وتطلعات المصريين؟ وهل تمت سرقة الثورة المصرية وحلم الشعب من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية وليس الإخوان؟ ولماذا كان الخوف الإخواني من فتح باب حوار مباشر بين السلفيين والإدارة الأمريكية؟ ومدى حقيقة الدور الإخواني فى تقسيم السلفيين، خاصة حزب النور، إلى فرق وجماعات مساندة وداعمة ومؤيدة لهم وتشويه صورة الفريق الآخر غير المؤيد؟ إن الحقيقة الواضحة في هذا اللقاء تتمثل في: رضوخ مكتب الإرشاد بات واضحًا للعيان، وليس بحاجة إلى دلائل وبراهين، وأعتقد أن الجماعة لم تستفد من تجربة مبارك مع الأمريكان، الذين أوهموه بأنهم يساندونه بشكل مطلق مقابل الحفاظ ورعاية المصالح الأمريكية في المنطقة، وهو ما لم يحدث، إذ إن مع بدايات الثورة المصرية بحثت الولاياتالمتحدة عن بديل يتميز بنفس خصائص مبارك، ووجدت في الجماعة خير بديل، لأنها بالفعل تربت وترعرعت على مبادئ السمع والطاعة والتنفيذ بدون نقاش ولا جدال. ومن ثم وجد الأمريكان مميزات أكبر وأفضل لدى الجماعة عن نظام مبارك، كما نجح الرئيس سريعًا وبامتياز في أول اختبار أجرته له إسرائيل تحت الرعاية الأمريكية بالهدنة التي عقدت في نوفمبر 2012، ومن وقتئذ لم يطلق صاروخ واحد على إسرائيل من جانب الجناح العسكري للإخوان “,”حماس“,”. حقيقة، تميزت العلاقات المصرية الأمريكية قبل الثورة بالشد والجذب تارة والوفاق التام في أغلب فتراتها، إلا إن بعد الثورة اتسمت العلاقات بالتبعية والوفاق الكامل على عكس ما وعد به الرئيس من استقلال القرار الوطني بعيدًا عن التدخلات الخارجية، ونسي الرئيس وجماعته أن من يساعد إثيوبيا في بناء “,”سد النهضة“,” هي الإدارة الأمريكية الحالية. ونافلة القول، إذا وجدت الإدارة الأمريكية ضالتها في جماعة الإخوان ورئيسها في تنفيذ أجندتها في المنطقة، فإن الشعب المصري الذي يتطلع إلى استقلال قراره وسيادته الوطنية هو من سيقف لكليهما بالمرصاد، لاستعادة الكرامة والعزة التي ينشدها منذ فجر التاريخ.